سواء احتفظ الحزب الديمقراطى بالأغلبية فى الكونجرس، أو انتزعها منه الحزب الجمهورى، أو حدث انقسام تاريخى بفقدان الديمقراطيين لمجلس النواب، واحتفاظهم بمجلس الشيوخ، فإن أيا من الاحتمالات الثلاثة سيترتب عليه آثار لن تُبقى وجه الولاياتالمتحدة كما هو عليه قبل إدلاء الناخبين الأمريكيين بأصواتهم فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس غدا الثلاثاء. جى ستريت.. لوبى صهيونى تكرهه إسرائيل يقولون إنهم يؤيدون إسرائيل ويعملون على أمنها.. لكن إسرائيل تعتبرهم خونة وتحاول إضعافهم.. هم «يهود صهاينة»، لكنهم يرون ضرورة مساعدة إسرائيل بدفعها نحو السلام، لا بتأييدها بشكل أعمى. إنهم أتباع «جى ستريت».. المنظمة غير الربحية التى تأسست عام 2008، فى محاولة لكسر سطوة «اللجنة العامة للشئون الأمريكية الإسرائيلية (إيباك)»، أقوى لوبى مؤيد لإسرائيل فى الولاياتالمتحدة، والمؤثر الحقيقى على صنع القرار الأمريكى بشأن الشرق الأوسط. تعمل «جى ستريت» على حث واشنطن على إنهاء الصراع العربى الإسرائيلى بالطرق الدبلوماسية بدلا من الحلول العسكرية، وهى تدعم حل الدولتين وترفض الاستيطان. ورغم أنها مؤلفة بالأساس من اليهود فإنها ترحب بعضوية غيرهم. ومن أبرز أعضاء هذه المنظمة هم: ليا ابنة إسحق رابين، ونائب رئيس الموساد السابق ووزير الخارجية السابق شلومو بن عامى، وألان سولومون أهم ممولى أوباما، وفيكتور كوفنز أهم ممولى هيلارى كلينتون. وقد استطاعت هذه المنظمة استيعاب منظمة يهودية يسارية هى «تحالف من أجل العدل والسلام» التى ينتسب إليها نحو 50 ألف عضو، وتأمل «جى ستريت» باستخدامها لتوسيع شبكتها فى أوساط الجالية اليهودية الأمريكية، والتأثير على أعضاء الكونجرس. وتعتمد كذلك على عدد كبير من الحاخامات الداعمين للتيار الليبرالى أو الإصلاحى الذين سيكونون صلة الوصل بينها وبين المجتمعات اليهودية المحلية. وتعرف «جى ستريت»، نفسها بأنها تنظيم صهيونى مؤيد لإسرائيل والسلام، لكن على الرغم من ذلك وجدت المنظمة نفسها الشهر الماضى فى مرمى هجوم حاد من إسرائيل بعدما حاولت ترتيب لقاء بين مسئولين فى الادراة الأمريكية والقاضى اليهودى الجنوب افريقى ريتشارد جولدستون وهو ما أثار عاصفة من الجدل داخل إسرائيل. واتهم اعضاء فى الكنيست الإسرائيلى هذه المنظمة بالخيانة وهى تهمة ليست بجديدة، ففى بداية سطوع المنظمة، دعا رئيس «الكونجرس اليهودى العالمى» سابقا، والمقرب من نتنياهو، إيزى ليبلر، فى مقال بصحيفة «جيروزاليم بوست» إلى مواجهة «اليهود الخونة.. العدو الداخلى». وشبه ليبلر مؤيدى «جى ستريت» بالشيوعيين اليهود الذين هتفوا لستالين حينما أعدم يهودا آخرين، وقال إنهم «يشاركون فى شيطنة ونزع شرعية دولة اليهود». كما رفض نائب وزير الخارجية الإسرائيلى دانى ايالون لقاء اعضاء من المنظمة ضمن وفد للكونجرس كان زار إسرائيل فى 2009. وفى حديث ل«الشروق» عبر الهاتف من واشنطن، قال الخبير فى الشئون الأمريكية علاء بيومى إن جى ستريت مؤسسة صغيرة، ولتتمكن من ممارسة النفوذ يلزمها أتباع عبر الولاياتالمتحدة، ومؤسسات جماهيرية وسياسية وإعلامية تخدمها، حيث تمتلك «إيباك» تحالفا قويا مع عشرات من أكبر المنظمات اليهودية الأمريكية. وأشار بيومى إلى أن جى ستريت حصلت فى عامى 2008 و2009 على تغطية إعلامية كبيرة نسبيا لكون البعض تمنى ظهور لوبى يهودى أمريكى ليبرالى مختلف عن اللوبى القائم، الذى ترمز له إيباك. لكن تبدو الغلبة حتى الآن لفريق إيباك.. جى ستريت بعيدة كثيرا عن