في كل مرة تظهر فيها عترة جديدة من الفيروسات التي تصيب الثروة الحيوانية, نقف مكتوفي الأيدي, في انتظار عزل العترة أو السلالة الجديدة منه, حتي يتم تصنيع اللقاح اللازم لها, ومن ثم تكون أعداد من الماشية قد نفقت بعد أن يتمكن منها الفيروس. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تكمن المشكلة في مراكز البحوث, وتصنيع الأمصال واللقاحات البيطرية التي لا تتنبأ بالعترات الأخري المنتشرة في دول العالم المختلفة, أو التي نستورد منها اللحوم فتستعد لها, أم المشكلة في الأجهزة المعنية بالرقابة علي الحيوانات المستوردة الخارج, أم بسبب تسرب حيوانات مصابة عبر الحدود وسط غيبة الرقابة.. وأيا كانت الأسباب, فالحقيقة المرة, أننا نغرق في شبر ميه كما يقولون, عند ظهور عترة جديدة من الفيروسات التي تضرب الثروة الحيوانية في مقتل! وطوال سنوات لم تكن لدينا مشكلة مع الحمي القلاعية, فقد تمكنا من عزل العترات السابقة التي أصابت الثروة الحيوانية في مصر من قبل, وأنتجنا اللقاحات اللازمة لنا.. أما العترة الجديدة التي داهمت ثروتنا الحيوانية, وأدت إلي نفوق بعض الماشية, ولاتزال تشكل خطرا علي البعض الآخر, فليس هناك حل سوي الانتظار حتي يتم تصنيع اللقاح اللازم للتعامل معها, وهو أمر قد يستغرق عدة أسابيع, تكون خلالها أعداد أخري من الماشية قد نفقت بفعل فيروس الحمي القلاعية, في حين تزداد المخاوف إذا علمنا أن تحصين الماشية باللقاحات الجديدة لن يفيد مادام الفيروس منتشرا, وأن علينا الانتظار في الموسم القادم حتي نتمكن من تحصين الماشية ضد العترة الجديدة! المواجهة بأسلوب رد الفعل! والشاهد, أنه لا توجد مشكلة في لقاحات الحمي القلاعية.. هكذا قال لي الدكتور مصطفي بسطامي عميد كلية الطب البيطري السابق بجامعة القاهرة, فهي متوافرة منذ سنوات, ويتم تحضيرها وتصنيعها بسهولة, وقد تم تحصين الماشية ضدها منذ سنوات طويلة, لكن عندما يتحور الفيروس تكون هناك مشكلة في التصدي له, لأن العترات الجديدة لا تستجيب للقاحات السابقة, كما أن مشكلتنا الحقيقية تكمن في أننا نتعامل بأسلوب رد الفعل, ولا نتابع تحورات الفيروسات, ولا نستعد لها, بل يظل اللقاح القديم هو السائد, وهو لا يجدي عند تحور الفيروس.. ** سألته: هل من الممكن علميا تصنيع لقاحات للعترات الجديدة من الفيروسات حتي في حالة عدم طهورها في مصر كإجراء استباقي؟ عميد بيطري القاهرة السابق: نعم, يجوز الاستعداد للعترات الجديدة, وأتذكر أننا عقدنا مؤتمرا علميا في شهر أكتوبر من عام2005, وعندما ظهرت انفلونزا الطيور في تركيا, ولم يكن الفيروس قد ظهر في مصر بعد, نظمنا مؤتمرا علميا, وقلنا انفلونزا الطيور أصبحت قريبة, ولم يلتفت أحد إلي توصيات المؤتمر, فظهرت انفونزا الطيور في أوائل العام التالي2006, لكننا لم نستطع الحصول علي اللقاحات إلا بعدها بأسابيع, في حين كانت كميات كبيرة من الدواجن قد نفقت, ولو أننا كنا جاهزين للمواجهة قبل ظهور الفيروس في مصر, لما تعرضت ثروتنا الداجنة لكل هذه الخسائر. مطلوب خريطة سنوية للأوبئة في الحقيقة, نحن نحتاج إلي متابعة دقيقة