كتبت: أسماء ياسر أعلن البنك المركزى أن معدل التضخم الأساسى سجل 12.5% فى نوفمبر 2025 مقابل 12.1% فى أكتوبر 2025. ويؤكد د. أشرف غراب، نائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربى بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية، أن الارتفاع فى معدل التضخم الأساسى طفيف ولا يذكر، وناتج عن ارتفاع أسعار المحروقات خلال الفترة الماضية، موضحًا أنه فى المقابل تراجع معدل التضخم على أساس سنوى، حيث سجل معدل التضخم العام للحضر 12.3% فى نوفمبر 2025، مقابل 12.5% فى أكتوبر 2025، وهذا يؤكد أن معدل التضخم فى طريقه للتراجع باستمرار خلال الشهور المقبلة، متأثرًا بعدد من العوامل، أهمها استقرار سعر صرف العملة الأجنبية مقابل الجنيه خلال الشهور الماضية، ومن المتوقع أن يتراجع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه خلال الشهور المقبلة، نتيجة ارتفاع استمرار ارتفاع الاحتياطى النقدى الأجنبى والذى تجاوز 50.2 مليار دولار، إضافة إلى أن مصر سيدخلها سيولة دولارية كبيرة خلال الشهر الجارى تقدر بنحو 3.5 مليار دولار من الصفقة المصرية القطرية، إلى جانب السيولة الدولارية بعد الانتهاء من المراجعتين الخامسة والسادسة التى يجريها حاليًا صندوق النقد الدولى، إضافة إلى الشريحة الثانية من دعم الاتحاد الأوروبى والتى تقدر بنحو 4 مليارات يورو. اقرأ أيضًا | البنك المركزي والأوروبي لإعادة الإعمار يطلقان سلسة ندوات تثقيفية وأضاف غراب أن العوامل تتضمن أيضًا زيادة إيرادات مصر من تحويلات المصريين بالخارج، والمتوقع أن تصل لنحو 40 مليار دولار خلال نهاية العام الجارى، والتى بلغت خلال التسعة أشهر الأولى منه نحو 30.2 مليار دولار، إضافة إلى تزايد إيرادات قناة السويس تدريجيًا، وتزايد إيرادات مصر من قطاع السياحة بشكل كبير، وتزايد الإيرادات من الصادرات، موضحًا أن كل هذه الموارد الدولارية تسهم فى زيادة الاحتياطى النقدى الأجنبى، والذى يسهم فى تراجع سعر صرف الدولار تدريجيًا، وتوافره بكميات كافية للمستوردين، مما يقلل من تكلفة الإنتاج، وبالتالى زيادة حجم الإنتاج المحلى، وزيادة المعروض بالأسواق، وتراجع سعر السلع بالأسواق، مما يسهم فى تراجع معدل التضخم تدريجيًا خلال الأشهر المقبلة. وأضاف غراب أن استئناف وتيرة تباطؤ معدلات التضخم خلال الأشهر المقبلة يؤدى إلى الوصول إلى مستهدفات الحكومة عند مستوى (7% ±2)، والذى قد نصل إليه فى الربع الأخير من عام 2026 وفقًا للمؤشرات، موضحًا أن هناك عوامل تعزز ذلك منها استقرار سعر الصرف، واستعادة الطاقة الإنتاجية للقطاع الصناعى، ونمو التدفقات الدولارية، وتراجع تكلفة التمويل، متوقعًا أن تتجه لجنة السياسة النقدية فى اجتماعها المقبل فى 25 ديسمبر الجارى إلى تثبيت سعر الفائدة، وذلك لاستمرار آثار صدمة ارتفاع أسعار المحروقات رغم انحسارها، إلا أن لها أثرًا على العديد من الخدمات الأساسية ذات التأثير مباشر على حياة المواطن. وأشار محمود جمال سعيد الباحث الاقتصادى والمتخصص فى أسواق المال إلى أن ارتفاع معدل التضخم الأساسى إلى 12.5% فى نوفمبر 2025 مقابل 12.1% فى أكتوبر يعكس استمرار ضغوط سعرية، لكنها ما زالت فى نطاق يمكن التعامل معه إذا استمرت السياسات الحالية فى الانضباط، وجرى دعم جانب العرض فى الاقتصاد، مؤكدًا أن هذا الارتفاع لا يُعد انفلاتًا تضخميًا بقدر ما هو إشارة إلى أن رحلة