صدام بين أوباما وإيباك بسبب إسرائيل خسارة الديمقراطيين الأخيرة في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي من أهم أسبابها - إلي جانب الغضب الشعبي من الأداء والسياسات - انقلاب اللوبي اليهودي علي الرئيس أوباما وحزبه رغم أنه كان من أسباب نجاحه ووصوله للحكم منذ عامين واستمرارالدعم غيرالمحدود باعتبار هذا اللوبي من أقوي خمس جماعات ضغط في واشنطن رغم أن يهود أمريكا لايشكلون سوي نسبة تزيد قليلا علي 2٪ من سكانها بينما يزيد عدد العرب والمسلمين عنهم لكنهم موزعون ومشتتون بين طوائف وجماعات متباينة الاتجاهات والولاءات بل إن بعضهم يعمل ضد بلدانهم الأصلية. ولعل من أهم أسباب قوة اللوبي أن اليهود جاءوا مبكرا ضمن الموجات الأولي للهجرة للعالم الجديد وساهموا في بناء المنظومة الاقتصادية وسيطرواعلي أهم مفاتيح القوة وهي الاقتصاد والإعلام فالشركات العملاقة في أيدي كبار الرأسماليين من اليهود كما شكلوا وجدان الأمريكيين من خلال وسائل الإعلام ومن أهمها السينما والتليفزيون، والصحافة في أيديهم أيضا إضافة لسرعة اندماجهم في المجتمع الأمريكي علي عكس الكثيرمن العرب والمسلمين.. لكن ثمة غضبا مكتوما بدأ يظهرعلي السطح ضد هذا اللوبي وقيادته المتمثلة في (إيباك) بظهور جماعة يهودية جديدة (جي- ستريت) أكثر ليبرالية وأقل تطرفا في التعامل مع الملف الإسرائيلي كما ظهر في كتابات العديد من المفكرين الأمريكيين وحتي من اليهود الذين أدانوا سطوة اللوبي ونفوذه في دوائر صناعة القراربما يضر بمصالح البلاد. ويواجه أوباما خلال العامين المتبقين له في الحكم معضلات صعبة حيث سيكون عليه أن يواجه الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب والتي سوف تحظي برئاسات المجلس ولجانه أما أجندتهم فوصفها المراقبون بأنها برنامج حرب حيث يري صقور الكونجرس المدعومين من اللوبي اليهودي المؤثر في صناعة القرارالأمريكي بأن أوباما بدا أكثر مهادنة مع أعداء أمريكا مثل إيران والصين وإظهار البلاد بمظهر الضعف وكذلك سعيه لمحاولة إقرار السلام في الشرق الأوسط بالضغط علي إسرائيل رغم فشله حتي الآن في المهمة ونيته الانسحاب من أفغانستان والعراق كما سيسعي الجمهوريون لإفشال جهود أوباما في الداخل عبر تعطيل أي مشروعات قوانين قادمة وذلك لتهيئة الساحة لمرشحهم للرئاسة عام 2012 أخطبوط سياسي اللوبي اليهودي الذي تتزعمه وتقوده منظمة إيباك (AIPAC) أو لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية وهي أقوي وأهم جماعة ضغط صهيونية في أمريكا إلي جانب منظمات أخري تكمل مهمة السيطرة علي مفاتيح صناعة القرار الأمريكي وخاصة مايتعلق بإسرائيل والهدف النهائي لهذا اللوبي هو جعل الدولة العبرية أكثر أمانا وضمان استمرار الدعم وتعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين ومن أجل تلك الأهداف تشارك هذه المنظمة عبر أعضائها الذين وصلت أعدادهم إلي أكثر من مائة ألف عضو في الكثير من المبادرات التشريعية والسياسات المتعلقة بالشرق الأوسط وهي تعمل علي عدة محاور هامة منها الكونجرس حيث يتم إجراء أكثر من ألفي مقابلة سنويا مع أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب ينتج عنها في