معادلة تأثير إيباك لظروف عديدة تمر بها أمريكا وجماعاتها السياسية. القضايا الخارجية تتراجع.. والاقتصاد يتصدر لا تلعب السياسة الخارجية الأمريكية دورا كبيرا فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، فرغم أهمية وحجم ما يواجه واشنطن من أزمات دولية خطيرة، لا يبالى الناخب الأمريكى كثيرا بهذه القضايا مقابل انغماسه فى القضايا الداخلية. وبينما سيطرت الحرب فى أفغانستان المحتل منذ أكتوبر 2001، والعراق المحتل منذ مارس 2003، على حملة كل من باراك أوباما وجون ماكين فى آخر انتخابات أمريكية (رئاسية) عام 2008، أظهر استطلاع للرأى أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» مع شبكة «سى بى أس»، ونشرت نتائجه الأسبوع الماضى، أن 3% فقط من الناخبين يرون أن هاتين الحربين قضية مهمة، فيما يرى 60% أن الاقتصاد وإيجاد فرص عمل هى أهم القضايا. وقد استحوذت الأوضاع فى اليمن ومواجهة تنظيم القاعدة على حملات بعض المرشحين، خاصة الجمهوريين منهم، منذ الكشف مساء الجمعة الماضى عن طردين مفخخين كانا فى طريقهما من اليمن إلى معابد يهودية فى ولاية شيكاغو، بحسب المسئولين الأمريكيين. وعامة، ينادى الكثير من السياسيين بضرورة انكفاء الولاياتالمتحدة على نفسها، وهو ما عبر عنه عدد من المرشحين القريبين من تيار «حفل الشاى» اليمينى، ومنهم المرشح الجمهورى لمجلس الشيوخ فى ولاية آلاسكا، جو ميلر، وذلك بالدعوة لوقف المساهمة المالية الأمريكية لكل من الأممالمتحدة ومنظمة التجارة العالمية والبنك الدولى. فيما شكك المرشح الجمهورى فى كنتاكى، راند بول، فى دستورية انضمام بلاده لهذه المنظمات، معتبرا أن هذا يمثل تناقضا مع الدستور الأمريكى، وداعيا إلى الانسحاب منها. إلا أن ثمة استثناءات، فمثلا فى الدائرة 25 لمجلس النواب بفلوريدا، حيث يقطن الكثير من المهاجرين من أصل كوبى، تطغى قضية العلاقات الأمريكية الكوبية، واستمرار العقوبات من عدمه ضد هافانا، ما ينعكس على حملات المرشحين الجمهورى ديفيد ريفيرا، والديمقراطى خوسية جارسيا. وبالمثل فى الدائرة 29 لمجلس النواب بكاليفورنيا، حيث يقطن مئات الآلاف من المهاجرين الأرمن، حيث ارتفعت حدة قضية ما حدث للأرمن على يد الدولة العثمانية عام 1915، والجدل الدائر حول تعريفها بأنها إبادة جماعية، وانعكاسات ذلك على العلاقات الأمريكية التركية، ما ألهب الحملة الانتخابية بين المرشحين الديمقراطى أدام شيف، والجمهورى جون كولبيرت. وفى أريزونا، حيث تعد قضية الهجرة غير الشرعية أحد أهم القضايا، أصبحت العلاقات مع المكسيك هى القضية الشاغلة لكل الحملات الانتخابية، خاصة فى جنوب الولاية المحاذى للحدود مع المكسيك. ورغم تركيز الناخبين عامة على القضايا الداخلية، فإن هناك حزمة قضايا خارجية سيضطر الكونجرس المقبل، الذى يبدأ أعماله فى يناير القادم، للتعامل معها، على رأسها عملية السلام فى الشرق الأوسط. ومن المتوقع فى حال سيطرة الجمهوريين على الكونجرس أن يضغطوا على السلطة الفلسطينية عن طريق المساعدات، وأن يضغطوا أيضا على الرئيس أوباما ليكون أكثر تسامحا مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الرافض لمد تجميد الاستيطان فى الضفة الغربيةالمحتلة، ما يحول دون استئناف المفاوضات مع السلطة. من هذه القضايا أيضا كل من أفغانستان وباكستان، خاصة بعد إعلان الخارجية الأمريكية مؤخرا عن منح إسلام آباد مليارى دولار لمكافحة تنظيم القاعدة وحركة طالبان، ما يضاف إلى 7.5 مليار دولار قدمتها واشنطن لباكستان خلال