يدرك الإسرائيليون أن بقاء الفلسطينيين على أرضهم يعنى أن الاحتلال إلى زوال، وأن مشروعية وجودهم وهيمنتهم على الأرض ستبقى دائمًا مهددة بشرعية الحق فى الحياة والوجود الذى يملكه أصحاب الأرض هذه التحركات التى تقودها القاهرة ربما هى الأصعب على الإطلاق، لأن التعامل مع «زئبقية» المفاوضين الإسرائيليين والتماهى الأمريكى مع مواقف تل أبيب أمر يحتاج إلى احترافية هائلة لا تتوافر إلا فى المفاوض المصرى خطة ترامب ليست هى الصيغة الأفضل، لكنها، رغم ذلك، الفرصة الوحيدة المطروحة لإنهاء الحرب، ووقف المقتلة الإسرائيلية، ومنح الفلسطينيين فرصة للبقاء على قيد الحياة والصمود على أرضهم، وهذا الأمر صار بحد ذاته فعل مقاومة فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، وجد المناضل الإفريقى الأشهر نيلسون مانديلا كل الطرق من أجل تحقيق هدف شعبه بالتحرر من سطوة الحكم العنصرى مسدودة. وقف المناضل الكبير أمام خيارين أحلاهما مُر: الخيار الصعب بالاستمرار فى الصراع المسلح الذى كان يهدد بجر البلاد إلى حرب أهلية دموية لا نهاية لها، ولكن مع الحفاظ على الخطاب الراديكالى الذى يدغدغ المشاعر ويستثير الحماسة، بينما الخيار الأصعب هو الدخول فى عملية تفاوض مع نظام (الأبارتايد) من أجل انتقال سلمى للسلطة. اختار مانديلا الطريق الأصعب والمسار الأشق عليه شخصيًا وعلى حزبه، فأحيانًا يكون الطريق نحو السلام أشد قسوة من الاستمرار فى الحرب بلا جدوى، ونضال الشعوب يصعب اختصاره فى مرحلة واحدة أو صورة وحيدة من صورة النضال، فهو حلقات متصلة ومتواصلة من الكفاح متنوع الأدوات، وهذا الكفاح غالبًا ما يسلك دروبًا متعددة مادامت تقود تلك الدروب فى النهاية نحو الهدف المنشود. والحقيقة التى ينبغى أن نقف أمامها ونفهمها بوضوح تام، أنه لا توجد تجربة تحرر وطنى اكتملت بغير بقاء الشعب صاحب الأرض والقضية على أرضه، هذا هو الشرط الأهم فى معادلة التحرر من أى احتلال، فأى استعمار لم يأمن على بقائه أو يحقق هدفه إلا باقتلاع الشعب الأصلى من جذوره، وبإبادة جماعية كتلك التى نفذها المستعمرون الأوروبيون بحق سكان أمريكا الشمالية فأسسوا الولاياتالمتحدة. فى المقابل كان بقاء أصحاب الأرض العامل الأهم فى طرد الإمبراطوريات الاستعمارية رغم سطوتها وجبروتها على مر الزمن، وقد حدث ذلك منذ أيام الهكسوس، مرورًا بالحملات الصليبية، وبالاستعمار الأوروبى للهند والمنطقة العربية وإفريقيا، وصولًا إلى إنهاء الحكم العنصرى فى جنوب إفريقيا، ومستقبلًا بمشيئة الله إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية. ■■■ هذه الحقيقة الساطعة مثل الشمس التى ترويها صفحات التاريخ، يعرفها المحتلون أكثر ربما مما تدركها الشعوب المناضلة ضد هذا الاحتلال، وبالطبع يعرفها الصهاينة جيدا، وقد عملوا عليها حتى قبل تأسيس دولة إسرائيل باغتصاب الأراضى الفلسطينية وطرد السكان أصحاب الأرض وتحويلهم إلى شعب من اللاجئين. يدرك الإسرائيليون - أكثر من غيرهم - أن بقاء الفلسطينيين على أرضهم - ولو كانت أمتارًا معدودة - يعنى أن الاحتلال إلى زوال، وأن مشروعية وجودهم وهيمنتهم على الأرض