الغالب تقديم مائة تشريع في صالح إسرائيل كما يمتد نفوذ اللوبي لدوائر الحكم في البيت الأبيض عبرصلات مباشرة بجيش الموظفين والمستشارين من المتعاطفين والمتطوعين وفي البنتاجون والخارجية وفي الجامعات ومراكز الأبحاث وغيرها ويمتد نفوذهم لوسائل الإعلام الأمريكية من صحف ودور نشر وشبكات التليفزيون وشركات السينما الكبري في هوليوود أما عن بدايات هذا اللوبي فيعود إلي مابعد الحرب العالمية الثانية حيث أدرك اليهود أفول شمس الإمبراطورية البريطانية وأن مركز القوة انتقل لأمريكا واعتراف واشنطن بإسرائيل بعد أقل من يوم علي إعلان قيامها وفي بدايات الخمسينيات من القرن الماضي أسس (سي كينين) تحت اسم المجلس الصهيوني الأمريكي للشئون العامة ولكن تغير الاسم بعد تدهور العلاقة مع الرئيس الأمريكي (دوايت أيزنهاور) وإجراء المباحث الفيدرالية تحقيقات عن نشاطها وتحولت من منظمة صهيونية إلي جماعة ضغط علي الحكومة الأمريكية من وراء الستار لكن بعد حرب أكتوبر 73 بدأت في الظهورعلي الساحة السياسية بقوة وجندت في صفوفها الكثيرين من ذوي الخبرة في العمل في الإدارات الجمهورية بصفة خاصة وشكلت إيباك أكثر من ثمانين لجنة للعمل السياسي يتركز دورها في تمويل الحملات الانتخابية لمن يصنفون بأصدقاء إسرائيل وعملت إيباك من خلال مشوارها عبر نصف قرن من الزمن علي التأثير في السياسة الأمريكية عبر التمويل وتحريك الصوت اليهودي وترهيب السياسيين رغم عدم صحة مزاعم قدرتها علي حسم نتائج الانتخابات لصالح من تمولهم لكنها استخدمت نفوذها في الميديا الأمريكية كأداة للتهويل والتخويف لمن يقف أمام نفوذها , لكن أهم وأبرز ماحققته خلال العقود الماضية نجاحها في إطالة أمد الصراع العربي الإسرائيلي عبر ضغوطها في دوائر صناعة القرار الأمريكي وإفشال أي جهد لإحلال السلام في الشرق الأوسط يسعي إليه أي رئيس أمريكي وتم الكشف عن وثائق عن تسريب تقارير سرية لإسرائيل في إطار علاقات مريبة للوبي مع المخابرات الإسرائيلية (الموساد) في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وسعي اللوبي إلي استمرار تدفق المساعدات الأمريكية لإسرائيل والتي وصلت إلي ثلاثة مليارات دولار سنويا غير ضمانات القروض والتي تصل إلي عشرة مليارات دولار كما يمد اللوبي نشاطه للجاليات غير الأمريكية من غير اليهود ويعتمد في تمويله علي التبرعات الخاصة ولايتلقي مساعدات خارجية وتصل ميزانيته إلي80 مليون دولار فقط!! ويمكن اعتبار إيباك أحد أهم أسباب استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل علي مدي نصف قرن وكذلك العلاقة الاستراتيجية في ظل خلو الساحة من أصوات معارضة وجماعات ضغط تعمل بأجندات أخري لكن الأمر لم يستمر طويلا. هيمنة يهودية لم يكن اللوبي اليهودي يعمل في الفراغ ويستمد قوته من شعبية حيث لم تكن صورة اليهودي في المجتمع الأمريكي محببة بل كانت صورة سلبية وكانت بعض المطاعم والمتاجرالأمريكية تضع لافتة (ممنوع دخول الكلاب واليهود) لكن الصورة تغيرت تدريجيا بعد ظهور إسرائيل واستثمار فزاعة ومأساة المحرقة (الهولوكوست) وتوظيفها لاستدرار العطف علي اليهود الضحايا ومنع أي انتقاد لأجيالهم اللاحقة حتي مع ارتكابهم لأبشع الجرائم أما