كبح التضخم ما زالت تحتاج وقتًا وإدارة حذرة، لمعادلة النمو مع الاستقرار السعرى، موضحًا أن العوامل المحركة لهذا الارتفاع تتوزع بين صدمات تكاليف وقرارات تنظيمية، من بينها زيادات فى أسعار الطاقة والخدمات الحكومية، وارتفاع فاتورة الإيجارات، إلى جانب تركز الزيادة فى بعض بنود سلة التضخم أكثر من غيرها، لافتًا إلى أن هذه العوامل ترتبط بمرحلة انتقالية يعاد فيها تسعير العديد من السلع والخدمات بما يتسق مع الإصلاحات الاقتصادية وتغيرات سعر الصرف، مما يجعل جانبًا من الضغوط ذا طابع زمنى لا دائم. وأوضح سعيد أن التأثير على الاقتصاد المصرى يحمل جانبين متوازيين، فمن جهة يضغط التضخم على القوة الشرائية للأسر ويقلص هامش ربحية بعض الشركات، خاصة فى القطاعات كثيفة الاستخدام للطاقة والسلع المستوردة، ومن جهة أخرى يدفع صناع القرار إلى تسريع خطوات الإصلاح وتحسين كفاءة الإنفاق العام، ويُعد هذا المستوى من التضخم تحديًا يستدعى سياسات أكثر دقة، لكنه لا يغلق الباب أمام تحقيق نمو معقول إذا جرى توجيه الاستثمارات إلى القطاعات الإنتاجية والقادرة على التصدير، لافتًا إلى أن الحكومة تتعامل مع هذه الموجة من خلال مزيج من السياسات النقدية والمالية؛ فاستمرار السياسة النقدية المتشددة بدرجة محسوبة يهدف إلى تثبيت توقعات التضخم، فى حين تستهدف السياسات المالية زيادة كفاءة دعم الغذاء والطاقة وتوجيهه لمستحقيه الحقيقيين، لافتًا إلى أن نجاح هذه المقاربة يعتمد على قدرة الجهات التنفيذية على سرعة تطبيق القرارات وتقليل أى آثار جانبية على النشاط الاقتصادى الحقيقى. وأضاف سعيد أن تخفيف حدة التضخم يتطلب منح أولوية واضحة لزيادة المعروض من السلع والخدمات، عبر تشجيع الاستثمار فى الزراعة والصناعة، وتيسير إجراءات تأسيس وتشغيل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب تحسين بيئة الأعمال وتقليل البيروقراطية، لافتًا إلى أن التركيز على جذب الاستثمار طويل الأجل بدلًا من الاعتماد المفرط على رؤوس الأموال قصيرة الأجل يمثل عنصرًا محوريًا فى تحويل الضغوط التضخمية الحالية إلى فرصة لإعادة هيكلة الاقتصاد، وزيادة قدرته على توليد فرص العمل والدخل الحقيقى، مطالبًا الأفراد بالتعامل مع ارتفاع التضخم بعقلانية لا بذعر، من خلال إعادة هيكلة الإنفاق الأسرى لصالح الأولويات الأساسية، وتقليل الالتزامات ذات الفائدة المتغيرة قدر الإمكان، والاتجاه تدريجيًا إلى أصول تحافظ على القيمة مثل الذهب أو العقار أو الأدوات الادخارية ذات العائد الحقيقى الإيجابى، مشددًا على أهمية تنويع مصادر الدخل، وتجنب الانجراف وراء المضاربات قصيرة الأجل غير المدروسة، حتى لا تتحول محاولة حماية المدخرات إلى مخاطر أعلى من التضخم نفسه. ويرى د. أشرف حجر المحاسب القانونى أن مواجهة التضخم لا يمكن أن تنجح بالاعتماد على السياسات النقدية وحدها أو تقليص الطلب فقط، لأن ذلك يعالج الأعراض ولا يواجه جذور المشكلة، وأن الحل الحقيقى – من وجهة نظره – يبدأ من زيادة الإنتاج وتحفيز الاقتصاد الحقيقى، مؤكدًا أن التضخم فى جوهره ناتج عن اختلال بين العرض والطلب، وعندما يكون المعروض من السلع والخدمات أقل من احتياجات السوق ترتفع الأسعار تلقائياً، لذلك فإن التوسع فى الإنتاج الصناعى والزراعى والخدمى الطريق الأكثر استدامة لخفض الأسعار. ويضيف حجر أن تحفيز الإنتاج يتطلب خفض تكاليف الإنتاج عبر تخفيف