ستبقى دائمًا مهددة بشرعية الحق فى الحياة والوجود الذى يملكه أصحاب الأرض. لذلك كان الهدف الاستراتيجى لرئيس وزراء التطرف الإسرائيلى من عدوان ما بعد 7 أكتوبر 2023 هو استغلال الأجواء الدولية التى يراها مهيئة أكثر من أى وقت مضى لتنفيذ الهدف الذى طالما سعت إليه الحركة الصهيونية منذ بدايتها، وهى التخلص من الفلسطينيين مرة واحدة وإلى الأبد، وكانت كل تحركاته وقراراته واضحة منذ البداية وتسعى بأى ثمن لتحقيق ذلك المسعى، وبالطبع بقاء الحرب هو الفرصة الأنسب للمضى قدمًا فى هذا الهدف الشيطانى. ■■■ اليوم، وبينما تدخل المنطقة فصلًا جديدًا من فصول العاصفة الهوجاء التى تعانيها على مدى العامين الماضيين، يقف الجميع أمام مفترق طرق وخياراتٍ تبدو كلها صعبة، لكن فى النهاية ينبغى الاختيار، فتكلفة بقاء الوضع الراهن قاسية وباهظة على الجميع، والمغالطة بمواصلة السير فى الاتجاه الخاطئ نحو التهلكة ليست نوعًا من الصمود أو البطولة، بل هو درب من دروب الحمق والانتحار. الواقعية والعقلانية ليست خيانة، والبحث عن طريق للنجاة ليس نوعًا من الهروب فالسير بخطى ولو بطيئة ومُثقلة نحو الخروج من قلب العاصفة أفضل كثيرا من البقاء وسط الحطام والركام وانتظار معجزاتٍ لا تبشر بها مقتضيات الحال الراهن. والأرواح التى أُزهقت وربما يُزهق أكثر منها إذا بقى الحال فى غزة على ما هو عليه ستحاصر أولئك المتنطعين الذين لا يجيدون سوى طرح تنظيرات وهم آمنون فى فراشهم، بينما يُكابد الفلسطينيون من أجل كسرة خبز أو جرعة ماء أو دواء تبقيهم على قيد الحياة!! هذه ببساطة الخيارات المتاحة أمام المنطقة: اختيار بين حياة على صعوبتها، وبين موت مُحقق لن يخدم سوى أهداف القاتل المحتل، وبالتالى فأى حديث آخر عن تفاصيل تتعلق بشكل الحياة ومستواها وطبيعتها تتراجع أهميته كثيرًا أمام مأساوية الاختيار الثانى. نعم يمكن الخوض فى أحاديث مُطولة عن الأسباب التى قادت إلى تلك الخيارات الصعبة، وهل كان من الممكن تجنب ذلك المصير؟ لكنها فى النهاية ستبقى هذه الأسئلة معلقة ليجيب عنها المؤرخون والمحللون، عندما تلتقط المنطقة أنفاس الحياة، وتتوافر الفرصة لقراءة المشهد بعيون لا تملؤها دموع الحسرة والألم ولا تعميها أعمدة النار والدخان المتصاعد من جنبات الشرق الأوسط. ■■■ السؤال المنطقى والمباشر الذى ينبغى أن يجيب عنه هواة السفسطة، وتجار صكوك الوطنية أوالتخوين: أى الخيارات أجدى بالنسبة للشعب الفلسطينى فى هذا المأزق الوجودى الذى يواجهه؛ البقاء فريسة للموت المُحقق بالقتل المباشر أو بالتجويع، أم البحث عن فرصة - ولو محدودة - للنجاة؟ الشعب الفلسطينى نفسه حسم الإجابة، وقال كلمته فى كل مراحل هذه الأزمة، ولعل المشهد الأعظم فى نضال وكفاح هذا الشعب وتمسكه بأرضه وبالحياة خلال العامين الماضيين جسدته مواكب العودة إلى شمال قطاع غزة مطلع العام الحالى، فكأن لسان حال هذا الشعب الصامد يردد مع شاعره الأشهر محمود درويش: إنا باقون ما بقى الزعتر والزيتون، وأن «على هذه الأرض ما يستحق الحياة». كانت هذه هى إجابة الشعب الفلسطينى الأصدق فى نضاله، بعيدًا عن المتاجرين بقضيته، والمتلاعبين