الأعوام الخمسة الماضية. كذلك سيضطر الكونجرس المقبل للتعامل مع ملف إيران وكوريا الشمالية النووى، لا سيما فى ظل الغموض المحيط بمستقبل الحكم فى بيونج يانج، وما يتم عرضه إعلاميا من تقدم كبير فى البرنامج النووى الإيرانى. وعلى صعيد الإصلاح الديمقراطى فى الشرق الأوسط، ورغم أن السيناتور الديمقراطى روس فينجولد، مقترح مشروع القرار 586 بشأن الحريات فى مصر، يخوض معركة انتخابية شرسة فى ولاية ويسكونسن أمام الجمهورى رون جونسون، فمن المنتظر أن يحظى هذا المشروع بأغلبية كبيرة من الأصوات حال طرحه للتصويت، حتى لو خسر فينجولد؛ لما يتمتع به ذلك المشروع من تأييد بين الديمقراطيين والجمهوريين. ويدعو هذا المشروع النظام الحاكم فى مصر إلى إلغاء قانون الطوارئ، وأن يحل محله قانون لمكافحة الإرهاب؛ لضمان أن تكون الانتخابات القادمة «حرة وعادلة وشفافة ومعبرة عن إرادة الناخبين». كما يطالب الحكومة المصرية بالسماح لمراقبين دوليين بالمشاركة فى الإشراف على الانتخابات البرلمانية فى الثامن والعشرين من الشهر الجارى والرئاسية العام المقبل. ورغم أنه ليس للكونجرس دور أساس فى صنع السياسة الخارجية، وبالتالى لن يكون لتغيير تركيبة الأغلبية على الأقل فى مجلس النواب لصالح الجمهوريين، تأثير فورى كبير على مجريات سياسة إدارة الرئيس أوباما الخارجية، إلا أن سيطرة الكونجرس على الميزانية سيكون أهم أسلحة الجمهوريين فى التأثير، إذ يمكنهم التحكم فى تخصيص المساعدات الخارجية، فضلا عن التحكم فى الموافقة على تعيينات كبار المسئولين والدبلوماسيين. الأمريكيون العرب..لا مقارنة مع اللوبى اليهودى أصواتهم مشتتة، فهم ليسوا كاللوبى اليهودى.. غالبا ما يدعمون الديمقراطيين بفارق شاسع. معظمهم مندمجون؛ لذا يهتمون بالقضايا الداخلية.. أما من فشلوا فى الاندماج، فيولون أهمية للسياسة الخارجية تجاه بلدانهم الأصلية. بهذه العبارات يوصف كل من المدير التنفيذى لمنتدى الشرق الأوسط للحريات فى واشنطن، مجدى خليل، ونائب رئيس تحالف المصريين الأمريكيين، صبرى الباجا، فى تصريحات ل«الشروق» حال الناخبين الأمريكيين من أصول عربية قبيل انتخابات الغد. خليل قال إن «القضايا المهمة للناخب العربى يحددها مدى اندماجه فى المجتمع الجديد، فالعرب الأكثر اندماجا عادة ما يهتمون بالقضايا الداخلية، وعلى رأسها الوضع الاقتصادى ونسبة البطالة، أما من فشلوا فى الاندماج فيهتمون أكثر بالسياسة الخارجية المتعلقة بالأوضاع فى بلدانهم الأصلية». وشدد على أن «مشاركة العرب فى الانتخابات ترتفع وتنخفض حسب سخونة المعركة الانتخابية، وانتخابات الغد ساخنة للغاية». وبشأن أى الحزبين يميل إليه الناخبون العرب أكثر، أوضح خليل أن «الأقليات تميل عادة للديمقراطيين نظرا لتبنيهم أجندة داعمة للأقليات والمهمشين.. وهنا يظهر الاختلاف بين الحزبين، بينما لا اختلاف كبير فى القضايا الخارجية، فالرئيس (باراك) أوباما كما سلفه (الجمهورى جورج) بوش عاجز حتى الآن عن تحقيق السلام فى الشرق الأوسط». وفيما يتعلق بحظوظ الجمهوريين من الأصوات العربية، قال إن «الناخبين العرب أصحاب الوضع الاقتصادى المتميز، والمحتجين على سياسات أوباما فى مجال الرعاية الصحية والتعليم، يبدون دعما أكبر لسياسات الجمهوريين». وختم خليل بأن «الأصوات العربية غير مؤثرة انتخابيا؛ إذ يفتقد العرب أدنى تنسيق بينهم.. أصواتهم مشتتة، خلافا للوبى اليهودى الموالى لإسرائيل، حيث ينعم بدرجة عالية من التنسيق بين مكوناته، ويتمتع بنفوذ كبير داخل دوائر صنع