في أسابيع قليلة، تحولت تجارة الطاقة العالمية إلى ساحة تصادم محتملة، مع تصاعد نشاط ما يُعرف ب«الأسطول الخفي» شبكة ناقلات النفط القديمة ذات الملكيات الغامضة والأعلام المزورة التي تستخدمها روسيا وإيران وفنزويلا لتجاوز العقوبات الغربية ومواصلة تزويد أسواق حيوية مثل الصين والهند بالنفط والسلع الأساسية. وقالت صحيفة «الجارديان» البريطانية، إن الأسطول تخطى كونه آلية للتهرب الاقتصادي، وأصبح عامل توتر أمني متزايد، إذ تشهد البحار المفتوحة عمليات مراقبة واعتراض مكثفة، وسط مخاوف متصاعدة من أن يؤدي التنافس على السيطرة على هذه الشبكة إلى احتكاكات عسكرية مباشرة، خاصة مع استعداد روسيا الواضح لحماية ناقلاتها بالقوة. اقرأ أيضًا| البيت الأبيض يعلن خطة لمنع صادرات النفط الفنزويلي إلى الأسواق العالمية «الأسطول الخفي».. توسع غير مسبوق وتحدٍ للعقوبات كشفت تقارير دولية أن الأسطول غير الرسمي الذي تستخدمه روسيا وإيران وفنزويلا للتحايل على العقوبات الغربية يشهد نموًا سريعًا في الحجم والنطاق. ويضم هذا الأسطول مئات ناقلات النفط القديمة، التي تعمل بملكية غير شفافة، وتغيّر أسماءها وأعلامها بشكل متكرر، وتبث إشارات ملاحة مضللة، بما يسمح لها بنقل النفط والبضائع بعيدًا عن أعين الجهات الرقابية. وبحسب خبراء، فإن هذا التوسع المتسارع يثير قلقًا متزايدًا لدى الدول الغربية، في ظل صعوبة تتبع السفن، وتعقيد الشبكات التجارية والمالية التي تقف خلفها. تحدٍ علني لأوروبا.. روسيا ترفع علمها على ناقلات الظل زاد المشهد تعقيدًا مع إقدام روسيا على خطوة وُصفت بالاستفزازية، تمثلت في وضع علمها الرسمي على بعض ناقلات النفط التي كانت تُصنف سابقًا ضمن «أسطول الظل»، في تحدٍ مباشر ل الاتحاد الأوروبي ومحاولاته تشديد الرقابة البحرية. ويرى محللون أن هذه الخطوة تعكس تحولًا في سلوك موسكو، من العمل في الظل إلى فرض أمر واقع بحري، في رسالة سياسية وأمنية مفادها أن حماية هذه السفن باتت أولوية استراتيجية. عمليات ضبط واعتراض.. من فنزويلا إلى بحر البلطيق خفر السواحل الأمريكي يحتجز ناقلة نفط كانت راسية في فنزويلا في إطار ملاحقة تهريب النفط الخاضع للعقوبات بحسب وزارة الحرب الأميركية#الحدث #قناة_الحدث pic.twitter.com/Ga1gVzN3oP — ا لحدث (@AlHadath) December 20, 2025 شهد العام الجاري تصعيدًا ملحوظًا في عمليات اعتراض السفن المشتبه بانتمائها إلى الأسطول الخفي. ففي وقت سابق من الشهر الجاري، نفذت القوات الخاصة الأمريكية عملية إنزال جوي من طائرات هليكوبتر على متن ناقلة النفط «سكيبر» قبالة سواحل فنزويلا، وهي سفينة كانت قد خضعت لعقوبات وزارة الخزانة الأمريكية منذ عام 2022، وسط اتهامات بتهريب النفط لصالح الحرس الثوري الإيراني وحزب الله. وفي حادثة أخرى، احتجزت القوات الأمريكية سفينة تجارية ثانية في المياه الدولية قبالة فنزويلا، رغم عدم إدراجها رسميًا على قوائم العقوبات، ما عكس تشددًا متزايدًا في تطبيق السياسات الأمريكية. أوروبا وأوكرانيا على الخط.. تصعيد خطير لم تقتصر المواجهات على الولاياتالمتحدة، إذ اعترضت كل من إستونيا وفرنسا هذا العام سفنًا يُشتبه في انتمائها إلى الأسطول الروسي الموازي. كما نفذت أوكرانيا هجمات بطائرات مسيّرة جوية وبحرية استهدفت ناقلات