هذه الموجة من الاستفاقة الدولية حتى ولو كانت جزئية - مسمار جديد فى نعش الاحتلال الذى ظن، مدفوعًا بغرور القوة، أنه يقترب من قمة جبل الهيمنة والسيطرة على الإقليم، دون أن يعى أنه برعونته وحماقاته المتكررة قد يكون أقرب من أى وقت مضى إلى الاندفاع نحو هاوية سحيقة، لا طائل من الندم عند السقوط فيها. تتحرك مصر بحكمة وحنكة فى حقل ألغام الشرق الأوسط وتقوم بدور بالغ الدقة فى ظل نظام إقليمى عربى يعانى واحدة من أصعب مراحله وفى سياق إقليمى مضطرب ومشهد عالمى مرتبك موجة الاعترافات الراهنة بفلسطين ستضاعف - بلا أدنى شك - من جنون نتنياهو وحكومته المتطرفة، وربما تدفعهم إلى ارتكاب المزيد من الحماقات الخطيرة قبل أسبوع قُتل جنديان إسرائيليان نتيجة هجوم مسلح، على معبر أللنبى على الحدود التى تفصل بين الضفة الغربيةالمحتلة والأردن، تأملتُ الاسم الذى فرض نفسه فجأة على شاشات الأخبار فى توقيت تصطخب فيه الأحداث فى الشرق الأوسط، وتوقفتُ أمام إشارة ربما أراد القدر أن يلفت أنظارنا إليها، فقد كان قائد القوات البريطانية الجنرال إدموند أللنبى هو من دخل مدينة القدس فى ديسمبر 1917، بعد انسحاب العثمانيين الذين دامت سيطرتهم على المدينة المقدسة 400 سنة كاملة (1517-1917). ويُنسب إلى أللنبى قوله المشهور «الآن انتهت الحروب الصليبية»، بينما تمنح بعض الروايات الأمر طابعًا أكثر درامية عندما تشير إلى أن رجل الحرب البريطانى المخضرم نظر باتجاه الطريق نحو دمشق حيث يرقد قبر السلطان صلاح الدين (أشهر من حرروا مدينة القدس من قبضة الحملات الصليبية)، وهتف مزهوًا بانتصاره: «ها قد عُدنا يا صلاح الدين»!. التاريخ إذن سيبقى حاضرًا فى كل ما تشهده هذه المنطقة المثقلة بأعباء التاريخ وخطاياه، فالغزاة والمغامرون وأصحاب المشاريع الاستيطانية يراهنون على أساطير تاريخية قديمة من أجل السيطرة على «الشرق الذى يفيض عسلًا ولبنًا»، بينما أصحاب الأرض والمناضلون من أجل التحرر يراهنون على حكمة ذلك التاريخ الذى يؤكد دائمًا أنه «ما ضاع حق وراءه مطالب»، وأن «أى احتلال مآله الزوال». وسيبقى أحد جوانب المعاناة التى تعيشها منطقتنا هو عدم حسم صراعات التاريخ، ورغبة بعض الأطراف فى استمرار خطايا التاريخ قائمة، بل وارتكاب المزيد من الحماقات عبر أدوات القوة!. ■ ■ ■ ولم تكن موجة الاعترافات المتزايدة بالحق الفلسطينى فى امتلاك دولة، والتى شهدت خطوات ذات دلالة ورمزية بالغة خلال الأسبوع الراهن، إلا واحدة من حلقات تصحيح خطايا التاريخ فى منطقتنا، بل إن ما يجرى اليوم أكبر من مجرد اعتراف بدولة يناضل شعبها للتمسك بحياته فى مواجهة آلة قتل لا تعير للمعايير أو المبادئ والقوانين اهتمامًا يُذكر، بل إنها خطوة على طريق وعر تكاد من خلالها إحدى حلقات التاريخ أن تقترب من الاكتمال. فعندما نتأمل موجة الاعترافات الأخيرة بالدولة الفلسطينية، ينبغى التوقف أمام مجموعة من الدلالات، فالأمر لا يقتصر على عدد الدول التى باتت تقر الحق الفلسطينى بامتلاك دولة، فهناك اليوم نحو 156 دولة تعترف بهذا الحق، وهو رقم مرشح للتزايد، وربما يتجاوز قريبًا عدد الدول التى تعترف بإسرائيل نفسها (164 دولة)، لكن الدلالة الأبرز تكمن