لم تعد جوائز الأوسكار أهم الجوائز السينمائية في العالم فقط ولكنها أصبحت إلي حد كبير مرآة العقل الأمريكي بمختلف اهتماماته السياسية والاجتماعية فضلا عن السياسية، وتكاد تكون توليفة الموضوعات المرشحة للحصول علي هذه الجائزة معروفة مسبقا إلا من هامش تعديل صغير يعبر عن مرونة تجعلها قابلة للاستمرار وهو ما جعلها رغم مكانتها الرفيعة جائزة محلية أمريكية وإن منحت بعض الجوائز لأفلام غير أمريكية إلا أنها تنتقي موضوعات - في أغلبها - متأمركة. وتأتي جوائز الدورة الثامنة والستين التي أعلنتها الأكاديمية الأمريكية لتؤكد أنها لا تتخلي أبدا عن منهجها في التعاطي مع السينما والسياسة معا ولكن ذلك لا يعني أنه الأساس بقدر ما يعني اتساق مجتمع النقد السينمائي الأمريكي مع التوجه السياسي للإدارة الأمريكية. وهي حالة لا نظير لها في العالم حيث يتفق التوجه العام لفئة من المثقفين بهذا الكم الكبير مع الإدارة السياسية للدولة باستثناءات قليلة وهوامش للخلاف أقل وإن كانت عميقة ولعل خروج فيلم "ذئاب وول ستريت" وفيلم "حروب قذرة" التسجيلي من أكبر الأدلة علي تواطؤ العقل الهوليوودي مع العقل السياسي للولايات المتحدة علي طرد المخالفين من نعيم الجوائز. وقد بدأت الملامح السياسية للجوائز فور الترشيحات للقائمة القصيرة حيث تم الدفع بثلاثة أفلام عربية هي "عمر" الفلسطيني والوثائقيين "لا جدران للكرامة" اليمني و"الميدان" المصري وكلاهما يوثق لثورة بلاده لكن الجوائز جاءت لتستبعد الثلاثة ولترسم الصورة النمطية المعتادة لاهتمامات هوليوود. ولعل السقطة التي تعرضت لها أرفع جائزة سينمائية في العالم العام الماضي حين منحت جائزة أوسكارأفضل فيلم للعمل المتواضع "أرجو" ليست إلا نموذجا لتلك السقطات الكبري في تاريخ الأوسكار.. فالفيلم لم يكن إلا قصة تحرير ستة محتجزين أمريكيين في إيران إبان الثورة في 1979 وقامت بتحريرهم المخابرات الأمريكية بالتنسيق مع أحد منتجي هوليوود والفيلم مأخوذ عن قصة واقعية بالفعل لذا جاء العمل وكأنه توثيق لتلك العلاقة السرية - المعلنة في آن واحد بين هوليوود وال سي آي إيه. وحصلت كاترين بيجلو مخرجة فيلم "نصف ساعة بعد منتصف الليل" علي جائزة أفضل مخرجة عن الفيلم الذي يوثق - أيضا - قصة اغتيال مؤسس تنظيم القاعدة. ويبرر لضباط المخابرات الأمريكية تعذيب المعتقلين بتهمة الإرهاب وبدت الجوائز في العام الماضي الذي شهد الدورة الخامسة والثمانين للأوسكار وكأنما يحدد الأعداء في العقل السينمائي الأمريكي بصرف النظر عن الشروط الفنية لصناعة فيلم جميل. واذا كان العقل الألماني قد تم استعباده منذ منتصف القرن الماضي بعقدة الهولوكوست وتم ابتزاز الألمان سياسيا واقتصاديا طبقا لمذابح اليهود التي قام بها النازي فإن العقل الأمريكي يعمل بشكل مختلف تجاه جريمته التاريخية في استعباد السود الأمريكيين.
ويقدم الأمريكيون في هوليوود أفلاما تشير إلي شعور مزمن بالذنب لكنه لا يقدم للتطهر الدرامي كما يعرفه السينمائيون بقدر ما يقدم باعتباره الصورة الجديدة للأمريكي.
لذلك يبقي دائما في تلك الأفلام ذلك الأمريكي الأبيض الذي يلعب الدور الأكبر في تحرير العبيد في الفيلم والأمر هنا لا يقتصر علي فيلم لنكولن الحاصل علي جائزة أوسكار العام الماضي. لكنه يتجاوزه إلي تلك الأفلام التي تتحدث عن أمريكيين أفارقة يعيشون كعبيد ثم يقررون التحرر من تلك العبودية وهو ماتم - مثلا- في فيلم "ديانجو انشيند" العام الماضي الذي حصل علي جائزة أفضل ممثل مساعد للنمساوي كريستوفر فالتز.
