الشرارة بدأت بخبر صغير عن انتحار إحدي الفتيات الكرديات، فرارا من محاولة اعتداء عليها علي يد أحد عناصر الأمن الإيراني من الشيعة. والجديد في القصة أن الفتاة وتدعي «فاريناز» هي فتاة كردية سنية.. تعيش في مدينة «مهاباد» ذات الأغلبية الكردية داخل إيران. وعلي الفور، انتشر الخبر ليعيد النار مرة أخري، للمدينة التي شهدت مواجهات ومظاهرات عنيفة وإحراقا لصور قيادات إيرانية. وسط دعوات للاستقلال عن إيران الشيعية. وإعلان ميلاد دولة مهاباد الكردية السنية كجزء من دولة الأكراد الحلم، التي تشمل أكراد إيرانوتركيا وسوريا والعراق. وتجددت المصادمات التي كانت تشتعل من فترة إلي أخري منذ إعلان قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسقوط نظام الشاه عام 1979. تجدد الحديث عن أحلام أكراد إيران، في الانفصال، وتكوين دولتهم المستقلة، خاصة أنهم كانوا قد أعلنوها بالفعل، ليلة سقوط الشاه السابق، وتم قمعهم بقسوة، ووأد حلمهم، علي يد نظام الملالي الجديد، ومن قبل ذلك إعدام رئيسها قاضي محمد الذي تحول لرمز إيراني كردي. و«مهاباد» الإيرانية.. مدينة تقع في الشمال الغربي الإيراني وحسب آخر إحصاء للسكان صدر عام 2006 فإن عددهم تجاوز 113 ألف شخص. يعيشون بالمدينة التي تتبع محافظة أذربيجانالغربية، والتي تعد أحد مراكز إيران الزراعية الهامة. والمدينة التي تشتهر بجامعتها، تشتهر أيضا بصناعة أجود أنواع السجاد الإيراني الفاخر، بالمنسوجات الإيرانية، الذائعة الصيت عالميا. والتاريخ يقول: إن «مهاباد» حسب صحيفة «الجارديان البريطانية» عاشت لنحو 11 شهرا بين عامي 1946، 1947 كجمهورية مستقلة، عن إيران، وبعد دخول قوات الحلفاء إليها، قبل ذلك بنحو 5 أعوام. خلال الحرب العالمية الثانية، وسيطرت القوات السوفيتية في ذلك الوقت، ضمن قوات الحلفاء، علي أجزاء من الشمال الإيراني، وشجعت قيام الجمهوريات الانفصالية بالمنطقة، وبالفعل تكونت جمهورية دولة أذربيجان بالشمال الغربي الإيراني بقيادة جعفر بيشواري، وأعلن الحزب الديمقراطي الكردي وقائده قاضي محمد قيام جمهورية مهاباد الإيرانية الكردية الشعبية الديمقراطية عام 1946، وعاصمتها مهاباد وكان من بين مساعديه المقربين بالجمهورية الوليدة وقتها: مصطفي البرزاني والد زعيم إقليم كردستان العراقي الحالي مسعود البرزاني والذي يتمتع بالحكم الذاتي عن العراق، وله سلامه الخاص.وعلمه المميز، ويتمتع بالسيادة علي أراضيه الكردية. ولم تدم الدولة الكردية الوليدة «مهاباد» طويلا بعد تقدم إيران علي يد حكام الشاه. بشكوي ضد الاتحاد السوفيتي للأمم المتحدة باتهامه بالتدخل. في شئونها الداخلية، وعدم الانسحاب من إيران، بانتهاء الحرب العالمية الثانية وطالبته بالكف عن تأييد النعرات العنصرية والعرقية، داخل إيران. وبالفعل، وبعد مفاوضات استمرت لفترة ليست بالقصيرة، انسحب السوفيت من مناطق تمركزهم بالشمال الإيراني. تاركين الأذربيجان والأكراد لمصيرهم المحتوم في مواجهة النظام. وبطشه، وهو ما مهد بعد ذلك لتدخل إيراني عسكري عنيف، في مهاباد، واعتقال رئيسها قاضي محمد وشقيقه، والكثير من القيادات الكردية، ثم تبعت ذلك، بإعدام قاضي محمد في مارس من عام 1947. وفي وسط المدينة، وعلي مرأي ومسمع من الأكراد، كعبرة. لمن يفكر في الانفصال، وتكوين جمهورية كردية إيرانية. ورغم ذلك استمر أكراد إيران في المقاومة وهم الذين يشكلون نسبة قليلة، من أكراد إيران كلها، والذين يتمركزون في مدن مثل: كردستان الإيرانية وكرمنشاه، وأيلام ولورستات وهمدان وهي أشهر المدن الكردية الإيرانية، ومن أكثرها سكانا من الأكراد. وأضيف لذلك أن الأكراد داخل إيران هم من السنة، وسط أغلبية شيعية طاغية، وحكم شيعي متطرف للملالي، وآيات الله وهو ما شكل أزمة أخري بجانب أنهم أكراد الأصل، ويرتبطون بأكراد تركيا وسوريا والعراق، والذين يعيشون كلهم، تحت مظلة حلم واحد. وهو تكوين الجمهورية الكردية لتضم كل هؤلاء في كيان واحد. ومن هنا نشأت بجوار الدعوات السياسية للانفصال حركات مسلحة كردية لمحاربة النظام الإيراني وتنشط بين الحين والآخر وأبرزها: حزب «الحياة الحرة» والذي تصنفه إيران كمنظمة إرهابية ضد النظام وتهدد السلم الوطني كله. مهاباد إذن هي التي كانت أول عاصمة لجمهورية كردية، داعبت حلم كل الأكراد في عودة أراضي كردستان التاريخية، وعبر منطقة جغرافية تمتد في 4 دول متجاورة. ورغم اندثارها بعد أن عاشت لأقل من عام واحد فقط.. إلا أنها أيقظت عند النظام الإيراني مشكلة الأكراد الذين ينضمون لطابور طويل. من الأقليات داخل إيران، ومنهم السنة في الأهواز من العرب، أو اليهود أو المسيحيين أو حتي غيرهم ولكن مشكلة أكبر وهو تهديد كيان الدولة الإسلامية التي نشأت عام 1979، بعد الإطاحة بالشاه. والتي يحيطها الكثير من العداوات والمطامع بين دول بالمنطقة وقوي دولية عظمي. تسعي للوصول لبحر قزوين أو علي الأقل ضمان ولاء إيران لها وكشرطي بالمنطقة نيابة عنها.