أكد الدكتور محمد أحمد علي مدير مركز التميّز العلمي لبحوث الفيروسات بالمركز القومي للبحوث، أن اللقاحات المستوردة لإنفلونزا الطيور غير فعالة وأدت إلي تحوّر الفيروس وتوطنه في مصر، كاشفاً في حواره ل"آخر ساعة" أنه أول من توصل إلي إنتاج لقاح محلي لإنفلونزا الطيور مُطالباً بتعميم إنتاجه. ويضيف أن وزارة الزراعة لم تقم بالاستعدادات الكافية لمواجهة إنفلونزا الطيور، مُحذراَ من إمكانية زيادة انتشار الفيروس خلال موسم الشتاء الحالي. ما تقييمك لاستعدادات وزارة الزراعة لمواجهة إنفلونزا الطيور؟ - فعلياً لم تستعد الوزارة لمواجهة إنفلونزا الطيور بأي شكل، وحتي الخطط الاستراتيجية التي يتم الإعلان عن تنفيذها لمجابهة الفيروس ليس لها وجود علي أرض الواقع، وربما كان أبرز دليل علي ذلك ما أعلنته منظمة الصحة العالمية في تقريرٍ أخير لها أن مصر تُعد أولي دول العالم في انتشار إنفلونزا الطيور تعقبها أندونيسيا ثم فيتنام، ففي أول ثلاثة أشهر من عام 2015 سجلت مصر 119 حالة إصابة بشرية و30 وفاة من خلال 400 بؤرة إصابة بالفيروس. وهذه الكارثة للأسف لم يلتفت إليها مسؤولو وزارة الزراعة والهيئة العامة للخدمات البيطرية، وباستمرار هذا القصور في التعامل مع الأزمة، أعتقد أننا سنكون بصدد كارثة هذا العام يُمكن أن تُلقي بتبعات خطيرة علي الثروة الداجنة والصحة العامة للمواطنين، فمن الوارد أن يزداد انتشار الفيروس لذا يجب أن تتحرك وزارة الزراعة لمواجهته من أجل السيطرة عليه. ولن يتم ذلك إلا بتعميم إنتاج لقاحات تُناسب العترة المحلية من الفيروس، وهذا ما توصلت إليه من خلال عشرات الدراسات التي أجريتها في هذا المجال كيف تمكنت من إنتاج اللقاح الخاص بهذا الفيروس؟ - أقود فريقاً من الباحثين في مجال الفيروسات وكنا من أوائل الباحثين الذين تحرّكوا لمواجهة انتشار فيروس إنفلونزا الطيور مع بداية ظهوره في فبراير 2006، وخلال عدّة سنوات تمكنت من تحضير سلالة من اللقاح المُحضّر من معزولات محلّية، فمن خلال أخذنا للعينات بشكلٍ أسبوعي من مزارع وأسواق الدواجن، نتمكن من رصد المعزولات الفيروسية ومتابعة التغيرات الجينية لهذه الفيروسات وتحليلها باتباع تقنيات تكنولوجية متطوّرة. وإنتاج اللقاح يتم بنزع أحد شرائط التركيب الجيني للفيروس، وهي الخاصة بضراوة الفيروس الذي يُهاجم الوظائف الحيوية للطائر، لنعيد تكوينه في شكل سلالة جديدة يتكون منها اللقاح. ونقوم بالفعل بتحديث هذا اللقاح الذي توصلنا إليه بصورة مستمرة، فعندما حدث تحوّر وتغيير في الفيروس عام 2013 قمنا بتحضير لقاح من السلسلة الأكثر شيوعاً. وتوصلنا أيضا إلي إنتاج لقاح محلي بمعزولات حديثة من الفيروس بعد تحوّره مرة أخري هذا العام. هل تم تبني ما توصلت إليه من جانب وزارة الزراعة؟ - للأسف تعرّضتُ أنا وفريقي البحثي لحملة تشكيك وانتقادات غير علمية لما توصلت إليه من جانب بعض المسؤولين. إلي أن وافق معهد بحوث الأمصال واللقاحات البيطرية -وهو الجهة المعنية بتقييم اللقاحات وإجازة تداولها- علي إنتاج اللقاح الجديد ولكن بصورة محدودة، ما لا يتناسب تماماً مع حجم احتياجاتنا المحلية من اللقاحات، حيث تحتاج الثروة الداجنة لدينا إلي ما يقرب من مليار و200 مليون جرعة لقاح سنوياً. فإنتاج اللقاح لم يتم تعميمه علي الشركات حتي الآن، ومقابل ذلك نجد أن هناك فوضي عارمة في ملف اللقاحات الخاصة بإنفلونزا الطيور H5N1، لا أحد يتخيل أن لدينا 32 لقاحاً مستورداً لهذا الفيروس. الكارثة أن نتائج تقييم أغلب هذه اللقاحات التي تدخل السوق المصري أثبتت عدم فاعليتها تماماً مع العترة المحلية من فيروس إنفلونزا الطيور. وهذا الوضع يُثير علامات استفهام حول مدي تأثير الشركات المستورة للقاح علي متخذي القرار ووزارة الزراعة. كيف اكتشفت عدم فاعلية اللقاحات المستوردة؟ - هذه الأزمة تبدأ من اختبارات التحدي التي يجريها معهد اللقاحات لإقرار فاعلية اللقاح من عدمه، فالكارثة أن المعهد كان يستخدم سلالة قديمة من الفيروس قبل أن يتحوّر. وحين استُخدمت السلالة الحديثة في تقييم بعض اللقاحات، في الاختبارات التي شاركت في إجرائها هيئة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" بمعرفة مسؤولي الشركات المستوردة للقاح في مصر وكذا المسؤولين عن التقييم بوزارة الزراعة، حصلت أغلبها علي "صفر" في هذا الاختبار. وخلال العام الماضي أثناء دراستي الدورية لكفاءة اللقاحات المتداولة في السوق المصري، وجدت أن أحد اللقاحات الذي تم تسجيله علي أنه يحتوي علي سلالة مصرية، أثبت الاختبار أن الفيروس لا يشبه نهائياً المعزولات المصرية لكنّه تشابه مع فيروسات صينية. وتوصلنا إلي ذلك عن طريق بنك الجينات الدولي، بعد أن أخذنا عينة منه لنستخلص الحامض النووي الفيروسي وبإجراء اختبار تفاعل "البلمرة" له. كيف يؤثر ذلك علي الثروة الداجنة لدينا؟ - بالطبع يعصف ذلك بثروتنا الداجنة، والكارثة أن هذه السلالة القديمة أجازت دخول أكثر من 26 لقاحhW مستوردا، ما ساهم في سرعة انتشارا الفيروس وزاد من توطنه في مصر، غير أن تعدد أنواع اللقاحات المستخدمة في تحصين الدواجن يؤدي إلي ظهور طفرات غير متوقعة في التركيب الوراثي للفيروس ما يجعله أكثر مقاومة للقاحات. ورغم أن هيئة الخدمات البيطرية بلجانها أقرت أن ترفع نسبة كفاءة اللقاح الذي تتم إجازته من 80% إلي 90%، إلا أن ضغط الشركات المستوردة للقاحات جعلها تتراجع وتُقر النسبة السابقة. وقد ناشدت المسؤولين في الهيئة العامة للخدمات البيطرية أن يقوموا بتحديث هذه السلالة ولكن لم يستجيب أحد.