للفيروسات, ومن الضروري أن تكون لدينا إدارة مركزية تضم فريق عمل يتمتع بالكفاءة, لإعداد خريطة مرضية لكل وباء, بما يساعدنا علي صياغة خطة أو رؤية مستقبلية عن مدي تغير أو تحور الفيروسات المختلفة سواء في الدواجن, أو الماشية, علي أن تتغير هذه الخطة حسب المسح السنوي الشامل الذي يتم إجراؤه, خاصة أن تكلفة تصنيع اللقاحات تقل كثيرا عن الخسائر التي يمكن أن نواجهها إذا دخل الفيروس, وإذا تم تصنيع اللقاح قبل ظهور الفيروس أوالعترة الجديدة منه, وتم تحصين الحيوانات والطيور به فسوف يتمكن الجهاز المناعي لها من التصدي له, أما التحصين باللقاح الخامل بعد ظهور الفيرس أو تحوره فستكون المواجهة متأخرة بعض الوقت, مما يؤدي إلي نفوق كميات كبيرة منها, كما ان الاستعداد للمواجهة بالتصنيع المحلي للقاحات سوف يوفر تكاليف الاستيراد بالعملة الصعبة. وبشكل عام, فإن المشكلة في فيروس الحمي القلاعية كما يقول الدكتور صبري محمد تمام أستاذ ورئيس قسم الفيروسات بكلية الطب البيطري جامعة بني سويف, تكمن في عزل السلالة الجديدة منه, فإذا تم تصنيف الفيروس, والتعرف عليه جينيا يصبح من السهل تصنيع اللقاح المناسب له, لكن عملية التصنيع قد تستغرق شهرا كاملا, حيث يتم تحضيره ثم تقييمه معمليا, للتأكد من سلامته وصلاحيته للاستخدام, بعدها يتم إنتاجه وطرحه في الأسواق, مشيرا إلي أنه تم من قبل عزل سلالتين للفيروس وهماO,A, وتم تحصين الماشية المحلية ضدهما, ومن ثم تم إنتاج اللقاحات اللازمة لهما, لكن عندما تظهر سلالة جديدة من الفيروس فنحن بحاجة إلي لقاح جديد لتحصين الماشية به. ** سألته: كيف دخلت العترة الجديدة من الحمي القلاعية البلاد ؟ - أغلب الظن أنها جاءت عن طريق اللحوم الحية المستوردة من أثيوبيا, أو عن طريق اللحوم المجمدة المستوردة من الخارج أيضا, ومن المعروف أن الحمي القلاعية متوطنة في إثيوبيا وجنوب إفريقيا, وهي سريعة الانتشار, سواء كان ذلك عن طريق شحنات لحوم مجمدة أو حية- كما ذكرت- فينتقل الفيروس عن طريق اللحوم أو خلال نقلها, أو عند ملامسة عامل لها, أو باختلاط ماشية مصابة بأخري سليمة, وتشكل الحمي القلاعية خطورة علي العجول الصغيرة حيث تؤثر علي عضلة القلب, وقد تحدث الإصابة دون ظهور أية أعراض, بينما يمكن علاج أعراض الإصابة بالفيروس في العجول الكبيرة, لكنها تتحملها لقوة جهازها المناعي. .. والحل؟ - من الضروري تحضير اللقاحات من سلالات معزولة محليا, وليس من سلالات مستوردة, ولابد من متابعة الموقف الفيروسي كل عامين, فقد كان لدينا لقاح للسلالةO, وعندما ظهرت السلالةA, تمت إضافة لقاح جديد, لكن هناك سلالات أخري من الفيروس مثلSAT(1),SAT(2),SAT(3), ومن يجب أن نستعد لها, وعلي المستوي الوقائي يجب إتباع برامج للعزل والتطهير في المزارع, فضلا عن تشديد الرقابة علي اللحوم الحية والمستوردة, لمنع تسرب أية لحوم مصابة إلي الأسواق المحلية. ويتوقع الدكتور نبيل عبد الجابر يس أستاذ اللحوم بكلية الطب البيطري جامعة القاهرة- أن تكون العترة سات2 قد جاءت عن طريق استيراد لقاح غير موجود لدينا, أو عن طريق دخول