صُعقت عندما حكت لى زميلة وصديقة عزيزة كيف أنها كانت تناقش أحدهم نقاشا سياسيا عاديا مما يدور بين الناس هذه الأيام، وعندما قالت رأيها السلبى فى واحد من المرشحين للرئاسة من أصحاب عقيدة خلط السياسة بالدين وتحويل سمو وقدسية هذا الأخير إلى شعار وأداة تعبئة انتخابية وجماهيرية، فوجئت الصديقة بهذا الأحدهم (ينتمى إلى ظاهرة «الثورجية» و«الليبرالجية» الجدد) يرميها بأنها مصابة بداء ما يسمى «الإسلاموفوبيا»!! و«الإسلاموفوبيا» أو «islamophobia» عافاك الله هو، كما ترى حضرتك، تعبير أعجمى بحت واصطلاح حديث وجديد نسبيا ظهر فى بلدان الغرب منتصف ثمانينيات القرن الماضى وظل محدود الاستخدام وحبيس دوائر الباحثين فى ظواهر الاجتماع السياسى، لكنه انتشر واشتهر جدا بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001 التى استهدفت برجَى مبنى التجارة العالمى بمدينة نيويوركالأمريكية، ويشير معناه إلى ظاهرة «الرهاب» أو التوجس المَرَضى (phobia) من الإسلام ومن ثم تنميط المسلمين ذهنيا وإلغاء تنوعهم الطبيعى كأى جماعة بشرية أخرى وحشرهم جميعا فى نموذج واحد غريب ومخيف (وإرهابى) مما يبرر كراهيتهم والتمييز العنصرى ضدهم حيثما وجدوا فى المجتمعات الغربية. ولعل هذا التعريف المختصر بمعنى المصطلح الذى استخدمه الأخ «أحدهم» لإرهاب الصديقة المذكورة (اكتشفت أن كُثرًا من المحْدثين أمثاله يستخدمونه فى المناسبة نفسها) يفسر لحضرتك لماذا صُعق العبد لله وأخذه العجب، ليس من فداحة الجهل بمعلومات تافهة وبسيطة فحسب، وإنما من كل هذه البجاحة والجرأة على التوسل بالجهالة، لدرجة استخدام تعبير من هذا النوع فى نقاش يُفترض أنه يدور بين مصريين اثنين كلاهما يتحدث العربية ويدين بدين الإسلام، والموضوع كله مجرد مسألة خلافية عادية وطبيعية هى التفضيلات المتباينة والآراء المتعارضة فى المرشحين للرئاسة ومدى جدارتهم بالمنصب سواء من ناحية الكفاءة الشخصية أو ما يخص أفكارهم ورؤاهم وما يتفرع عنها من برامج وانحيازات اجتماعية وسياسية. والحق أن اكتشافى ظاهرة انتشار الرطان البغبغاوى بتعبير «الإسلاموفوبيا» واستخدامه (بإفراط مضحك) فى غير موضعه من قِبل حفنة غلبانة ممن أعلنوا تأييدهم لمرشح معين محترم، لكنه ينتمى إلى أفكار وعقيدة تبدو غريبة ومناقضة تماما لما يدّعيه هؤلاء، هذا الاكتشاف المدهش دفعنى وحرّضنى على تأمّل تلك الظاهرة ومحاولة تخمين دوافع المنخرطين فيها بعيدا عن السياسة وأصولها واعتباراتها التى ربما تسمح فى ظروف معينة (منها غياب من يعبرون عن أفكارك وانحيازاتك السياسية الأصلية) بالتصويت لمن تراهم أقل سوءًا وأخف ضررًا. وما أقصده بالدوافع ليس بالضبط ما دفع إخوتنا المذكورين أعلاه إلى إعلان تأييد ذاك المرشح الرئاسى بالذات بالمخالفة للشائع عن أفكارهم ومواقفهم (إن وجدت) وإنما ما بحثت عنه وما حاولت استنتاجه هو دلالة إشهار مصطلح «الإسلاموفوبيا» كسلاح إرهابى فى وجه المختلفين معهم.. وقد توصلت بعد جهد إلى رصد الملاحظات الآتية: أولا- أن الإخوة بتوع «الإسلاموفوبيا» يتصورون أن هذه الكلمة من الشياكة والأناقة (لأنها أجنبية) بحيث تعفيهم من ذكر حجج سياسية وفكرية لا يعرفونها. ثانيا- يتوهمون أن مجرد النطق بهذا التعبير يضفى عليهم نوعا من الفخامة الثقافية الكاذبة، كما أنه كاف بذاته لإنهاء الموضوع وإغلاق باب المناقشة بسرعة مريحة. ثالثا- يظنون أن اللفظ هذا (لأنهم يعرفونه بالشبه فقط) مفيد فى الإيحاء بأنهم، رغم علوِّهم ورقيِّهم وثقافتهم الغربية، متواضعون ومنفتحون على أغلبية الشعب المصرى المسلم الجاهل التعبان.. الذى نحن وأمثالنا منه.