لم تعد البوتات كما كانت. ما بدأ قبل سنوات كأداة بسيطة للردود الآلية أو خدمة العملاء، أصبح اليوم جيلاً جديدًا من المساعدين الرقميين القادرين على التفكير، التحليل، واتخاذ القرارات. الثورة في عالم الذكاء الاصطناعي لم تعد مقتصرة على الأكاديمية أو المختبرات، بل أصبحت جزءًا من الحياة اليومية والأعمال، من الهاتف الشخصي إلى مؤسسات المال والتكنولوجيا العملاقة. في تقريرها الأخير، صنّفت مجلة "مجلة الذكاء الاصطناعي" أبرز عشرة « بوتات » مساعدين أذكياء في العالم ، والتي أصبحت رموزًا لعصر جديد تتقاطع فيه التكنولوجيا مع الذكاء والإبداع والوعي الرقمي. من وادي السيليكون إلى شنجهاي، ومن مختبرات الأبحاث إلى تطبيقات الهواتف، هذه البوتات تعيد رسم شكل العلاقة بين الإنسان والآلة. تصدر القائمة بلا منازع ChatGPT من شركة OpenAI والذي غيّر نظرة العالم إلى ما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي. فبفضل قدراته على توليد النصوص، تحليل البيانات، وتقديم إجابات متعددة السياقات، أصبح أداة يستخدمها الأفراد والشركات والتعليم والإعلام، بإيرادات تجاوزت 12 مليار دولار و3500 موظف، ليواصل ChatGPT التوسع كمحرك رئيسي للابتكار سواء في الكتابة أو البرمجة أو الإبداع البصري. وفي المركز الثاني يأتي Gemini من Google، وهو بوت يجمع بين المعرفة العميقة لمحرك البحث الشهير وقدرات الفهم اللغوي المتقدمة، ورغم أن إيراداته لا تزال محدودة نسبيًا إلا أنه يتميز بتكامل فريد مع منتجات Google مثل Gmail وDocs، مما يجعله مساعدًا رقمياً يوميًا للملايين حول العالم. أما المركز الثالث فذهب إلى Microsoft Copilot ، الذي أطلقته Microsoft عام 2023 ليصبح جزءًا لا يتجزأ من نظامها الإنتاجي. بإيرادات تتجاوز 30 مليار دولار وربع مليون موظف، يهدف Copilot إلى تسهيل العمل داخل بيئة Microsoft Word، Excel، Teamsمن خلال اقتراحات ذكية وتكامل سلس مع أدوات العمل المعتادة، ليكون ليس مجرد بوت، بل زميلًا رقميًا يساعد الموظف على إنجاز مهامه بشكل أسرع وأكثر دقة. من جانبه، يظهر Meta AI من شركة Meta داخل عوالم واتساب وإنستجرام وفيسبوك ليجعل الذكاء الاصطناعي جزءًا من التواصل اليومي، وتحت إدارة مارك زوكربيرج وإيرادات تصل إلى 178.8 مليار دولار، يعمل هذا المساعد على فهم النصوص والصور والمحادثات في الوقت الحقيقي، مما يجعل التواصل أكثر طبيعية وسلاسة. أما Claude من شركة Anthropic فيتميز بأنه أكثر البوتات اتزانًا من الناحية الأخلاقية، ويُعرف بقدرته على التحليل المنطقي وفهم النوايا الإنسانية بدقة عالية، ويُستخدم على نطاق واسع في تحليل المستندات والأبحاث والمهام الحساسة، بإيرادات بلغت 500 مليون دولار تحت قيادة دريو أموداي، أحد مؤسسي OpenAI السابقين. بينما يأتي Pi من Inflection AI كأكثر البوتات قربًا من الإنسان، فقد صُمم ليكون صديقًا رقميًا يقدم تجربة محادثة شخصية تُشعر المستخدم بالراحة والدعم، وتأسس عام 2022 على يد شون وايت بإيرادات 16.7 مليون دولار، ليُعتبر من أكثر المشاريع إنسانية في عالم الذكاء الاصطناعي. ويبرز Perplexity كنموذج جديد لمحركات الإجابة الذكية، يجمع بين قوة البحث ودقة المحادثة، ويتميز بأسلوبه المختصر والواضح في تقديم إجابات فورية موثوقة، ويُستخدم على نطاق متزايد في الإعلام والبحث العلمي. أما Grok، البوت الذي أطلقته شركة xAI التابعة لإيلون ماسك، فيأتي كمنافس جريء وساخر يجمع بين الذكاء وروح الدعابة في الردود، مع تكامل مباشر مع منصة X (تويتر سابقًا)، وبإيرادات تبلغ 500 مليون دولار و1200 موظف، يسعى Grok إلى أن يكون "صوت" الذكاء الصناعي في عالم التواصل الاجتماعي. ومن باريس، تقدم شركة Mistral AI بوتها Le Chat، الذي يعتمد على تقنيات مفتوحة المصدر ويستهدف السوق الأوروبية. رغم حداثته، إلا أنه حصد اهتمامًا واسعًا بفضل كفاءته العالية وسرعته في التعلم الذاتي، ما جعله خيارًا مفضلًا للمطورين. ومن الصين يظهر DeepSeek كمنافس آسيوي قوي يركز على الأداء والسرعة، بإيرادات بلغت 200 مليون دولار وعدد موظفين لا يتجاوز 200 فقط، بقيادة ليانغ وينفنج، ويُعرف بقدرته على التعامل مع كميات ضخمة من البيانات وتحليلها في وقت قياسي. تؤكد مجلة AI Magazine أن سباق البوتات لا يتعلق فقط بالذكاء، بل بالثقة، والتكامل، والتجربة الإنسانية. فهذه الأدوات لم تعد مجرد وسيلة للرد، بل أصبحت شركاء رقميين يعيدون تعريف كيف نفكر ونعمل ونتواصل في العصر الذكي، حيث أصبح لكل إنسان تقريبًا بوته الخاص، ولكل مؤسسة مساعدها الذي لا ينام. يبدو أن معركة "الذكاء الاصطناعي الحواري" لم تعد مجرد منافسة بين شركات التكنولوجيا العملاقة، بل أصبحت سباقًا على من يستطيع أن يفهم الإنسان أكثر. فكل بوت من "ال10 الكبار" يسعى بطريقته لأن يكون الأقرب للعقل البشري: من ChatGPT الذي يتحدث وكأنه كاتب، إلى Copilot الذي يعمل كمساعد مهني، وClaude الذي يفكر كفيلسوف رقمي، وPi الذي يتصرف كصديق حقيقي. المشهد القادم لا يتعلق فقط بقدرة البوت على الإجابة، بل بقدرته على التفاعل، والإلهام، والتعاون. ومع استمرار التطور المذهل في نماذج اللغة والتعلم الآلي، يبدو أننا نقترب من لحظة يصبح فيها المساعد الذكي ليس أداة رقمية فحسب، بل "شخصية" رقمية تتطور مع مستخدمها وتتعلم منه يومًا بعد يوم. في عالم يتغيّر بهذه السرعة، ربما السؤال الحقيقي لم يعد: "ما الذي يمكن أن تفعله البوتات؟" بل أصبح: "كيف سنتعايش معها... ونتعلم منها؟"