القرار الأمريكى». مؤكدا ما ذهب إليه خليل، قال نائب رئيس اتحاد المصريين فى الولاياتالمتحدة إن «الجاليات العربية غير موحدة كاللوبيات الأخرى.. فالوزن النسبى للناخبين العرب أقل بكثير من الناخبين اليهود الموالين لإسرائيل، وتبرعات العرب فى الانتخابات لا تقارن أبدا بتبرعات اليهود». ومضى الباجا قائلا إن «الناخبين الأمريكيين من أصول مصرية يهتمون بالقضايا الداخلية المؤثرة على حياتهم اليومية، خاصة الأوضاع الاقتصادية، أكثر من اهتمامهم بالأوضاع الداخلية فى مصر». وبينما رأى خليل أن «الحزب الديمقراطى يبذل جهودا أكبر من الجمهورى لكسب الأصوات العربية»، قال الباجا إن «كلا الحزبين يحاول استمالة الأصوات العربية، فهما يدركان جيدا أن السياسة مصالح». أما على مستوى ميول الناخبين العرب أنفسهم، فقد أظهر استطلاع للرأى أجرته مؤسسة زغبى لاستطلاعات الرأى، ونشرت نتائجه على موقعها الإلكترونى الشهر الماضى، أن نسبة العرب الأمريكيين المؤيدين للديمقراطيين تبلغ 50%، مقابل 25% للجمهوريين، أى نسبة اثنين إلى واحد. ولاية أوباما الثانية.. لن تحسمها انتخابات الغد فى عام 1990 أبلى الحزب الجمهورى بلاء حسنا؛ إذ لم يخسر سوى مقاعد قليلة فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، لكن بعد عامين لم يتمكن الرئيس الجمهورى جورج بوش الأب من الفوز بولاية رئاسية ثانية. وفى عام 1994 مُنى الحزب الديمقراطى بهزيمة كارثية فى انتخابات الكونجرس، غير أن الرئيس الديمقراطى بيل كلينتون نجح فى إعادة انتخابه عام 1996. بهذين المثالين يؤكد المحلل السياسى الأمريكى، دويل ماكمانوسمن، أن من غرائب الحياة السياسية الأمريكية أن انتخابات التجديد النصفى للكونجرس لا تخبرنا بمستقبل رئيس فى ولايته الأولى. وهذا بالضبط هو ما يواجهه باراك أوباما، أول رئيس أمريكى أسود، لاسيما أن شعبيته الآن فى أدنى مستوى لها منذ فوزه التاريخى فى انتخابات نوفمبر 2008، وسط حالة استياء شديد بين الناخبين من أداء الديمقراطيين، لا سيما فى مواجهة الأزمة الاقتصادية. وحاليا ينعم الحزب الديمقراطى بالأغلبية فى الكونجرس، فلديه 57 مقعدا فى مجلس الشيوخ مقابل 41 للجمهوريين، فضلا عن مقعدين لمستقلين دائما ما يصوتون لصالح الديمقراطيين، وفى مجلس النواب 257 مقعدا للديمقراطيين مقابل 178 للجمهوريين، ويحتاج أى منهم إلى 218 مقعدا لتحقيق الأغلبية البسيطة فى المجلس الأخير. وفى انتخابات الغد، التى تشمل كل مقاعد مجلس النواب ال435، و37 من مقاعد مجلس الشيوخ المائة، يواجه الديمقراطيون ثلاثة احتمالات، أولها أن يحتفظوا بالأغلبية فى المجلسين، غير أن أستاذة العلوم السياسية فى الجامعة الأمريكية، الخبيرة فى الشئون الأمريكية الداخلية، منار الشوربجى، تعتقد أن هذا هو «أضعف الاحتمالات؛ فأوباما يواجه مشكلات مع الكثير من القوى التى حملته إلى البيت الأبيض، خاصة بين الشباب والنساء والأقليات، ما عدا السود، الذين آمنوا بحديثه عن الأمل والتغيير». ومضت د. منار قائلة: «لو افترضنا بقاء السيطرة فى أيدى الديمقراطيين، فإن القضية الأبرز بعد الانتخابات ستكون الاقتصاد، فإذا تحقق تقدم ملموس بالنسبة للناخبين على مستوى الأوضاع الاقتصادية، وخاصة خفض مستوى البطالة، فسيدعم ذلك حظوظ أوباما فى الانتخابات الرئاسية عام 2012، أما إذا حدث العكس، فربما يصوت الناخبون لصالح الجمهوريين كعقاب للديمقراطيين». وحاليا تبلغ نسبة البطالة 9.2%. ومن المتوقع أن تتجاوز هذه النسبة ال10% العام المقبل، وفقا لكبير خبراء الاقتصاد