بمصيره، والمستخدمين لحقوقه المشروعة ورقة فى معادلات النفوذ الإقليمى، وأدوات ضغط يستخدمونها لتحقيق مصالح فى الغرف المُغلقة لخدمة مشاريع لا تمت للمنطقة ولا لمصالح أهلها بصلة، دون أن يكترثوا لمصير ملايين الأبرياء الذين يدفعون من دمائهم وحياتهم ومستقبل أطفالهم فاتورة طموحات المغامرين. الشعب الفلسطينى الذى وجد الخطة الأمريكية التى طرحها الرئيس دونالد ترامب، رغم كل ما يعتريها من ثغرات ويكتنف بنودها من غموض، مناسبة للابتهاج رغم الموت والجوع والتشرد، لا يمكن المزايدة عليه، أو ادعاء البعض أنهم يرون مستقبله أفضل من أولئك القابضين على جمر الحياة فى قطاع تفوح رائحة الموت من أرضه وبحره وسمائه. ■■■ نعم خطة ترامب ليست هى الصيغة الأفضل، لكنها، رغم ذلك، الفرصة الوحيدة المطروحة لإنهاء الحرب، ووقف المقتلة الإسرائيلية، ومنح الفلسطينيين فرصة للبقاء على قيد الحياة والصمود على أرضهم، وهذا الأمر صار بحد ذاته فعل مقاومة، بل هو فعل المقاومة الأهم فى مواجهة مخطط التهجير والاقتلاع الذى تقوده حكومة مجرمى الحرب فى تل أبيب. استمرار الحرب بأية صورة لا يخدم سوى أهداف نتنياهو وعصابته المتطرفة، وإفشال هذا الهدف بات انتصارًا وإنجازًا بحد ذاته، فكما يقول «سون تزو» صاحب كتاب «فن الحرب»: إن «الأفضل فى الحرب هو ضرب استراتيجية العدو ثم ضرب تحالفاته»، ولا تبدو الخيارات المتاحة اليوم أمام المنطقة واسعة أو تسمح بهامش لمناورة، بل كل الخيارات - كما أسلفت - بالغة الصعوبة، وإجهاض استراتيجية نتنياهو بتصفية القضية الفلسطينية مكسب لا ينبغى التفريط فيه. ولعل القارئ المدقق والمحلل لخطة العشرين بندًا التى طرحها الرئيس الأمريكى مقترحًا لإنهاء الحرب، يستطيع التوقف أمام مجموعة من المكاسب التى يمكن البناء عليها لاحقًا، وأول تلك المكاسب هو إفشال الهدف الإسرائيلى بتصفية القضية الفلسطينية، وثانيًا: منع إسرائيل من السيطرة على غزة، وثالثًا: منع تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، ورابعًا: السماح بإدخال المساعدات، ويمكن أن نضيف مكسبًا خامسًا يتعلق بإبقاء نافذة ما مفتوحة فى نهاية تلك الخطة باتجاه «حل الدولتين». الرؤية المصرية والعربية أشارت بوضوح إلى وجود ثغراتٍ عديدة فى الخطة الأمريكية، ورغم ذلك كان الموقف الجماعى هو دعم تلك الخطة باعتبارها فرصة ينبغى عدم التفريط فيها من أجل وقف الإبادة الجماعية فى غزة، وكذلك لأن رفض الخطة يعنى - دون أى شك - ضوءًا أخضر جديدًا يسعى إليه نتنياهو لمواصلة عدوانه العبثى لمحو ما تبقى من غزة وتهجير أهلها والاستيلاء على الضفة الغربية، ومن ثم إنهاء كل احتمال لدولة فلسطينية مستقبلًا، وهو هدف طالما سعى إليه رئيس الوزراء الإسرائيلى منذ ظهوره على مسرح السياسة. ■■■ وتبرز أهمية التحركات التى تقودها مصر بالتنسيق مع الأشقاء فى قطر والعديد من دول المنطقة، وبالتشاور مع المسئولين الأمريكيين لبلورة تفاصيل محكمة لا يستطيع منها شياطين التنصل الإسرائيلى النفاذ عبرها لإجهاض الخطة وإعادة المنطقة إلى مربع الحرب من جديد. وهذه التحركات التى تقودها القاهرة ربما هى الأصعب