اليهود كأقلية في المجتمع الأمريكي فقد جاءوا مبكرا في الموجات الأولي للهجرة واندمجوا سريعا ووجهوا كل اهتمامهم علي المال والإعلام باعتبارهما أسرع الوسائل لفرض الهيمنة علي أي مجتمع وهو ماتحقق لهم لكنهم ركزوا أكثر علي الإعلام فقد نجحوا في السيطرة علي أكبر الصحف وأوسعها انتشارا وهي نيويورك تايمز منذ منتصف القرن التاسع عشر بشرائها بعد تعثرها ماليا كما مدوا نفوذهم لصحيفة واشنطن بوست بعد مائة عام وكذلك وول ستريت جورنال ومجلات تايم ونيوزويك وغيرها الكثير كما امتد نشاطهم لشبكات التليفزيون الثلاث الكبري ودور النشر ولم يكتفوا بذلك فسعوا بقوة للسيطرة علي صناعة السينما في هوليوود وتخضع كبري شركات الانتاج لملكية وإدارة يهودية صرفة (ديزني لاند ومترو وبارامونت وتاتش ستون وبوينا فيستا وفوكس ويونيفرسال) كما أن معظم الكتاب والمنتجين من اليهود، سينما هوليوود مجتمع خاضع للنفوذ اليهودي وقد حرصت علي تقديم صور زائفةعنهم من خلال أفلامها كما يمتد النفوذ للدوائر المالية فأكثرمن نصف مليارديرات أمريكا من اليهود ويمكن القول بأن أمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي نجد الإعلام فيها المؤيد لإسرائيل وسياساتها بفضل قوة اللوبي اليهودي وهيمنته علي الاقتصاد والإعلام. غضب من الداخل مع تغول اللوبي اليهودي في كافة مناحي الحياة الأمريكية بدأ نوع من التململ والغضب تجاه نشاطه وتأثيراته السلبية فظهر الكثير من الأصوات الغاضبة للنخب الأمريكية ومنهم كتاب ومفكرون يهود منهم (نورمان فينكلشتاين وباولا هيمان ومارك فيبر) الذين انتقدوا استخدام الهولوكوست كذريعة لعدم المساس بإسرائيل وممارساتها القمعية ضد الفلسطينيين بصفة وتحديها للقوانين الدولية وغيرهم من الكتاب من غير اليهود أمثال ستيفن والت وجون ميرشيمر ممن أشاروا لأبعاد وتأثيرات اللوبي اليهودي في السياسة الخارجية الأمريكية. لكن ظهر علي الساحة دور آخر له تأثيره علي إيباك وهومنظمة موازية ظهرت للوجود منذ عامين هي (جي – ستريت) بمثابة لوبي يهودي أكثر اعتدالا وليبرالية من إيباك ولوضع حد للنفوذ الطاغي لها في دوائر السياسة الخارجية الأمريكية ومواقفها المتصلبة التي تري أنها أساءت لليهود في العالم ولتمثل تحولا في مواقف العديد من اليهود وغيرهم تجاه الصراع العربي الإسرائيلي ودعم مواقف الإدارة الأمريكية تجاه إيران وغيرها وقد أبدت إسرائيل قلقها من توجهات هذه المنظمة الجديدة خاصة أنها تضم الآن أكثر من مائة ألف عضو ومنهم شخصيات إسرائيلية بارزة. لكن يبقي القول أن كل ذلك يحدث بينما الجاليات العربية غارقة في مشاكلها وانقساماتها وتشتتها ولم تستطع تكوين إطار جماعي للحركة في دوائر الحكم في أمريكا بل إن بعضها يتحالف كحركات معارضة ضد بلدانهم الأصلية وهو ماتستغله واشنطن لمصالحها وليس كاحتضان للمدافعين عن حقوق الإنسان للضغط علي هذه البلدان وهكذا ينجح14 مليون يهودي في العالم أن يفرضوا وجودهم وتأثيرهم علي السياسة الأمريكية والعالمية في مواجهة أكثر من مليار ونصف المليارعربي ومسلم يتركون الساحة لهذا العدد القليل فمتي يتحرك أغنياء المسلمين وقادتهم ومفكروهم لتعديل هذا الوضع الغريب والدفاع عن حقوق شعوبهم المشروعة ؟