في حياة كل منا لحظات سعادة يقتنصها في غفلة من زمن ضنين لايجود إلا بالحزن . عشت تلك اللحظات عندما رزقني الله به . رأيته بقلبي قبل أن تحتضنه عيناي . سكن بجوارفؤادي تسعة أشهر بعدها سكن في حضني صغيرا حتي شب عن الطوق ودخل مرحلة الشباب . كبر طفلي فصار رجلا هو الأطيب والأرق والأكثر حنانا في نظري . لم يتغير كثيرا عما كان عليه طفلا صفاته الجميلة جعلته الأقرب إلي قلبي . هادئا كان دائما مطيعا لاأذكر أنني عنفته يوما علي خطأ ارتكبه أو علي حماقة انزلق إليها كتلك الحماقات التي ينزلق إليها من هم في سن المراهقة . حتي لحظات شططه وتمرده وضيقه وتبرمه سرعان ماتمر سريعا يرجع بعدها لهدوئه معتذرا عما بدر منه بالرغم أن كل مافعله لم يخرج عن كونه مجرد هفوات لاتعد شيئا مقارنة بما يفعله أقرانه أو حتي أشقاؤه . ربما كان ذلك وراء تلك المكانة التي تمتع بها في قلبي . وربما كان سبب ذلك أنني لم أكن أبذل جهدا كبيرا في استيعابه . كان كالكتاب المفتوح أمامي أقرؤه بسهولة . يسهل علي ذلك أنه لايخفي علي صغيرة ولا كبيرة . فكان يسهل علي توجيهه دون عناء ونصحه دون مشقة ولم أكن أفعل ذلك كما تفعل أمهات كثيرات. كنت أفضل دور الصديق الذي يقدر زلات صديقه وينصحه دون تكلف أو استعلاء . كان ذلك قبل أن تفقد كلماتي طريقها إلي عقله . لاأعرف متي بدأ ذلك الشعور يتسلل إليّ ؟ ربما أدركت ذلك متأخرا وربما أدركته من البداية لكني كذبت نفسي، آثرت تجاهل جهاز الرادار الداخلي الذي وهبه الله لكل إمرأة. لم أستمع لأجراسه التي بدأت تتعالي داخلي كتمت أصواتها وحجبت قلبي عن سماعها. لم أبال بتحذيراتها من الأخري التي اقتحمت حياة ابني فقلبتها رأسا علي عقب. خشيت أن أقع في أخطاء أمهات أخريات كنت كثيرا ما أنتقدهن لأنهن تعلقن بأولادهن بشكل مرضي فأصابتهن الغيرة بعدما ذهب هؤلاء إلي عالمهم الجديد . رفضت أن أكون واحدة من هؤلاء بيقين أنها سنة الحياة وأن من حق إبني أن يحب ويتزوج وتكون له شريكة حياة لها مكانة مهمة في عقله وقلبه واهتمامه . كنت أدرك ذلك لكنها هي من تقدر أن للأم حقوقا وأن حياتها مرهونة بكلمة طيبة وابتسامة رقيقة واهتمام صادق وحنان فياض تنتظر أن يجود به أبناؤها دون أن تتسوله لكنها أرادت لي أن أشحذ حنان ابني أرادت لي الوحدة والعزلة والحرمان . تلك النهاية التي طاردتني كوابيسها منذ تعرف ابني علي تلك الفتاة التي صارت زوجته . كنت أعرف أنها مختلفة عنه في كل شيء وأخطرها تلك الحدة التي بدت علي طباعها وعكستها كلماتها ونظرات عيونها المتسلطة .أدركت ذلك منذ فترة الخطوبة لكنني لم أشأ أن أعترف لابني آثرت الاحتفاظ بانطباعاتي بعدما حاولت التلميح مرارا لها فصدني قلب ابني العاشق المتيم القادر علي التسامح وأعمته عيون الحب عن اكتشاف عيوب محبوبته . فرحة ابني جعلتني أئد ظنوني علي أمل أن تخيبها الأيام لكنها فعلت العكس . بعد شهور قليلة من الزواج ظهرت زوجة ابني علي حقيقتها وإن لم يشأ هو أيضا الاعتراف بها. لكنها تركت آثارها واضحة عليه . لم يعد كما كان لايتقبل كلماتنا وآراءنا إلا بضيق واضح. أصبحت كل تصرفاتنا موضع انتقاده. أصبح يبتعد يوما بعد آخر عنا لايزورنا إلا قليلا تمر أيام دون أن يفكر في الاتصال بنا. أصبحت أشعر أننا علي هامش اهتمامه. لم يعد ذلك الابن البار الذي كان عليه طوال حياته أصبح عصبيا شاردا أقرب للجحود بنا. تري هل حولت ابني لصورة بغيضة منها أم أنها مجرد فترة طارئة سيعود ابني بعدها كما كان؟ لصاحبة هذه الرسالة أقول : أقدر بقلب أم مشاعرك . أدرك أن حاجتنا لحنان واهتمام أبنائنا كبارا تفوق حاجتهم إلينا صغارا . لكن كما قلت أنت إنها سنة الحياة. تأخذهم بعيدا عنا. ندرك ذلك ونشعر بالأسي أحيانا ونقدر انشغالهم أحيانا. ويهون علينا المر شعورنا أنهم سعداء في حياتهم مستقرين فيها . لكن مالانستطيع تحمله أن نلمح التعاسة علي وجوههم وقتها لانستطيع أن نغفر لمن سبب لهم ذلك . أعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي لأزمتك فإحساسك بأن حياة ابنك تفتقد لمشاعر الدفء والسعادة والهدوء وإحساسك بأنه بدأ يفتقد تلك الصفات الجميلة التي تحلي بها طويلا بفضل تلك الزوجة التي تركت آثارها ليس فقط عليه وإنما علي علاقته بأسرته رغم أنك علي حد وصفك لم تتدخلي في حياتهما ولم توجهي لها يوما أي نقد ولم تقدمي لها سوي كل طيب وأعتقد أن هذه المعاملة الطيبة ستؤتي ثمارها علي المدي البعيد لذلك أنصحك بالاستمرار في عدم التدخل في حياة ابنك دعيه يصرف حياته كيفما يشاء وأعتقد أنه لن يتحمل تلك الصفات التي تتسم بها زوجته والمناقضة لسلوكه وتربيته ولاشك أنه سيحاول تهذيب سلوكها وتقويمه نحو الأفضل .وهذا أمر طبيعي يحدث كثيرا في السنوات الأولي من الزواج وتدخلك ربما يزيد الأمور تعقيدا وثقي أنه سيكون الأقدر علي تسيير حياته وأنه يوما سيعود مثلما كان بارا حنونا عندما ينجح في تحقيق الاستقرار في حياته سواء بالاستمرا مع زوجته بعد نجاحه في تقويم سلوكها أو الانفصال عنها إذا لم يجد مفرا من ذلك. اتركيه يختار وانصحيه مثلما فعلت دوما بروح صديق وبقلب أم ادعي الله أن يصلح حاله .