الأمريكى فى شركة «جولدمان ساكس» المصرفية القابضة، جان هاتزيوس. وإذا لم ينجح أوباما فى خفض هذه النسبة فسيواجه مهمة صعبة عام 2012، فلا يوجد رئيس فى التاريخ الأمريكى الحديث فاز بولاية ثانية عندما كانت نسبة البطالة 8%. ثانى الاحتمالات هو أن ينتزع الجمهوريون السيطرة على الكونجرس بمجلسيه، وهو احتمال ترى د. منار أنه «على عكس ما يعتقده البعض، قد يمثل طوق النجاة لأوباما.. فربما يحدث انقسام بين النواب الجمهوريين العاديين وبين نواب تيار «حفل الشاى» المتشددين، كما قد يبنى نواب هذا التيار سياسات راديكالية تكشف ظهر الجمهوريين». وشددت على أن «هذه السياسات ستولد شعورا عاما بالغضب بين الأمريكيين؛ مما يدفع الناخبين إلى التصويت لصالح أوباما فى انتخابات الرئاسة على أمل تغيير الأوضاع القائمة.. ومثل هذه الخسارة المتوقعة فى انتخابات الغد سبق وأن مُنى بها الديمقراطيون عام 1994، وبعدها بعامين فاز الرئيس الديمقراطى كلينتون بولايته الثانية». أما إذا حدث الاحتمال الأخير، وهو أن يفقد الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب، ويحتفظون بمجلس الشيوخ، ف«سيؤدى هذا الوضع إلى تعقيدات سياسية تعرقل أجندة أوباما؛ إذ سيفرض عليه التحول إلى خط الوسط للتعايش مع الجمهوريين، لينقذ حظوظه فى الولاية الثانية، تماما كما حدث مع كلينتون»، بحسب د. منار. وبجانب انتخابات الكونجرس، ينتخب الأمريكيون غدا 37 من أصل 50 حاكم ولاية، وهو ما تعلق عليه أستاذة العلوم السياسية فى الجامعة الأمريكية قائلة إن «لحكام الولايات دورا مهما فى حشد الناخبين فى ولاياتهم لدعم مرشح ما فى انتخابات الرئاسة». وخلال الانتخابات الرئاسية عام 2000 مثل حاكم ولاية فلوريدا الجمهورى ورقة رابحة بالنسبة لمرشح الحزب الجمهورى جورج بوش أثناء إعادة تعداد الأصوات فى الانتخابات الحامية؛ لأنه ببساطة كان شقيق جورج. غير أنه، وبحسب د. منار، فإن «هذا الدور (الذى قد يلعبه حكام الولايات) ليس حاسما فى كل الأوقات، فكثيرا ما يصوت الناخبون لمرشح من الحزب المنافس لحكام ولاياتهم»، خاتمة بالقول إن «كل احتمالات نتائج انتخابات الغد قد تقود أوباما إلى الولاية الثانية.. والعكس صحيح تماما؛ فحظوظ أوباما تتوقف على ما سينجزه الديمقراطيون والجمهوريون حتى انتخابات 2012». الكونجرس.. فكرة بريطانية بصياغة أمريكية هو المؤسسة الأقوى فى النظام السياسى الأمريكى، نظرا لما تتمتع به المؤسسة التشريعية من سلطات واسعة فى مقابل الرئيس. ويتألف الكونجرس من مجلسى الشيوخ والنواب، ويبلغ عدد أعضائه 535 عضوا يتم اختيارهم عبر الانتخاب المباشر؛ ما يجعلهم رهن آراء الناخبين؛ لذا يحرصون على معرفة توجهات الأمريكيين إزاء القوانين المقترحة قبل التصويت عليها، إذ يعتبر العضو نفسه خادما للمواطن الذى منحه ثقته. وبالرغم من الفروق بين البرلمان البريطانى والكونجرس الأمريكى، فإن فكرة تأسيس المؤسسة التشريعية الأمريكية تعود إلى تقليد بريطانى، حين استلهمت المستعمرات الأمريكية أوائل القرن السابع عشر فكرة «مجالس المستعمرات» من النموذج البريطانى. لكن وبعد فترة من تأسيسها، بدأت هذه المجالس فى التعبير عن مصالح المستعمرين ضد مصالح الحكام الاستعماريين الذين كانت تعينهم بريطانيا. وعندما ازدادت حدة التوتر بين بريطانيا والمستعمرات الأمريكية فى ستينيات القرن التالى، تبنت مجالس المستعمرات قضية المستعمرين. ويمكن اعتبار الاجتماع الذى انعقد فى مدينة فيلادلفيا عام 1774 بمثابة الهيئة التشريعية الأولى