فى طبيعة تلك الدول التى قررت مؤخرًا أن تقف على الجانب الصحيح من التاريخ. عندما تعترف دول مثل بريطانيا وفرنسا بدولة فلسطين فالأمر جد مهم، فهاتان الدولتان تحديدًا هما من صاغتا عبر اتفاقية سايكس - بيكو عام 1916 شكل الشرق الأوسط الذى نعرفه، وأعلنت الأولى وعد بلفور (1917) لتمنح اليهود وطنًا قوميًا على أرض فلسطين فكان - حقًا - وعد من لا يملك لمن لا يستحق!. الآن باتت أربع دول (الصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا) أى 80 فى المائة من الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن تُقر بالحق الفلسطينى فى امتلاك دولة، بينما تقف الولاياتالمتحدة وحدها فى الجانب الخاطئ من التاريخ، مصممة على أن تمنح القتلة فى تل أبيب حتى النهاية الضوء الأخضر لإتمام جريمتهم، وتصر على إنكار أن الاعتراف بدولة فلسطين تكفير بسيط عن ذنوب هائلة بحق شعب سرقوا منه أرضه ووطنه واليوم يريدون انتزاع ما تبقى من روحه واقتلاع جذوره مما تبقى من أراضى فلسطين السليبة. ■ ■ ■ الاعتراف بالدولة الفلسطينية فى ذروة المقتلة التى يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلى بحق الشعب الفلسطينى المكلوم، قطرة ماء فى صحراء شاسعة خلقها الانحياز السافر وغير الأخلاقى لجانب الجلادين على حساب الضحايا، ورسالة حتى من حلفاء تل أبيب بأن وطأة العبء الأخلاقى والإنسانى جراء الصمت المخزى على الجرائم الإسرائيلية المتواصلة صارت أثقل من أن تحتملها ضمائر أولئك الذين منحوا المغتصبين كل ما احتاجوه على مدى عقود كى يصلوا إلى تلك الحالة من الجنون والعبث، حتى باتوا يتحكمون فى رعاتهم، ويهددون بعقر الأيادى التى طالما امتدت إليهم بالدعم والحماية! هذه الموجة من الاستفاقة الدولية حتى ولو كانت جزئية - مسمار جديد فى نعش الاحتلال الذى ظن، مدفوعًا بغرور القوة، أنه يقترب من قمة جبل الهيمنة والسيطرة على الإقليم، دون أن يعى أنه برعونته وحماقاته المتكررة قد يكون أقرب من أى وقت مضى إلى الاندفاع نحو هاوية سحيقة، لا طائل من الندم عند السقوط فيها. والحقيقة أن كل خطوة تقربنا من شروق شمس الدولة الفلسطينية تعنى فى المقابل خطوة أيضًا نحو أفول الاحتلال، فالمشروع الصهيونى ارتكز على نفى كل ما له علاقة بالهوية الفلسطينية واستلاب الحق العربى أرضًا ووجودًا وتاريخًا، وجاهر رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو علانية فى مناسبات عديدة برفضه لأى دولة فلسطينية، وبأنه لا يرى ولا يريد سوى دولة يهودية واحدة ووحيدة! وحتى قبل وصوله إلى مقعد رئاسة الوزراء (عام 1996) صاغ نتنياهو رؤيته السياسية فى كتابه «مكان تحت الشمس» الصادر عام 1993 متضمنًا رؤية عنصرية بغيضة تجاه كل ما هو عربى وليس فلسطينيًا فحسب، ورأى ولا يزال مُصرًا - على أن قيام دولة فلسطينية يعنى تهديدًا وجوديًا لإسرائيل حتى لو كانت دولة منزوعة السلاح، وهى رؤية تنسجم مع طبيعة الوجود الاستعمارى الإسرائيلى على أرض فلسطين التاريخية، فلا أمل فى بقاء اللصوص عندما يستيقظ أهل الدار. ■ ■ ■ موجة الاعترافات الراهنة بفلسطين ستضاعف - بلا أدنى شك - من جنون نتنياهو وحكومته المتطرفة، وربما تدفعهم إلى