للنشر في وزارة الثقافة تاريخ. الستينيات كانت فترة ازدهار كبيرة في ظل غياب كثير من دور النشر الخاصة وفي ظل سياسة داعمة للكتاب كان شعارها كتاب كل ست ساعات. والحقيقة انها كانت كتب عظيمة تصدر في شكل سلاسل رائعة للمسرح والقصة والدراسات أو في شكل كتب عامة. وفي الستينيات بدأ أول معرض دولي للكتاب هو معرض القاهرة. استمر الأمر علي هذا النحو ولا يزال لكن اختلف كثيرا. صار النشر هدف كل أجهزة الوزارة وهيئاتها وليس هيئة الكتاب فقط. أنا مثلا عاصرت كيف بدأ النشر في الثقافة الجماهيرية. بدأ بسيطا يحاول أن يقدم أعمالا لأدباء الأقاليم في مؤتمرهم الذي تم ابتداعه. ثم صار إدارة مستقلة تحاول أن تزاحم هيئة الكتاب بإصدار سلاسل مختلفة في القصة والشعر والتراث والفكر وغيره. ليس هنا وقت الحديث عن ذلك. المهم صار هناك جهاز نشر كبير. ومجلة تصدر أيضا ناهيك عن النشر في المديريات الثقافية. كل هذه الكتب زهيدة الثمن وهذا شيء جيد لكنها تنتهي إلي المخازن فأكثر من نصفها لا يستوعبه السوق وليس في الثقافة الجماهيرية جهاز توزيع يستمر علي الكتاب. الكتاب ينزل السوق مرة واحدة ثم الباقي إلي المخازن. يظهر بعض الكتب مرة أخري في معرض الكتاب. ويتم في الثقافة الجماهيرية أيضا إعادة طبع كتب من التراث وهي مهمة دار الكتب بالأساس ومطبوعات الثقافة الجماهيرية هي تصوير سيئ وليست بجودة مطبوعات دار الكتب. قلت ان المشروع بدأ بسيطا ثم طموحا لمزاحمة هيئة الكتاب ثم صار علي وضعه الأخير الذي وصفته. طبعا قد يضايق هذا الكلام بعض العاملين في المشروع وخاصة أن أكثرهم من خارج الجهاز. صحفيون أو من الجامعة. لكن أنا أتحدث عن شيء حقيقي وهو أن ما ينشر في الثقافة الجماهيرية ينتهي أغلبه إلي المخازن رغم قلة ثمنه وجودته في كثير من الأحيان والسبب كما قلت عدم وجود جهاز توزيع مدرب وذي خبرة. الثقافة الجماهيرية منذ نشأتها للفنون وهيئة الكتاب للنشر لكن التنافس أدخل الامور في بعضها. والكتب كلها مدعومة دعما كان يمكن أن ينفق علي الفنون مادامت فرص النشر كبيرة في الوزارة. النشر في هيئة الكتاب لايزال قويا. كان مشروع مكتبة الأسرة من أعظم المشروعات لكنه الآن تقلص. كان الداعمون من الوزارات الأخري لا يتأخرون عن مشروع ترعاه السيدة الأولي أما الآن فلقد ذهبت السيدة الأولي فلماذا يدعمون المشروع ؟ ما علينا. الأهم أن مجلات الهيئة دخلت في شيء أشبه بالنسيان والسبب ليس رداءة ما تنشره. السبب هو ظهورالميديا ومواقع الفضاء الافتراضي التي سحبت كثيرا جدا من القراء. هذا شيء لم يكن موجودا مع نشأة وزارة الثقافة فكانت مجلاتها في المقدمة. في الوزارة المجلس القومي للترجمة يقوم بدور رائع لكن أيضا مشكلته في التوزيع وجهاز التوزيع الحكومي البيروقراطي وفي كل مراكز النشر بالوزارة يوجد رقيب خفي غير معلن طبعا هم هيئة التحرير نفسها التي ليس لديها جرأة القطاع الخاص بسبب ما يمكن أن ينتظرهم من هجوم من الجماعات المتخلفة باعتبار أن هذه أموال الشعب! نأتي إلي ما أتصور أنه الأفضل من كل هذا. وهو أن ينتهي هذا كله - النشر اقصد - إلي القطاع الخاص. أو تحويل الهيئة إلي شركة قطاع خاص تدعمها الدولة بما تدعم به الهيئة الآن فتنتهي مشاكل كثيرة في التوزيع. للهيئة منافذ توزيع كثيرة جدا لكن مخازنها أيضا ممتلئة جدا. الأمر نفسه فيما يخص المجلس الأعلي للثقافة والمركز القومي للترجمة. تتحول الأموال إلي دعم دور النشر الخاصة التي زادت جدا في مصر ويمكن أن تقدم الكتب نفسها بشكل أفضل وإخراج افضل وحرية أكثر وبنفس السعر مادامت مدعومة. وهكذا تتخلص الوزارة من عبء ادارة مشروعات مركزية في زمن المشروع الحر كما يقال. هذا التصور الذي قدمته وهذا الشرح لحال ثلاث قنوات للعمل في الوزارة يوضح كيف يمكن أن تتحول وزارة الثقافة إلي وزارة دولة داعمة للفنون والاداب فيكون وجودها أفضل كثيرا. طيب وماذا تفعل الوزارة للموظفين المعينين ؟. يصبحون هم ضمن مالكي مكان مثل هيئة الكتب أما الثقافة الجماهيرية فيمكن أن تعطي مراكزها بحق الانتفاع للفنانين بشرط عدم التخلص من العاملين في الوقت الذي لا تكف الدولة عن دعمها لمدة عشر سنوات خلالها يكون الملاك الجدد قد دربوا العاملين علي حرية العمل ويكون كثير من العاملين قد أحيل إلي التقاعد وتدور الأعمال بربع من فيها وتتقلص ميزانية الدعم وتذهب إلي مجال آخر. طيب لم أتحدث عن الأوبرا ولا دار الكتب. هذه يجب أن تظل علي ما هي عليه. وكذلك جوائز الدولة. مؤتمرات وزارة الثقافة يمكن أن يقوم بها القطاع الأهلي وستكون أفضل مادامت تدعمه الوزارة علي الأقل بأماكن الإقامة. قطاع العلاقات الخارجية يجب أن يكون كل عمله خدمة النشاط الثقافي والفني للقطاع الخاص في الخارج. وهكذا حلول كثيرة يمكن بها ألا يكون للثقافة في مصر جهاز مركزي هو الوزارة يتخيل الناس أنه مسؤول عن كل الفنون والآداب بينما هو لا ينتج عشرة بالمائة منها الآن والأفضل أن يتخلي عن ذلك ويترك المشروع الحر يعمل ويساعده فيما سبق وكتبته. سواء استجاب أحد إلي ما أقول أم لا فمصير الوزارة إلي زوال لأنها تتكلس كل يوم.