تحكي الأسطورة الإغريقية القديمة عن الفتي نرجس الذي رأي صورته علي سطح الماء فانبهر بجمال وجهه وظل يتأمل هذا الجمال منصرفا عن الواقع، حتي انفصل تماما، وهكذا أصابه الجنون، تلك هي حكاية أغلب النجوم الذين ينجذبون للأضواء فيحترقون لكن فاتن حمامة كانت تعرف تماما كيف تجعل الجميع ينظرون باتجاه سطح الماء بينما تنشغل هي برسم ملامح تلك الصورة التي تجذبهم بجمالها قدمت فاتن مفاجآتها الأخيرة لجمهورها، إذ رحلت وتركت لنا فنها وجمالها، وقد مثلت عبر أعوام طوال المرأة المصرية في صورتها الأجمل والأكثر أناقة واحتراما طبقا لمعايير الطبقة الوسطي ، تلك الطبقة التي تبنتها وصعدت بها إلي عنان السماء. وتجاوزت فاتن حمامة حدود النجاح المسموح به للمرأة الشرقية، وللممثلة وتربعت علي القمة وحدها رغم مناوشات رفيقات الجيل واكتسبت احترام الجميع من دون استثناء، وبين الميلاد والرحيل كتبت بأدائها أمام الكاميرا وخلفها وداخل الاستديو وخارجه شهادة خلودها ورسمت بدقة شديدة صورتها التي أرادت لها أن تكون في أذهان الجماهير التي عشقتها منذ طلتها الأولي مع الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب في فيلم "يوم سعيد" ولم يكن عمرها قد تجاوز التاسعة حينها، ولم يتخيل أي من المشاركين في العمل أو من أسرة الطفلة الفائزة بلقب أجمل طفلة في مصر أن مشوارا فنيا ملحميا سوف يكتب لها باستثناء شخص واحد فقط هو أحمد (أفندي) حمامة الموظف بوزارة التعليم ووالد الطفلة فقد كان يؤمن منذ اللحظة الأولي لتعلمها النطق أن طفلته مميزة للغاية لكن اليقين المطلق جاءه في لحظة خاصة جدا حيث اصطحب طفلته إلي دار العرض لمشاهدة فيلم من بطولة النجمة والمنتجة الراحلة آسيا داغر والتي نالت تصفيقا حارا من الجمهور وحين خرج مع ابنته بعد العرض قالت الطفلة : تخيلت أن كل هذا التصفيق لي أنا، وابتسم الرجل ورأي في لحظة ما رآه الجمهور العربي عبر سنوات امتدت من عام 1940 وحتي الآن!. عرفت فاتن حمامة مبكرا أنها لن تعيش طفولتها أو صباها مثل قريناتها فقد امتدت شهرتها بعد فيلم واحد إلي المدرسة التي ارتادتها وأصبح الجميع يعاملونها معاملة خاصة وتأثر الأب بالأمر لذلك وجد المخرج محمد كريم فيما بعد صعوبة في إقناعه بتقديم فاتن لدور جديد في فيلم رصاصة في القلب مع عبدالوهاب أيضا، ومع فيلمها الثالث (دنيا) اكتملت ملامح مشروع الممثلة وبدا أن الوسط السينمائي يعتبرها واحدة من أفراده.. وقد كان. ومن نجاح إلي آخر، جاءت خمسينات القرن الماضي لتصبح موعد التألق والنجومية للممثلة التي لم تعد واحدة بل استنسخت سواء علي مستوي تسريحات شعرها أو فساتينها أو أدائها في الحياة، وتوحدت نساء مصر والعالم العربي معها وخاصة الطبقة الوسطي التي خرجت منها فاتن لتمثلها علي الشاشة، ولأنها ولدت لتلك الطبقة وفي ثلاثينات القرن الماضي فقد جاءت المحاذير الاجتماعية متوافقة تماما حيث لا قبلات إلا فيما ندر فضلا عن أنه حتي آخر مشاهدها في عالم التمثيل لا يستطيع أحد أن يعثر لها علي مشهد متحرر، وبهذه المحددات احتلت فاتن مكانتها الخاصة داخل كل أسرة مصرية، لكن أطرف ما واجهته هي تلك الجمعية التي تشكلت بعد زواجها من عمر الشريف باسم "جمعية مقاطعة أفلام فاتن حمامة" وضمت شبابا وشابات يرفضون أن تتزوج فاتن من الشريف ويمنحون لأنفسهم هذا الحق باعتبارها أختا أو ابنة أو حتي بدافع الغيرة. أما