للولايات المتحدة، ليعلن هذا الكونجرس فى عام 1776 استقلال المستعمرات الأمريكية عن الحكم الملكى البريطانى. وفى عام 1787 تم وضع الدستور الأمريكى الذى حافظ على قوة السلطة التشريعية، ولكن تمت موازنتها بسلطات الهيئتين التنفيذية والقضائية. هذا الدستور دعا إلى إنشاء مجلسين للكونجرس الجديد، بتمثيل متساو فى أحد المجلسين (الشيوخ)، وبالتمثيل وفقا لعدد السكان فى المجلس الآخر (النواب). وقد أدى تشكيل مجلسين للهيئة التشريعية إلى نزاع مرير بين مندوبى الولايات الصغيرة، الذين كانوا يفضلون تمثيلا متساويا لكل ولاية، وبين مندوبى الولايات الكبيرة، الذين كانوا يريدون تمثيلا قائما على أساس عدد سكان كل ولاية. وهكذا وصل الكونجرس لشكله الحالى، مجلس شيوخ من 100 عضو (اثنان عن كل ولاية، ومدة ولايتهم ستة أعوام)، ومجلس النواب من 435 عضوا (مدة ولايتهم عامان). ويتقاسم المجلسان السلطات، التى تشمل إعداد وإصدار والمصادقة على القوانين، والموافقة على ترشيحات الرئيس للمناصب العليا، مثل الوزراء والسفراء وأعضاء المحكمة العليا. كذلك يتمتع المجلسان مجتمعان برقابة قوية على الموازنة الفيدرالية، رغم ما يذهب إليه بعض المحللين مثل إريك بتاشنيك من تناقص سلطات الرقابة التشريعية على مالية الدولة؛ جراء توسع دولة الرفاه الاجتماعى منذ الحرب العالمية الثانية (1939:1945)، بحيث يمكن التوسع فى الخدمات الاجتماعية دون المرور بالروتين البرلمانى. وبالرغم من ضرورة موافقة المجلسين على أى مشروع قانون، فإن الدستور حرص على تخصيص مناطق نفوذ أو تخصص لكل مجلس عن الآخر، فمجلس الشيوخ، الذى يرأسه نائب الرئيس، يتمتع بسلطات أوسع فى الشئون الخارجية، بدءا من الموافقة على تعيين السفراء، مرورا بالمصادقة على الاتفاقيات الدولية، وانتهاء بقوانين فرض عقوبات على الدول، كتلك المفروضة على سوريا وإيران والسودان. أما مجلس النواب، الذى يرأسه نائب من حزب الأغلبية، فيهتم أكثر بالقضايا الداخلية، وهو ما يجعل أعضاءه أكثر تماسا مع ناخبيهم. ومما يزيد من قوة الكونجرس، اتباع الولاياتالمتحدة مبدأ فصل السلطات بشكل صارم، فلا يحق للرئيس حل الكونجرس، ولا يحق للكونجرس عزل الرئيس الذى وإن كان يتمتع بحق إبطال قوانين بالفيتو الرئاسى، فإن هذا الفيتو يقف عاجزا إذا مر القانون بأغلبية كبيرة. وخلال دورته التى تدوم عامين، عادة ما يصدر الكونجرس نحو 600 قانون، وذلك عبر إجراءات طويلة ومعقدة تمكنه من استبعاد القوانين التى لا تحظى بشعبية واسعة. وفى المتوسط يقدم أعضاء المجلسين نحو 10 آلاف مشروع قانون فى الدورة البرلمانية. ونظرا لعدم وجود أحزاب عقائدية فى الولاياتالمتحدة، يلعب السلوك الشخصى دورا مهما فى العمل السياسى الأمريكى، ومن هنا كان تأثير جماعات الضغط، أو جماعات المصالح على أعضاء الكونجرس، وأشهرها اللوبى الإسرائيلى، ولوبى البترول والطاقة، ولوبيات وول ستريت المالية. أغلى انتخابات فى التاريخ الأمريكى فى انعكاس لضراوة المعركة الانتخابية هذه المرة، تقترب تكاليف حملات الجمهوريين والديمقراطيين لانتخابات التجديد النصفى للكونجرس غدا من الخمسة مليارات دولار، مسجلة سابقة فى التاريخ الأمريكى. الجانب الأكبر من هذه الأموال يصب فى صالح الجمهوريين الراغبين فى استعادة السيطرة على الكونجرس، والذين يحظون بدعم هائل من معظم المؤسسات المالية العملاقة، خاصة بعد رفع المحكمة الدستورية العليا فى يناير الماضى القيود على تمويل الحملات الانتخابية من قبل الشركات ومجموعات الضغط والنقابات، فى