متى نحتفى بأيامنا التاريخية كما ينبغى؟! هذا الأسبوع تحل علينا ذكرى 23 ديسمبر هذا اليوم العظيم من عام 1956 حين قهرنا العدوان الثلاثى، وغيّرنا وجه التاريخ فى المنطقة والعالم، وأنهينا عصورًا من الاستعمار والاستغلال، وفتحنا أبواب التحرر واستعادة الحقوق المنهوبة أمام شعوب العالم، وجعلنا من مديتنا الجميلة «بورسعيد»، رمزًا للصمود وبابًا للأمل فى عصر جديد ترتفع فيه أعلام التحرر وتصل فيه أنوار العلم وثمار التقدم لشعوب الأرض كلها. كانت مصر قبل شهور قليلة قد أنهت أكثر من سبعين عامًا من الاحتلال البريطانى فى يونيو من هذا العام. ولم تمض إلا أسابيع قليلة إلا والعالم يشهد الحدث الكبير مع إعلان عبد الناصر قرار مصر بتأميم الشركة التى كانت تسيطر على قناة السويس وتديرها لحسابها، لم تفعل مصر إلا أنها استخدمت حقها القانونى فى استرداد القناة وإنهاء الاستغلال البشع الذى استمر لعشرات السنين تحولت فيها قناة السويس تحت الإدارة الأجنبية إلى دولة خارج الدولة وخارج السيادة الوطنية حتى جاء الزلزال مع قرار التأميم التاريخى. الرد جاء متوافقًا مع عقلية استعمارية قامت على غطرسة القوة. وفى نهاية أكتوبر من هذا العام الحاسم فى تاريخ مصر كان العدوان الثلاثى الذى تآمرت فيه حكومتا بريطانيا وفرنسا مع الذنب الإسرائيلى لاحتلال القناة واستعادتها، وإسقاط النظام فى مصر التى كانت قد بدأت للتو تستنشق نسائم الحرية وتبدأ فى تعويض سنوات التخلف الذى طال، وتعلن عن بناء السد وثورة التصنيع مستعينة بدخل القناة الذى لن يذهب بعد الآن لجيوب اللصوص الذين سرقوا تضحيات المصريين بالخداع أو بالقوة الغاشمة. كانوا يظنون أن الأمر سيكون مجرد نزهة قصيرة ومهمة سهلة قرروا أنهم سينهونها فى أقل من أسبوع يتم فيه الاستيلاء على كل مدن القناة واستعادة المرفق المائى العالمى ومعه القاعدة العسكرية الأكبر فى المنطقة والتى كانت القوات البريطانية قد تركتها مرغمة وهى تنفذ اتفاق الجلاء قبل بضعة شهور. ولكنهم فوجئوا بالصمود العظيم لمصر التى وقفت صفًا واحدًا فى مواجهة العدوان، وصدمتهم المقاومة الأسطورية من «بورسعيد» التى تحملت القصف الجوى المتواصل وأوقفت الأساطيل البحرية وكشفت للعالم حقيقة العدوان الهمجى وهى تستمر فى المقاومة لقوات الغزو التى أصبحت محاصرة من شعوب العالم كله حتى اضطرت للرحيل الذليل فى يوم النصر العظيم «23 ديسمبر»، الذى شحذ طاقات التحرر الوطنى لشعوب العالم العربى ولشعوب العالم الثالث فى إفريقيا وآسيا التى أدركت أن عصرًا طويلًا من الاستعمار والاستغلال قد سقط على أبواب «بورسعيد» فى هذه الحرب الفاصلة. هذا تاريخ نحتاج لأن نحتفى به كما يليق بأمة عريقة وشعب يعرف جيدًا كيف يحمى الوطن ويسترد الحقوق ويحافظ على كل ذرة من تراب مصر. ما زالت الذكرة تحفظ بعض تفاصيل هذا اليوم العظيم ونحن وسط الجموع على شاطئ القناة التى عادت للوطن بالدم الغالى وأغلى التضحيات. ثم فى اليوم التالى كان الموعد مع تحطيم الرمز لكل سنوات النهب والاستغلال. لم يكن تحطيم تمثال ديلسبس إلا رد اعتبار لمائة وعشرين ألف شهيد سقطوا وهم يحفرون القناة، وانتصارًا لكفاح أجيال من أجل استعادة هذا الجزء العزيز لأحضان الوطن. ولا أريد أن أكرر ما قلناه وقاله كل وطنى على أرض مصر ردًا على أرامل ديلسبس الذين مازالوا يتحدثون عن إعادة تمثاله لمدخل القناة. فقط ليس مطلوبًا إلا بعض الكرامة الوطنية لكى يدركوا أن الخطيئة فى حق الوطن لا تغتفر. ما يهمنا هو أجيال جديدة ينبغى أن يتاح لها أن تعرف حقائق التاريخ، وأن تحتفى بأيام عظيمة كتبت فيها مصر صفحات خالدة فى مواجهة التحدى والانتصار لحرية واستعادة الشعوب لحقوقها المغتصبة. فلنحتفِ كما ينبغى بالقناة التى عادت، وببورسعيد التى قاتلت وصمدت وبمصر التى غيّرت وجه التاريخ فى 23 ديسمبر، وليكن احتفالنا بعيد النصر وعدًا بانتصارات أكبر رغم كل التحديات.