على الإطلاق فى مسار العامين العاصفين اللذين عاشتهما المنطقة، لأن التعامل مع «زئبقية» المفاوضين الإسرائيليين والتماهى الأمريكى مع مواقف تل أبيب أمر يحتاج إلى احترافية هائلة لا تتوافر إلا فى المفاوض المصرى الذى يمسك بأطراف الموقف، ويعرف جيدًا خطورة العقلية والأهداف الإسرائيلية. وسد الثغرات التى يمكن لنتنياهو أن يتنصل منها يحتاج إلى جملة من الأمور، لعل فى مقدمتها: التزاما أمريكيا واضحا بضمانات صارمة لعدم تجدد العدوان الإسرائيلى بعد استعادة الأسرى والمُحتجزين من قطاع غزة، إضافة إلى وضع جدول زمنى لترتيبات أمنية بشأن مستقبل القطاع فى مقدمتها: انسحاب قوات الاحتلال، وتمكين قوات دولية بمشاركة عربية لحفظ الأمن فى القطاع لحين تمكين سلطة فلسطينية قادرة على إدارة شئون غزة، إضافة إلى وضع التزامات صارمة بشأن وقف أية إجراءات إسرائيلية فى الضفة الغربية، وخطة عمل واضحة لدخول المساعدات والبدء فى إعادة الإعمار. كما أن نتائج المفاوضات الراهنة التى تستضيفها مدينة شرم الشيخ يتوقف عليها المسار الذى ستسلكه المنطقة فى المرحلة المقبلة، فإما الذهاب باتجاه تسوية تقود إلى إفشال مخطط الفوضى الشاملة الذى يسعى نتنياهو إلى فرضه على المنطقة، مستفيدًا من دعم أمريكى غير محدود أو مسبوق، وبالتالى إدخال المنطقة فى أتون عاصفة جديدة لا يعلم مداها إلا الله، وإما تهيئة أجواء تقود إلى حلولٍ يمكن البناء عليها، استثمارًا لاستشعار الجميع مدى الخطر الذى تمثله تكلفة الفرصة الضائعة. ■■■ الأيام المقبلة دقيقة ومشحونة بصعوبات بالغة التشابك والتعقيد، وهى أقرب للسير فى حقل ألغام، كل خطوة غير مدروسة قد تقود إلى انفجار، وبالتالى فالهدوء والتريث واليقظة هى صمام الأمان الحقيقى، فضلًا عن ضرورة توافق الرؤى العربية والإسلامية والدولية الداعمة للحق الفلسطيني، فهذا أوان تجسيد موقف قوى وحاسم، وليس أوان التفكك والتشرذم. والالتزامات تجاه الشعب الفلسطينى ينبغى ألا تتوقف عند وقف إطلاق النار، أو حتى انتهاء الحرب، فالقادم هو الأهم. إعادة إعمار قطاع غزة قضية كبيرة تستوجب عملًا عربيًا وإقليميًا ودوليًا منسقًا لإعادة الحياة إلى القطاع المُدمر، والذى تشير التقديرات إلى أن ما يجاوز 90 فى المائة من مساكنه ومرافقه قد دُمرت تدميرًا كاملًا، وبالتالى فإن المساهمة فى إعادة إعمار قطاع غزة ينبغى ألا تبقى فى خانة التفضل أو الإحسان، بل هى فى الحقيقة واجب تفرضه مقتضيات الأمن القومى العربى والإقليمى، فبقاء الشعب الفلسطينى صامدًا على أرضه حائط صد أمام تمدد الاحتلال وتحقيق تصوراته الجنونية لمستقبل منطقة يسعى للعب دور «الشرطى» فيها. كما أن واقع ما بعد انتهاء العدوان ينبغى ألا يعود كما كان قبله، فحالة الاستقطاب الإقليمى والحروب بالوكالة وارتهان المنطقة العربية لفوضى الميلشيات يجب أن تصل إلى نهاية حاسمة، فقد أدرك الجميع خطورة تلك الميلشيات المرتهنة لقوى إقليمية، ولا تعدو تلك الميلشيات أن تكون أداة تفاوض بأيدى أطرافٍ غير عربية، حتى وإن حاولت ارتداء قناع المقاومة أو تسترت بعباءة الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى. وعلى