خطوة اعتبرها الديمقراطيون انقلابا على التقاليد السياسية الأمريكية التى دامت قرنا من الزمان. ورأى الرئيس الديمقراطى باراك أوباما فى هذا القرار «ضوءا أخضر للمصالح المالية الخاصة كى تشن هجمات طاغية جديدة على حياتنا السياسية»، معتبرا إياه «انتصارا كبيرا لشركات النفط العملاقة، وبنوك وول ستريت، وشركات التأمين الصحى، وغيرها من المصالح الكبرى التى توظف نفوذها كل يوم فى واشنطن للتغطية على أصوات الأمريكيين البسطاء». كما شن أوباما حملة انتقادات على الغرفة التجارية الأمريكية، متهما إياها ب«تهديد الديمقراطية الأمريكية»، عبر دعمها حملات المرشحين الجمهوريين فى عدة ولايات بملايين الدولارات. وتعارض الغرفة وشركات التأمين، إصلاح نظام الرعاية الاجتماعية والتأمينات الصحية التى أقرها الكونجرس، ويتوعد الجمهوريون بإلغائها حال سيطرتهم على الكونجرس. فى المقابل، ومع تراجع تأييد الناخبين اليهود لأوباما بسبب ضغوطه على رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى ملف الاستيطان، فإن مانحين يهودا من العيار الثقيل أحجموا عن تمويل الديمقراطيين، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية. ومن اللافت أن أعضاء الكونجرس الأكثر تأثيرا هم الأكثر ارتباطا بجماعات المصالح، وأن جزءا كبيرا من الأموال والتبرعات المقدمة من جماعات الضعط تذهب إلى رؤساء الأحزاب ورؤساء اللجان المختلفة فى مجلس الشيوخ والنواب. فى الاتجاه نفسه، قالت مديرة منظمة «كومون كوز» الحقوقية الأمريكية، سوزان ليرنر، إن «أموال الحملات الانتخابية تستخدم كعصا لإرغام أعضاء الكونجرس على التصويت لصالح قضايا معينة أو ضدها.. هذه الأموال التى يتم إنفاقها على الانتخابات تحول دون تمكن الإدارة الأمريكية من التعامل مع المشاكل الحقيقية الاقتصادية والاجتماعية التى تواجهها الولاياتالمتحدة». وبحسب منظمة «المواطن العام»، غير الهادفة للربح والتى ترصد الإنفاق الانتخابى، فإن الجمهوريين تلقوا الشهر الماضى ستة أضعاف ما تلقاه الديمقراطيون، وربما يرتفع الفارق إلى عشرة أضعاف مع نهاية الحملات الانتخابية، موضحة أن أغلب هذه الأموال وصلت الجمهوريين من «وول ستريت» وشركات الصناعات الدوائية. ويمثل المبلغ الخاص بتكلفة الحملات الانتخابية للكونجرس (نحو خمسة مليارات دولار) خمسة أضعاف ما جرى إنفاقه على انتخابات الرئاسة عام 2008، التى فاز بها أوباما لصبح أول رئيس أسود فى التاريخ الأمريكى. ويحذر مراقبون من أن ما سموه «انفجار المال السياسى» فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس يهدد العملية الديمقراطية وشفافية الانتخابات، من خلال إنفاق ضخم يزكى من ينحاز للمصالح الخاصة، ويعاقب من يقف فى وجهها بحثا عن المنفعة العامة. سياسة بنكهة «الشاى» اليمينية و«القهوة» الليبرالية عشية انتخابات الرئاسة عام 2008 كان الناخبون منقسمين إلى فريقين، الأول يسعى بكل قوته إلى الخلاص من إدارة الرئيس الجمهورى جورج بوش الابن بكل تركتها من حروب مكلفة وأزمات رفعت عجز الميزانية لمستويات قياسية، أما الفريق الآخر فكان يعبر عن التيارات المحافظة فى المجتمع، وتغذيه أفكار إدارة بوش، ممثلة فى الخوف من الإرهاب والنزعات العنصرية التى عززها المحافظون الجدد بين الأمريكيين. ومثل فوز الديمقراطى باراك أوباما، الذى تبنى شعارات «الأمل» و«التغيير»، بالرئاسة دليل على نجاح التيار الأول، الناقم على سياسات بوش، فى فرض نفسه على الساحة السياسية الأمريكية. غير أن التيار اليمينى، الذى