لحوم حية مصابة إلي البلاد خلال فترة حضانة الفيروس المعروف بتوطنه في منطقة إفريقيا, مشيرا إلي أنه عند اكتشاف إصابة الحيوان بالحمي فإنه يجب إعدامه, أما لو كان مصابا بالفيروس ولم تظهر عليه الحمي ففي هذه الحالة يتم ذبحه بشرط إعدام الرأس, والبلعوم, والمرئ, والكوارع, والعظم لان الفيروس يمكث فيه لمدة76 يوما, ويجب في كل الأحوال وضع اللحوم في الثلاجة لمدة24 ساعة يوميا ومن الإجراءات الوقائية التي يجب الالتزام بها والكلام مازال للدكتور نبيل عبد الجابر يس- حظر نقل اللحوم من محافظة إلي أخري, وتجنب تناول اللبن الخام غير المعامل بالحرارة في المناطق المصابة بالفيروس, وكذلك عدم ملامسة الحيوان المصاب, ومنع دخول وخروج الحيوانات, وعلاج الأعراض التي تظهر عليها, وتطعيمها بصفة دورية, ولابد أن يدرك الجميع أن الحمي القلاعية يمكن أن تفتك بالثروة الحيوانية لان نسبة النفوق فيها تكون مرتفعة, لذلك يجب متابعة الفيروس باستمرار, والإسراع في إنتاج اللقاحات اللازمة له فور عزله, موضحا أنه عند اكتشاف الإصابة بالفيروس في أي دولة أوروبية, يتم إعدام كل الحيوانات المصابة به, وكذلك الحيوانات المخالطة لها, وهذا- في رأيي- يعد أفضل إجراء وقائي يمكن إتباعه عند اكتشاف الإصابة بفيروس الحمي القلاعية. اللقاح للتحصين وليس العلاج والصورة كذلك لدي الدكتور أحمد فرحات نقيب البيطريين السابق الذي يؤكد أن الحيوانات في مصر محصنة ضد فيروس الحمي القلاعية, وهناك لقاحات للعترات التي ظهرت في مصر من قبل مثلO,A,SAT(1), لكن المشكلة تكمن في تحور الفيروس, وظهورعترةSAT(2), ومن ثم يجري حاليا العمل علي إنتاج لقاح جديد لمواجهة عملية التحور التي حدثت في الفيروس. واللقاح- لمن لا يعرف- ليس علاجا, بل هو تحصين للحيوان, لزيادة قوة المضادات الطبيعية في جسمه علي التصدي للفيروس, مشيرا إلي أن العترة الجدية يتم تحضيرها لكن لا قيمة لاستخدامها حاليا, لان تحصين الحيوان في ظل وجود العترة لا قيمة له, وإنما يمكن استخدامها في الموسم القادم, ومن الممكن تلقيح الحيوانات مرتين, الأولي في أغسطس القادم, والثانية في ديسمبر, وهذه تعد جرعة منشطة. ومشكلة الحمي القلاعية- كما يقول نقيب البيطريين- أنها تفتك بالعجول الصغيرة حتي سن4 أو5 شهور, كما تفتك بحيوانات الفريزيان, لاسيما أن مناعتها ضعيفة بسبب ارتفاع معدل إدرارها للألبان, وكذلك لتربيتها في مناخ مختلف عن المناخ الأصلي, ولذلك ظهرت الإصابة بشكل مكثف في محافظتي دمياط والغربية التي تتواجد بها حيوانات الفريزيان بكثيرة والحل كما يراه- الدكتور أحمد فرحات- يكمن في تجنب استيراد لحوم حية لأنها قد تكون مصابة بالفيروس, وكذلك حظر استيراد اللحوم المثلجة التي تأتي بالعظم وقد تكون مصابة, لان الفيروس يتركز في نخاع العظم, ويمكن استيراد لحوم مشفاة, كذلك ضرورة الالتزام بغلق أسواق الماشية, وعدم نقل الحيوانات الحية بين المحافظات, بهدف التعامل مع البؤرة, وإذا ظهرت إصابة في منطقة يجب أن ينتقل الإشراف البيطري إليها, وتكثيف الرقابة علي المنافذ الحدودية لمنع تسرب الجمال المصابة الفيروس..