الصعيد الفلسطينى لا يمكن أن ينتظر الجميع نتائج مختلفة إذا استمرت المعطيات القديمة، فالانقسام الفلسطينى بات سبة فى جبين كل من يشارك فيه قولًا أو عملًا، والدم الذى نزفه الشعب الأعزل تمسكًا بأرضه وقضيته بات دليل إدانة دامغًا لأى طرف يسعى لتغليب مصلحته الفصائلية أو الأيديولوجية، وحكم التاريخ سيكون قاسيًا للغاية بحق المتورطين فى اختطاف قرار الشعب الفلسطينى وممارسة إرهاب التخوين، فلا أحد يحتكر صكوك الوطنية والمقاومة، فكل إنسان فلسطينى فى موقعه مقاوم للاحتلال، والمقاومة تشمل كل عمل يُبقى القضية حية فى عقل ووجدان العالم، بالسياسة كما بالسلاح، وبالفن كما بالقلم، وبالقانون كما بالسوشيال ميديا. ■■■ لا مكان فى مستقبل المنطقة لتنظيماتٍ وكيانات تختطف مصائر الشعوب وتتاجر بها فى أسواق الشعارات الزائفة، ثم تجيد التهرب والتمترس وراء شاشات التضليل والتزييف لتهاجم وتخوّن من يسعون لإطفاء الحرائق التى أشعلها الموتورون دون أن يستأذنوا أحدًا أو يتشاوروا مع أحد قبل أن يضعوا الجميع فى مواجهة الطوفان!! أيقن الجميع أن الدولة الوطنية هى صمام الأمان فى مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية على حد سواء، ولعل ما يجرى فى لبنان اليوم من جهود لاستعادة قدرة الدولة اللبنانية على ضبط مرافق الدولة واحتكار السلاح إشارة مهمة لمسار يضع فى الاعتبار أثمانًا باهظة تحملتها الشعوب جراء اختطاف القرار الوطنى بيد تنظيماتٍ وميلشيات تحاول أن تخلق دولة موازية، بينما هى طرف أساسى فى معادلة تفكيك المجتمعات العربية من الداخل واستخدامها ذريعة لاستهدافها من الخارج!! المسار الذى تسلكه بيروت يجب أن تسلكه عواصم عربية أخرى خرجت من معادلة القوة، ووفرت ظروفًا ضاغطة على منظومة الأمن القومى العربى، ومكنت المتربصين بالمنطقة ومقدرات شعوبها من نيل مبتغاهم، سواء فى اليمن أو ليبيا أو السودان، فضلًا عن فلسطين التى ينبغى أن تحتشد كل الجهود وراء دعم قيام دولتها، ليس باعتبارها حقًا مشروعًا فقط لشعب تكفل له كل المواثيق الدولية أن يقرر مصيره، بل باعتبار تلك الدولة صمام أمان لمستقبل المنطقة، التى أدرك الجميع صواب رؤية القيادة السياسية المصرية بشأن اعتبارها الركن الأهم فى نزع فتيل الأزمات الإقليمية. تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن المنطقة لن تنعم بالسلام والاستقرار إلا بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس، ليس مجرد تجسيد لموقف مصرى راسخ، لكنها رؤية دولة كان قدرها أن تكون فى قلب صراعات المنطقة، وأن تبصّر بعمق مسارات الخروج الآمن من مستنقع الصراعات، وأن تمد يدها لغيرها من أجل مستقبل جماعى يعتمد على قوة المنطق لا منطق القوة. الرهان على الدور المصرى كبير للغاية للاستمرار فى قيادة موقف عربى وإقليمى ودولى على مسارات ثلاثة متوازية، مسار وقف الحرب وتوفير ضمانات لعدم تجددها، ومسار إعادة الإعمار ودعم صمود الشعب الفلسطينى على أرضه وتقديم العون الإنسانى له، ومسار بناء أفق سياسى مُستدام يقود إلى حلولٍ طويلة الأمد يضمن عدم انفجار الوضع فى منطقة مهيأة دائمًا للاشتعال.