الحكاية أصبحت مملة وسخيفة ومكررة، ومع ذلك فمازال البعض يدعونا لإهانة تاريخنا، ونسيان تضحيات شعبنا، وإعادة تمثال النصاب الدولى ديلسبس ليحتل مكانه فى مدخل قناة السويس كما كان فى سنوات القهر والاحتلال والهيمنة الاستعمارية على القناة التى حفرناها بدماء أبنائنا، واستعدناها بأغلى التضحيات. كنت هناك عندما كانت الشركة الأجنبية تجعل من القناة دولة داخل الدولة، وحين كان الاحتلال البريطانى يحرس هذه الأوضاع. وكنت مع الأهل فى مدينتى بورسعيد وهى تنفجر بالفرح والفخر مع قرار عبدالناصر بتأميم شركة القناة. وعشت فى المدينة وهى تواجه جيوش العدوان التى جاءت لتستعيد القناة، ثم وهى تقاوم حتى النصر العظيم. وكنت هناك حين خرج ابطال المقاومة وشباب المدينة ليحطموا آخر رموز سنوات القهر والنهب والاحتلال ويسقطوا تمثال المحتال ديلسبس فى أول يوم بعد انسحاب جيوش العدوان المهزوم. بعد مايقرب من 70 عاماً.. كم هو مؤلم ومستفز لكل المشاعر الوطنية أن نسمع من يعيد الحديث المكرر والسخيف عن إعادة ديلسبس لمدخل القناة باعتباره تصحيحا للتاريخ(!!).. التصحيح ياسادة تم فى 56 باستعادة القناة وتقديم أغلى التضحيات للدفاع عن مصريتها. والتصحيح مازال يتواصل بالنجاح العظيم للادارة المصرية طوال هذه السنوات ولم يعد مطلوباً إلا أن تغلق جماعة انصار ديلسبس باب الحديث السخيف عن النصاب الذى قتل 120 ألف مصرى وهم يعملون بالسخرة فى حفر القناة التى سرقها ديلسبس لتصبح مملوكة للفرنسيين والانجليز بسلسلة مؤامرات دنيئة لم تتوقف حتى فاجأهم قرار التأميم ليقطع الطريق على محاولات تحديد الهيمنة الأجنبية على القناة أو تدويلها. واقرأوا التفاصيل عند الدكتور مصطفى الحفناوى فى مذكراته التى ينبغى أن تكون جزءاً من ذاكرة وطنية لاتنسى الحقوق، ولاتغفر الجرائم فى حق الوطن. وتبقى أضحوكة أن عودة ديلسبس تخدم العلاقات مع فرنسا!! لايمكن لفرنسا أن تعتبر المحتال ديلسبس رمزاً لها، ولايمكن لمصر أن تسمح بإهانة تاريخها. المكان الأفضل لتمثال ديلسبس قد يكون فى متحف الشرطة باعتباره النصاب الأكبر فى تاريخ مصر الحديث، مع لوحة تذكارية تقول إن هذا النصاب الذى انتهت به الحياة مداناً من قضاء فرنسا نفسها بتهمة الاحتيال مازال له مجاذيب يهتفون: الله حى.. ديلسبس جاى!! ويعتبرون أن هذا قمة الوعى، وتمام تصحيح التاريخ!!