تطورات سريعة بين تنصت علي رؤساء، وتجسس علي دول رغم الشراكة والتحالفات، وتنظيمات جديدة، وتحالفات غامضة، ونشر لنظام الصواريخ الدفاعية الأمريكي، واستفتاءات علي انفصال أقاليم، ومقاطعات أوروبية، ومحاولات تفكيك اتحاد القارة العجوز، استغلالاً للأزمة المالية التي تقترب منها عدد من دوله، وعندما تختلف المصالح، يصبح صديق اليوم عدو الغد، فهذا هو الحال بين القوي العظمي الممثلة في الولاياتالمتحدة، وحليفها الرئيسي أوروبا. نشرت وكالة «ستراتفور» الأمريكية الخاصة للاستخبارات والتحليل الاستراتيجي، تقريراً مطولاً حول التطورات السياسية والاقتصادية العالمية والأوضاع الراهنة، وتوقعاته خلال العشر سنوات المقبلة. ويوضح التقرير أن العالم سيكون أكثر توتر وصراعاً في العديد من النواحي، مع انحسار قوة الولاياتالمتحدة ودول أخري بارزة خاصة القارة العجوز؛ التي تجتمع دولها تحت مظلة الاتحاد الأوروبي الذي يتسم بالقوة التاريخية التي لا يُمكن وقفها، مع إزالة الحواجز السياسية والاقتصادية والإقليمية بين دوله. ورغم ذلك، وبحسب الوكالة الأمريكية فإن الاتحاد الأوروبي سيقسم إلي أربعة مناطق؛ هي (اتحاد دول أوروبا الغربية، واتحاد دول أوروبا الشرقية، واتحاد الدول الاسكندنافية، واتحاد الجزر البريطانية) مع تمتع كل منهم بحكم ذاتي منفصل عن الأخري. وبحسب التقرير فإن «الاتحاد الأوروبي قد يتمكن من البقاء علي قيد الحياة، ولكن ستتحكم العلاقات الثنائية بين الدول بالعلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وستكون علاقات الاتحاد الأوروبي صغيرة وغير ملزمة، ولن يمثل الاتحاد الهوية الأوروبية». وقد نجحت الولاياتالمتحدة وأجهزة مخابراتها منذ سنوات في انتهاج استراتيجية تهدف إلي تفكيك أوروبا بعد أن باتت خطراً يهدد الهيمنة الأمريكية واقتصادها؛ خاصة أن الاقتصاد الأمريكي كان منتعشاً أثناء الحرب الباردة حتي سقوط حائط برلين وبداية تفكيك الاتحاد السوفيتي, لكن قوة أوروبا الاقتصادية أصبحت مؤثرة علي التجارة والصناعة الأمريكية. هذا بالإضافة إلي تحسن العلاقات والتبادل التجاري بين دول الإتحاد الأوروبي والدب الروسي, ومع التطور التكنولوجي في روسيا وما لديها من مخزون هائل للطاقة، ناهيك عن التحالف التكنولوجي والاقتصادي مع التنين الأصفر، حتي أصبح يشكل عبئاً وتخوفاً علي الإقتصاد الأمريكي وعلي قوتها العسكرية. وبالفعل نجحت واشنطن في التدخل في الشأن الأوروبي والعمل علي زيادة الأحزاب المناهضة لفكرة اتحاد القارة وارتفع رصيدها بشكل ملحوظ في البرلمانات والأحزاب الأوروبية في دول مثل بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا والدنمارك. ومن بين الأزمات التي تعاني منها القارة العجوز وتضعها علي أعتاب التفكك أيضاً، رفض اليونان تحمل برامج التقشف القاسية التي يفرضها عليها دول الاتحاد، مقابل انتشال البلاد من أزمتها الاقتصادية الخانقة. هذا بالإضافة إلي التطورات التي تشهدها المنطقة العربية والتي بات لها الأثر البالغ علي أوروبا خاصة مع أزمة اللاجئين السوريين التي طرحت علامات استفهام محرجة علي الضمير الأوروبي الذي يتبني شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية. وتساءلت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية فيما إذا كانت أزمة اللاجئين ستؤدي إلي تفكك الاتحاد الأوروبي عقب الاختلافات الواسعة بين قادته حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة التي لم يسبق أن شهدت لها أوروبا مثيلاً. وأشارت الصحيفة إلي ظهور الاتحاد في صورة مشوشة إلي حد كبير؛ فلا تزال هناك عدة دول أوروبية لم تحسم موقفها بشكل نهائي حيال هذه الأزمة، التي تتزامن مع مشاكل تمر بها دول القارة من بينها كأزمة الديون اليونانية وأيضاً بقاء منطقة اليورو، وإصلاح الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن الاستفتاء الذي سيجري في بريطانيا العام المقبل حول الخروج أو البقاء ضمن الاتحاد. ولا يبدو أن هناك إجابات سهلة حيال ما يجب فعله إزاء اللاجئين الذين تدفقوا علي أوروبا، فالأمر لا يتعلق فقط بحكومات دول الاتحاد الأوروبي وإنما أيضاً يمتد إلي الأحزاب السياسية وحتي الشعوب الأوروبية، وإذا لم تتفق دول الاتحاد علي إيجاد حلول فإن المشكلة سوف تنمو وتكون أكبر في الشهور وربما السنوات المقبلة. وتعتبر الصحيفة أن هذه الأزمة سيكون لها تأثير مباشر علي المفاوضات الجارية بشأن إصلاح الاتحاد الأوروبي، والتي تتواصل قبل موعد الاستفتاء البريطاني. ومع كل ذلك هذه الأزمات المتلاحقة التي تتعرض لها القارة العجوز هل أظهرت شيخوختها خاصة مع عدم اتفاق قادتها علي كلمة واحدة وهل ستكون النهاية لوحدة أوروبا ومصالح دولها السياسية والاقتصادية المشتركة ونهاية حلم الاتحاد والعملة الموحدة.