الأعباء الضريبية والجمركية على مستلزمات الإنتاج، وتيسير الإجراءات للمصانع والمشروعات الإنتاجية وربط الحوافز بزيادة التشغيل والتصدير، وتشجيع الصناعة المحلية لإحلال الواردات وتقليل الضغط على العملة الأجنبية، واستقرار السياسات الاقتصادية حتى يتمكن المستثمر من التخطيط طويل الأجل دون مخاوف مفاجئة، مشددًا على أن أية سياسة تهدف لكبح التضخم دون دعم مباشر للإنتاج ستؤدى إلى تباطؤ اقتصادى وارتفاع البطالة، بينما الإنتاج وحده هو القادر على خلق توازن سعرى حقيقى، وزيادة الدخول، وتحقيق نمو مستدام يشعر به المواطن. ويقول رامى فتح الله رئيس اللجنة المالية والضرائب بالجمعية المصرية اللبنانية لرجال الأعمال إن ارتفاع معدل التضخم الأساسى إلى 12.5% فى نوفمبر 2025 مقابل 12.1% فى أكتوبر يعكس استمرار الضغوط التضخمية داخل الاقتصاد المصرى، ويؤكد أن التضخم لم يعد ناتجًا فقط عن عوامل مؤقتة أو خارجية بل أصبح مرتبطًا بتكلفة الإنتاج وارتفاع أسعار مدخلات الصناعة والنقل واللوجستيات، إلى جانب الضرائب غير المباشرة وهوامش التداول، موضحًا أن التعامل مع التضخم يتطلب رؤية شاملة لا تقتصر على أدوات السياسة النقدية وحدها، بل تقوم على تحفيز الإنتاج وزيادة المعروض من السلع والخدمات، باعتبارهما الحل الأكثر استدامة لخفض الأسعار، وأكد أن تخفيف الأعباء الضريبية والرسوم عن المصانع ومدخلات الإنتاج ودعم سلاسل الإمداد وتحسين كفاءة الموانئ والنقل سيسهم بشكل مباشر فى خفض التكلفة النهائية على المستهلك، مشددًا على أهمية تحقيق توازن قى السياسة النقدية بين السيطرة على التضخم ودعم الاستثمار وعدم تحميل القطاع الإنتاجى أعباء تمويلية إضافية تعيق النمو. وأشار فتح الله إلى ضرورة ضبط الأسواق، ومواجهة الممارسات الاحتكارية، وتعزيز الشفافية فى التسعير، مؤكدًا أن علاج التضخم الحقيقى يبدأ من دعم الصناعة والزراعة، وتمكين القطاع الخاص، ليكون شريكًا رئيسيًا فى تحقيق الاستقرار الاقتصادى والنمو المستدام. ويؤكد النائب أحمد إسماعيل صبرة أن مواجهة التضخم لا تتحقق عبر الإجراءات المالية قصيرة الأجل فقط، وإنما من خلال تبنى سياسات جادة لدعم الصناعة وزيادة الإنتاج، باعتبارهما الحل المستدام لكبح ارتفاع الأسعار، مضيفًا أن التضخم يرتبط بشكل مباشر بارتفاع تكاليف الإنتاج، خاصة فى الصناعات الكيماوية والوسيطة، وهو ما ينعكس على أسعار السلع النهائية، ومن هنا فإن خفض أعباء الإنتاج يمثل خطوة أساسية فى أى استراتيجية لمواجهة التضخم. وأوضح صبرة أن الحلول العملية تشمل توفير مستلزمات الإنتاج محليًا، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، بما يخفف الضغط على العملة الأجنبية ويحد من موجات ارتفاع الأسعار، وتيسير التمويل الصناعى بأسعار فائدة مناسبة، وربطه بالتوسع الإنتاجى والتشغيل، واستقرار السياسات الضريبية والجمركية حتى يتمكن المستثمر من التخطيط والإنتاج بثقة، ودعم المناطق الصناعية بالبنية التحتية والخدمات، خاصة المناطق الواعدة مثل جمصة، لزيادة طاقتها الإنتاجية، وتحفيز الصناعات الكيماوية باعتبارها صناعات مغذية لقطاعات عديدة، وأى خفض فى تكلفتها ينعكس مباشرة على أسعار السوق. وشدد صبرة على أن زيادة المعروض من السلع السبيل الحقيقى لكبح التضخم، مؤكدًا أن الصناعة الوطنية القوية ليست فقط قاطرة للنمو، بل أيضًا أداة رئيسية لحماية المواطن من موجات الغلاء.