أسوأ ما واجهته فهو ذلك الحب المدمر الذي وقع فيه المخرج الكبير يوسف شاهين ودفعه لقطع شرايين يده حين اكتشف حبها لعمر الشريف أثناء تصوير فيلم "صراع في الوادي" وقد اعترف شاهين بنفسه بالأمر بعد سنوات طويلة قائلاً: "أحببت فاتن حمامة جداً وشعرت بجرح كبير عندما وجدتها مع عمر الشريف وشعرت بأن الخيانة جاءت من الطرفين". في حياة سيدة الشاشة العربية ثلاث زيجات ، لكن الحلم بها كان من حق الجميع وقد بلغ عدد الذين تقدموا لخطبتها في عام 1947 طبقا لتصريح لها نحو ثلاثة آلاف شاب لكن من فازوا بقلبها هم المخرج وشاعر الشاشة عزالدين ذو الفقار والنجم العالمي عمر الشريف والدكتور محمد عبدالوهاب. تزوج المخرج عز الدين ذو الفقار فاتن حمامة في أبريل 1948 بعد قصة حب جارفة بدأت مع ثاني عمل سينمائي يجمعهما في فيلم «خلود» الفيلم الوحيد الذي شارك عز في تمثيله إلي جانب إخراجه.. وكان أول لقاء بينه وبين فاتن في فيلم أبوزيد الهلالي عام 1946 وعاشا معا ستة أعوام أنجبا خلالها ابنتهما نادية وقدم عز الدين ذو الفقار لفاتن مجموعة من أجمل أفلامها منها: موعد مع الحياة، موعد مع السعادة، وكان يقول عنها: إن جمال شخصيتها أقوي من جمالها المحسوس وأنها لو وضعت وسط مجموعة من ملكات الجمال في العالم فستجذب الاهتمام وتخطف منهن الأضواء لطغيان شخصيتها عليهن جميعًا. أما قصة زواجها من عمر الشريف فنسجت خيوطها من خلال العمل حيث بدأ تصوير الفيلم الأول الذي جمع بينهما وهو «صراع في الوادي» وبعد أسابيع قليلة تأكدت من حبها له، وحتي جاء مشهد القبلة الشهير بين بطلي الفيلم، فالسيناريو كان فيه قبلة تطبعها حمامة علي شفاه الشريف وهو مغمي عليه وينزف بعد إصابته برصاصة أطلقها عليه حمدي غيث. وللمرة الأولي توافق فاتن علي أن تقبل بطلا أمامها، وهي التي لم تسمح لنفسها من قبل أن تقبل أيا من أبطال أفلامها، والغريب أن هذه القبلة أعادها المخرج إحدي عشرة مرة كي يحصل علي التأثير المناسب، وقد كان له ما أراد، قبلة طويلة وحقيقية أذهلت الجميع بمن فيهم شاهين نفسه، فبدأ المشهد مدوياً وصادماً، سكت شاهين ونظر إليهما مذهولاً، فقد عرف أن الحب قد تمكّن من قلب فاتن. يقول عمر الشريف في تصريح صحفي في وقت سابق: "خلال يوم واحد أصبحت الرجل المدنس الذي أهان مثلهم الأعلي، أحس كل مصري بالغضب الشديد وأنه قد خُدع بتلك القبلة. ضرب الفيلم الرقم القياسي في التوزيع، وازدحمت صفوف من الناس أمام شبابيك التذاكر، لكنني عملياً «صودرت» من الشاشة". وطلقت حمامة من ذوالفقار، وذات ليلة اختفت مع الشريف عن أعين الفضوليين وشائعات المغرضين، في فندق "مينا هاوس"، حيث تزوجا وأمضيا أسبوع العسل بعد أن أشهر الشريف إسلامه. وامتلكت "الطفلة المعجزة" كما أطلق عليها مكتشفها المخرج محمد كريم ما يفوق موهبة التمثيل الجبارة التي منحها الله إياها أهمية وهي القدرة علي إدارة هذه الموهبة بالعقل وإدارة مشاعرها بالعقل، وإدارة علاقاتها وأعمالها به، فلم تتنازل للإعلام عن مساحات في حياتها الشخصية أبدا رغم التحول الكبير من زواج ثم طلاق ثم زواج من ممثل جديد وظلت حتي رحيلها تحدد فقط ما الذي يمكن للإعلام التطرق إليه، وقدمت أفلاما مع مخرجين لم تكن مساحة الاتفاق بينها وبينهم تتجاوز الدور الذي تقدمه في العمل لكنها استطاعت دائما أن تفصل بين العمل والمشاعر الشخصية وبين الاختلاف حول الرأي والرؤية.