أحبطته الهزيمة المخزية للحزب الجمهورى المعبر الأساسى عن أفكاره، لم يستسلم لهذه الهزيمة، وسرعان ما بدأ يتصاعد تيار سياسى قديم جديد يسمى نفسه تيار «حفل الشاى» (Tea Party)، وهو تيار سياسى شعبى، وليس حزبا. هذا التيار، الذى أعلن تبرئه من الحزب الجمهورى عام 2009 بعد أن كان يدعمه بالمال والدعاية، أحدث تغييرا مثيرا فى الساحة السياسية، فقبل عام واحد مثّل فوز أوباما مرحلة تاريخية بوصول أول رئيس أسود إلى البيت الأبيض، فيما بدا إشارة إلى نجاح المجتمع فى علاج إرثه العنصرى الكئيب. لكن هذا الانتصار المبهر لم يدم طويلا، إذ شرع تيار «حفل الشاى» فى دفع المجتمع فى الاتجاه المضاد لهذا الانتصار، أى دفعه إلى أقصى اليمين تحت شعار «نحن الشعب»، وهى أول عبارة فى الدستور. ويرى هذا التيار نفسه ممثلا للحركة التاريخية التى قادت لتأسيس الجمهورية، ومن التاريخ أخذ اسمه الذى استمده من وحى انتفاضة الأمريكيين ضد الضرائب التى فرضت على واردات الشاى فى عهد الإمبراطورية البريطانية، قبل حرب الاستقلال. ومن أبرز وجوه هذا التيار، وأبرز مسوقيه، الإعلامى جلين بيك، الذى كان مدمنا للمخدرات والكحول، ويرجع الفضل فى سطوع نجمه إلى مستشار الحزب الجمهورى السابق، فى عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الأب، روجر آيلز. وثمة ترجيحات بتحقيق هذا التيار المحافظ انتصارات ساحقة فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، نظرا للانتصارات التى أحرزها خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهورى، إذ تغلبت مرشحة التيار فى ولاية ديلاور، كريستين أودونيل، المبتدئة فى عالم السياسة، على مايك كاسل، الذى ظل ممثلا للولاية فى الكونجرس طيلة الأعوام الثمانية عشرة الماضية، كما حقق مرشحون يدعمهم التيار انتصارات مبهرة فى ولايات نيفادا وكولولاردو وكنتاكى وألاسكا. ولأن لكل فعل رد فعل مواز له فى القوة ومضاد فى الاتجاه، خرج تيار «حفل القهوة» (Coffee Party). وكما الحال بالنسبة لتيار «حفل الشاى»، فإن الحركة الجديدة ليست حزبا، بل تيارا سياسيا شعبيا تشكل فى يناير الماضى، ليضفى على الساحة السياسية الأمريكية نكهة إضافية مضادة لنكهة تيار «حفل الشاى» اليمينى. ومثل موقع «فيس بوك» للتواصل الاجتماعى على الإنترنت النواة التى تأسس عبرها التيار الناشئ المعتدل، والمصمم على مواجهة تيار «حفل الشاى» الأوسع سياسيا، وذلك عبر إضفاء نفحته التقدمية على وجه السياسة الأمريكية، عبر توعية الأمريكيين بضرورة الوقوف فى وجه المتشددين. ويقوم تيار «حفلة القهوة» على مبدأ «الإرادة الجماعية»، و«ضرورة المشاركة فى العملية الديمقراطية»، ويهدف إلى التعاون مع الحكومة، ومواجهة تأثير أموال الشركات على العملية السياسية. وبحسب مؤسسته، أنابيل بارك، وهى أمريكية ولدت فى كوريا الجنوبية، فإن هذا التيار بدأ بعدد محدود من المؤيدين، ثم بدأ الآلاف من الناخبين المتذمرين من اللهجة اليمينة للسياسيين الجمهوريين، لا سيما المنتمون لتيار «حفل الشاى»، فى الانضمام للتيار الناشئ، حتى أن بعض المنضمين حديثا أسسوا لجانا محلية للتيار داخل ولاياتهم. وما هى إلا أشهر قليلة حتى أصبح تيار «حفلة القهوة» قادرا على تقديم مرشح لعضوية مجلس النواب فى ولاية ميسورى، وجمع 300 ألف مؤيد على صفحته على «فيس بوك» مقابل 150 ألفا للجنة الوطنية للديمقراطيين، و186 ألفا للجمهوريين على سبيل المقارنة. وستحدد انتخابات الغد أى نكهة سياسية فائزة فى أول مواجهة بين «الشاى» و«القهوة».