نفط روسية متهمة بالتهرب من العقوبات. وفي تطور لافت، أعلنت كييف أنها ضربت ناقلة نفط روسية بطائرات مسيّرة في المياه الدولية قبالة إحدى السواحل، في أول هجوم أوكراني من نوعه في البحر الأبيض المتوسط، وعلى مسافة نحو 2000 كيلومتر من حدودها. ووصف مصدر في جهاز الأمن الأوكراني العملية بأنها «خاصة وغير مسبوقة»، ما عزز المخاوف من توسع رقعة الصراع البحري. خبراء يحذرون: خطر المواجهة العسكرية يقترب حذر خبراء في الأمن البحري من أن تصاعد المراقبة العدائية للأسطول الخفي، إلى جانب استعداد روسيا لاستخدام الأصول العسكرية لحماية ناقلاتها، قد يؤدي إلى مواجهات غير محسوبة. وقال جونزالو سايز إيراوسكوين، الباحث في مركز التمويل والأمن بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، إن الأسطول الخفي ليس ظاهرة جديدة، لكنه شهد انفجارًا حقيقيًا بعد الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، ليصل عدده إلى ما بين 900 و1200 سفينة عالميًا. وأوضح أن هذه السفن ليست كيانًا منظمًا، وإنما مزيج من ناقلات قديمة تشتريها مصالح روسية، وسفن مملوكة لشركات غامضة أو أطراف مستعدة للمخاطرة بأنشطة غير قانونية. اقرأ أيضًا| ترامب يوسع دائرة العقوبات على فنزويلا.. ومادورو يتهم واشنطن ب «قرصنة الدولة» شبكة موازية كاملة.. أعلام مزيفة وشركات وهمية الجيش الأمريكي يستولي على ناقلة نفط فنزويلية ضخمة كانت في طريقها إلى الصين. كاراكاس تعتبر هذا "قرصنة" وتتوعد بأن العدوان "لن يمر دون عقاب".#فنزويلا#الولايات_المتحدة #النفط #الصين #عقوبات #البنتاغون #ترند #اكسبلور pic.twitter.com/i0eRSvuDJR — RT Arabic (@RTarabic) December 21, 2025 أدى توسع الأسطول الخفي إلى ظهور شبكة دعم غير مشروعة، تشمل مواقع تسجيل أعلام مزيفة، ووسطاء بلا ضمير، وشركات وهمية تسهل عمليات الشحن. وتُعد ناقلة النفط «بوراكاي» مثالًا صارخًا، إذ استحوذت عليها شركة وهمية مسجلة في سيشيل لا وجود فعليًا لها، وأُدرجت لاحقًا على القوائم السوداء الأوروبية والبريطانية بسبب ممارسات شحن عالية المخاطر واستخدام أعلام مزورة. مخاطر أمنية تتجاوز النفط حذّر محللون من أن خطر الأسطول الخفي لا يقتصر على التهرب من العقوبات، بل يمتد إلى تهديد البنية التحتية الحيوية. وأشار كريس كريميداس-كورتني، الزميل في مركز السياسة الأوروبية، إلى تورط سفن مرتبطة بروسيا في عمليات استطلاع، وتعطيل كابلات بحرية، وحتى الاشتباه باستخدامها في إطلاق طائرات مسيّرة. وأكد أن ردود الفعل الروسية السريعة، مثل إرسال مقاتلات سو-35 لاعتراض محاولات تفتيش السفن، تعكس اعتبار موسكو لهذا الأسطول رصيدًا استراتيجيًا يستحق الحماية. حسابات معقدة.. لماذا يستمر الأسطول الخفي؟ رغم العقوبات، لا تزال تجارة النفط الخاضع للقيود مزدهرة، مدفوعة بأسعار مخفضة تجذب مستوردين كبارًا، مثل الصين والهند، وبعلاوات مغرية يحصل عليها مالكو السفن مقابل المخاطر. ويرى مراقبون أن طالما ظلت المكاسب الاقتصادية تفوق المخاطر، فإن الأسطول الخفي سيواصل العمل، مستفيدًا من ثغرات النظام الدولي، وتعقيدات تسجيل السفن، وتفاوت شهية الدول للمواجهة البحرية المباشرة. اقرأ أيضًا| بعد ظهور لقطات جديدة.. هل تواجه حملة ترامب ضد قوارب المخدرات أول تحقيق دولي؟