اختيار اليورو كعملة موحدة لاوروبا ثبت انه كان خطأ كبيرا يعد الاتحاد الأوروبي من نواح عديدة إنجازا سياسيا كبيرا.. تكامله الاقتصادي والسياسي شجع وساهم في نموه الاقتصادي، وأعطي أوروبا صوتا أقوي في الشؤون الاقتصادية الدولية، وقلل من خطر الحرب. كما سهلت عضوية الاتحاد الأوروبي إنشاء ديمقراطيات ما بعد الشيوعية بعد انهيار الامبراطورية السوفيتية. لكن للأسف، أصبح من الصعب التفاؤل بشأن مستقبل الاتحاد اليوم، فعلي الرغم من إنجازاته السابقة، فإن الاتحاد يعاني حاليا من تزايد التوترات واحتمال تعرضه لانقسامات داخلية، وبالتالي تدهور تماسكه ونفوذه. ويواجه الاتحاد اليوم 5 تحديات أساسية، من الصعب التغلب عليها وهي: التوسع المفرط بدأ الاتحاد الأوربي ب 6 دول، وكان اقتصاده مبنيًا في ذلك الوقت علي عائدات الحديد والفحم، ثم توسعت العلاقات التجارية الداخلية بين الدول والاتحاد عدة مرات علي مدار 60 عاما وتوسع الاتحاد وأصبح يضم 28 دولة، مما جعل عملية التوافق بين هذه الدول في الآراء أمرًا صعبًا. فكان لابد من تشكيل اتحاد سياسي بين هذه الدول كما هو الحال في امريكا، لذا فإدارة دول الاتحاد تواجه صعوبات أقلها وجود أكثر من 20 لغة في هذا الاتحاد، وعلاوة علي ذلك، أصبحت عضويتها غير المتجانسة علي نحو متزايد. فالنمو الاقتصادي لدول الاتحاد لم يكن في كل الأحوال متقاربا، فهناك دول تقدمت اقتصاديا، واخري متراجعة، وكانت النتيجة انقسام أوروبا إلي شمال متقدم غني، وجنوب بطيء النمو، عاجز ماليا ويعتمد علي القروض الداخلية والخارجية. زيادة توسع الاتحاد الأوروبي جعله أكثر تعقيدا، وأكثر انقساما وأقل شعبية. انهيار الامبراطورية السوفيتية علي الرغم من ان تفكك الاتحاد السوفيتي يشكل تطورا إيجابيا، إلا إنه ازال أحد الدوافع الرئيسية للوحدة الأوروبية. وغالبا ما ينظر للاتحاد الأوروبي علي انه مشروع اقتصادي وسياسي بحت، إلا أن المخاوف الأمنية كانت جزءا هاما ورئيسيا منذ البداية. تلاشي هذا الجزء بنمو حلف الناتو وزيادة قوته، واختفي تماما عندما انهار حلف وارسو. عدم وجود خطر خارجي شجع القادة الأوروبيين علي التركيز أكثر علي المصالح الوطنية الأنانية ورؤية الاتحاد الأوروبي باعتباره وسيلة للحد من الهيمنة الألمانية. ورد الفعل الأوروبي غير المتضافر لأحداث أوكرانيا الأخيرة خير دليل علي عدم وجود توافق في الآراء بشأن القضايا الأمنية الأساسية. أزمة اليورو من الواضح الآن أن قرار إنشاء اليورو كان خطأ كبيرا، مثلما حذر المتشككون في البداية. فقد نشأت تلك العملة لأسباب سياسية لا اقتصادية: لتجديد الزخم للوحدة، ووضع أوروبا علي قدم المساواة مع أمريكا.ولكن يبدو ان الاتحاد الأوروبي يفتقر حقا إلي الآليات السياسية والمؤسسية اللازمة للعمل بتلك العملة. فقد كشفت الأزمة المالية لعام 2008 حماقات الاتحاد. لقد مرت 7 سنوات منذ وقوع الأزمة، ولا يزال الاتحاد يفتقر للمؤسسات السياسية اللازمة للحفاظ علي وحدة نقدية حقيقية. وكانت التكاليف الاقتصادية للأزمة هائلة. والأسوأ من ذلك، فإن الأزمة زرعت الانقسامات العميقة داخل القارة بين المدينين والدائنين واظهرت درجة من الاستياء لم تشهدها منذ سنوات عديدة. بدلا من الالتزام بقوي الوحدة الأوروبية حاولت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الحصول علي ما يريدون من خلال التهديد بنسف المؤسسة بأكملها. فاستخدمت اليونان تهديد Grexit في محاولة لكسب تنازلات من دائنيها، واستخدمت فرنسا نفس التهديد لإجبار ألمانيا لتخفيف مطالبها. ولا يقلّ شأناً عن الوضع اليوناني، طلب بريطانيا إعادة التفاوض علي شروط عضويتها في الاتحاد الأوروبي، والتي تتضمّن وضعاً أكثر خصوصية للندن. وهذا ما سيُشكّل خطراً أيضاً علي أوروبا، في حال فوز الجناح الانفصالي في بريطانيا في الاستفتاء المقرر بشأن الخروج من الاتحاد قبل نهاية العام 2017. وقد يؤدي ذلك إلي انسحاب أحد أكبر اقتصاديات أوروبا، وأحد أهم القوي العسكرية في الاتحاد. المحيط الإقليمي المتردي يواجه الاتحاد الأوروبي الآن قلاقل خطيرة علي محيطه الخارجي. فقد أسفر فشل الدولة في كل من ليبيا وسوريا واليمن، عن طوفان من اللاجئين الذين يسعون للحصول علي حق اللجوء، في حين أن ظهور تنظيم القاعدة، وداعش، والحركات المتطرفة الأخري زاد من التداعيات المثيرة للقلق بين بعض السكان المسلمين في أوروبا. وبعض الأوروبيين يطالبون الآن باستعادة الحدود الداخلية المفتوحة التي كانت إنجازا أساسيا في القانون الأوروبي الموحد 1986. وفي الوقت نفسه، فإن الصراع في أوكرانيا يثير مخاوف جديدة بشأن أمن الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي. تنامي النزعة القومية يعيش الاتحاد الأوروبي تحديا جوهريا يتمثل في تنامي التوجه الوطني والقومي في ظل صراع المصالح بين أقطاب هذا الاتحاد. كما باتت الاجيال الجديدة من الاوروبيين لا يفضلون اوروبا. الركود الاقتصادي، وارتفاع البطالة بين الشباب، والمخاوف بشأن الهجرة غذت أيضا عودة الأحزاب القومية التي ترفض وتشكك في المبادئ الأساسية للاتحاد الأوروبي. مروي حسن حسين