وهو نمط أمريكي معتاد يجسد الأمريكي مخلصا للعالم من شروره سواء من العبودية أو انقراض تقاليد الساموراي كما حدث في فيلم "الساموراي الأخير" عن ذلك الملازم الأمريكي (توم كروز) الذي تسلم راية الساموراي محافظا علي قيم هذا القتال ضد أعداء محليين له ويبدو الأمر معلقا بين واقع الانجليزي الشهير لورانس العرب الذي حظي بمكانة عالية جدا بين العرب في منصف القرن الماضي مكنت من تنفيذ الخطط الاستعمارية لإنجلترا في المنطقة وبين فيلم لورانس أوف أرابيا الذي جسد قصة اختراقه للجزيرة العربية والفكرة نفسها منتشرة بشكل يصعب معه حصرها وهو ما يؤكد كونها جزءا من ثقافة المجتمع الغربي - الأمريكي وتصوره عن ذاته باعتباره الأفضل والأقوي معا. وفي الدورة الجديدة للأوسكار كان الضمير الأمريكي تجاه السود يقظا بمنح فيلم "12 عاما من العبودية" جائزة أفضل صورة وأفضل سيناريو مقتبس وهو يحكي اختطاف أمريكي أسود حر واستعباده لمدة اثني عشر عاما ثم تحرر من هذه العبودية بمساعدة أمريكي أبيض (براد بيت) وعن الفيلم نفسه حصلت الكينية لوبيتا نينونج علي جائزة أفضل ممثلة مساعدة. وظهرت المثلية الجنسية بطلا في حفل الأوسكار حيث حصل " جاريد ليتو " الذي قدم شخصية شخص مضطرب الهوية الجنسية في فيلم Dallas Buyers Club بينما حصل ماثيو ماكونهي بطل الفيلم علي أوسكار أفضل ممثل ليحرم منها المرشح القوي ليوناردو دي كابريو ورغم اسم المخرج الكبير سكورسيزي ونجوم دي كابريو في فيلم "ذئب وول ستريت" إلا أن ذلك لم يشفع للفيلم بالحصول علي أي جائزة في مفاجأة هي الأقوي لأوسكار 4102 لكن الدهشة تنتهي حين تكون رسالة الفيلم واضحة وبسيطة كما قدمها سكورسيزي وتتلخص ببساطة في أن "حضارتكم زائفة ومتوحشة وسوف تأكل نفسها بنفسها أيها الأمريكيون". فالفيلم يحكي عن المستثمر - المحتال جوردون بلفورت الذي استطاع أن يفترس العديد من حيتان المضاربة في البورصة الأمريكية ويؤثر بشكل سلبي عليها ويجمع ثروة جبارة عبر عمليات احتيال غير تقليدية وهو فعليا يقبع في السجن الآن.. وحصد فيلم Gravity سبعة جوائز فقد حصد جائزة أفضل مؤثرات بصرية، وجائزة أفضل تصوير سينمائي، وجائزة أفضل مونتاج، جائزة أفضل mix للأصوات، جائزة أفضل Edit للأصوات، وجائزة original scoreوجائزة أفضل فيلم. ورغم أن الفيلم يدور في الفضاء الخارجي إلا أن قضيته إنسانية بالدرجة حيث تتوازي الأزمة الحياتية لأم فقدت طفلتها مع أزمتها في الفضاء الخارجي بعدما فقدت الاتصال بالمحطة الفضائية التي تعمل بها ونفد منها الأكسجين ويدور الفيلم في فضاء خارج الكرة الأرضية بين شخصيتين فقط قام بدورهما جورج كولوني وساندر بولوك التي خاب أملها في الحصول علي جائزة أفضل ممثلة وإن انتصرت الأوسكار لفيلم نجح في تقديم صورة مبهرة وقضية شديدة العمومية.
والمعروف أن جائزة الأوسكار تعتبر أرفع جائزة سينمائية في العالم وتمنحها أكاديمية علوم وفنون السينما الأمريكية التي تعد أكاديمية فخرية وليست تعليمية. وتأسست في 11 مايو 7291 في كاليفورنيا وتضم هذه الأكاديمية أكثر من0006 عضو مختص لجنة تصويت ضخمة تتكون من 6185 متخصصا في السينما بينهم 1131 ممثلا وممثلة.
وتنظم الأكاديمية إضافة إلي تنظيم مسابقات جوائز الأوسكار السنوية مسابقات سنوية للطلاب غير المتخرجين بعدد من الجامعات المختصة بالفنون السينمائية.