ارتكاب المزيد من الحماقات الخطيرة، فقيام دولة فلسطينية ضربة فى مقتل للمشروع الاستيطانى اليمينى لنتنياهو وعصابته، بل وطعنة لحلم نتنياهو الشخصى، الذى بنى وجوده القياسى على مقعد رئاسة الحكومة فى تل أبيب على ممارسته للتطرف والرفض التام قولًا وفعلًا - لأية خطوة تجعل من الدولة الفلسطينية واقعًا. كرس نتنياهو وجوده فى السلطة لإجهاض حلم الدولة الفلسطينية، أفسد ما تبقى من اتفاق أوسلو الذى كان يقود - رغم كل الملاحظات عليه - إلى قيام دولة فلسطينية، واستثمر رئيس حكومة تل أبيب كل مهاراته فى المراوغة من أجل تعزيز الانقسام الفلسطينى باعتباره أداة فاعلة تقوض حلم الدولة وتبعد أصحاب الأرض عن حالة الاصطفاف وراء حلم الوطن. بكل تأكيد، سيسعى نتنياهو إلى اتخاذ خطوات بالغة التهور من أجل الدفاع عن حلمه الشخصى ومشروعه السياسى، والمضى نحو إجراءات قاسية فى إطار استراتيجية «الضغط المضاد» لإفشال المسار المنطلق للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهدفه هذه المرة لن يكون ضغطًا سياسيًا بل استيلاء على الأرض التى يمكن أن تقوم عليها الدولة، وستكون رحلته المقبلة إلى البيت الأبيض هى الأخطر، فسيسعى نتنياهو خلالها إلى الحصول على صك مفتوح بممارسة أقصى وأقسى درجات الجنون فى الأراضى الفلسطينية وابتلاع ما تبقى من دعائم يمكن أن تقوم عليها الدولة الوليدة، وإذا حصل على بغيته فستكون المنطقة كلها على حافة دوامة عميقة من الفوضى!! ■ ■ ■ من الخطأ بل ومن الخطر، الاكتفاء بتلك الأجواء الاحتفالية بالاعتراف المتزايد بالدولة الفلسطينية، فإذا لم يترافق مع الاعتراف خطة واقعية مستندة إلى إرادة سياسية جادة وقوية لمواجهة «تسونامى» الحماقة الإسرائيلية المتوقعة، فستتحول تلك الاعترافات إلى طبق من فضة، تُقدم عليه بقايا الأراضى الفلسطينية لنتنياهو وعصابته. الأسئلة المستقبلية فى مسار بناء الدولة هى الأصعب، فلحظة الاعتراف ليست سوى بداية، لكن ستبقى العديد من القضايا الشائكة والحرجة عقبة على طريق لا يزال طويلًا ويحتاج إلى عمل شاق ومستدام، فكيف سيتم التعامل مع الرفض والتعنت الإسرائيلى؟ وما طبيعة وشكل الدولة الفلسطينية المستقبلية؟ وما هى الأراضى التى ستقوم عليها تلك الدولة، وطبيعة ترسيم الحدود مع إسرائيل التى ترفض بالأساس وجودها؟ وكيف سيتم التعامل مع بناء مؤسسات فلسطينية قادرة على إدارة الدولة؟ وما مستقبل الفصائل الفلسطينية فى ظل انقسام داخلى عميق وخطير؟ ماذا عن مصير المستوطنات التى تمزق أوصال الضفة الغربية وتستعد لأن تنهش أرض غزة؟ كما تبرز ضرورة وضع خطط واقعية للتعامل مع سيناريوهات صعبة تتعلق بردود الفعل الإسرائيلية والأمريكية، فإلى أى مدى يمكن تكوين جبهة إقليمية ودولية قادرة على الضغط على إسرائيل والولاياتالمتحدة لتغيير مواقفها، وكيف سيتم إقناع البيت الأبيض بضرورة تغيير نهجه المتواطئ دائمًا مع تل أبيب وتسليمه «شيكًا على بياض» لتمويل ودعم كل مغامرات حكومة التطرف الإسرائيلية؟ وهنا تبرز أهمية العمل العربى والدولى المنسق من أجل تحويل الدولة الفلسطينية إلى واقع والخروج من مربع الحلم والتمنى، وأول خطوة فى هذا المسار الضغط بكل السبل لوقف الحرب التى تقترب من إتمام عامها الثانى، باعتبار تلك الحرب هى الفرصة الذهبية التى يحرص نتنياهو على بقائها لتمرير وتبرير كل تصرفاته الاستيطانية وخططه التدميرية. الخطوة الثانية تكمن فى وضع جدول زمنى لإعادة إعمار قطاع غزة بعد التدمير شبه التام والذى لا يزال متواصلًا لكل ما ومن على أرض القطاع، والخطة المصرية التى تم تبنيها عربيًا وإسلاميًا، ويجب أن يتم تبنيها دوليًا، هى المرتكز الأهم الذى ينبغى أن تقوم عليه جهود إعادة الإعمار أو بالأحرى إعادة الإنقاذ للإنسان والدولة الفلسطينية. ولعل ذلك هو السبب الذى من أجله تؤكد مصر أنها ستطلق مؤتمرًا دوليًا لحشد الجهود لدعم وتمويل إعادة الإعمار فور توقف الحرب فى غزة، فمصر تدرك بما لديها من خبرات متراكمة وانخراط عميق فى ملف القضية الفلسطينية أن كل حجر يبقى صامدًا على أرض غزة والضفة الغربية، هو لبنة فى مستقبل الدولة الفلسطينية. ■ ■ ■ والحقيقة تقتضى هنا أن نستذكر بكل فخر واعتزاز الدور المصرى التاريخى والمشرّف من أجل دعم بقاء فلسطين شعبًا ووجودًا ومشروعًا لدولة مستقبلية، فقد كانت المواقف المصرية التاريخية لدعم صمود الشعب الفلسطينى على أرضه هى الحبل السُرّى الذى حافظ على نبض الحياة فى جنين الدولة، الذى يقترب من لحظة الولادة، بينما يريدها الإسرائيليون «حالة إجهاض»!! نعم كانت المواقف المصرية هى الحصن والسند الذى اعتمدت عليه القضية فى كل مراحلها وعلى اختلاف تحولاتها، بداية من انتفاضة «البُراق» التى انفجرت ردًا على ادعاء العناصر اليهودية فى فلسطين عام 1929 امتلاك الحائط المقدس فى المسجد الأقصى وأطلقوا عليه «حائط المبكى»، وكان وفد «نقابة المحامين الأهلية المصرية» هو من ترافع وأثبت زيف المزاعم الإسرائيلية، مرورًا بدعم ثورة الفلسطينيين فى 1936 وتبرع العديد من رموز المجتمع المصرى لدعم الصمود الفلسطينى آنذاك فى وجه العصابات الصهيونية. وعلى مدى عقود منذ 1948 وإلى اليوم، خاضت مصر مسارًا شاقًا حربًا وسلمًا، من أجل الدفاع عن القضية الفلسطينية، ولم يغب «حلم الدولة» عن أفق الرؤية المصرية، بل كان فى قلب وعمق التحركات والاشتراطات التى وضعتها القاهرة دائمًا فى أية خطوة تتخذها على هذا المسار. أتأمل على سبيل المثال - بعض الوثائق التى تشير إلى كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 16 أغسطس 1982 بعد أيام من الغزو الإسرائيلى للبنان، وقبل أسابيع قليلة من مذبحة «صابرا وشاتيلا» التى ارتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين، عندما يعلو الصوت المصرى محددًا 3 حقوق فلسطينية لا تقبل التنازل وهى: الحق فى إقامة دولة فلسطينية، والحق فى العودة والتعويض، والحق فى التفاوض على قدم المساواة. ■ ■ ■ آلاف المواقف والتحركات اتخذتها القاهرة دعمًا للقضية الفلسطينية، وسعيًا لتوحيد صفوف أصحاب الأرض والقضية، وصولًا إلى الموقف الذى سينحنى أمامه التاريخ احترامًا وإكبارًا برفض تهجير الشعب الفلسطينى من أراضيه بأية صورة، والتأكيد على حق الفلسطينيين فى البقاء على أراضيهم والتحرر من الاحتلال. هذه المواقف التى جسدها الرئيس عبد الفتاح السيسى قولًا وعملًا وواقعًا - مثلت الحصن الوحيد الباقى ليلوذ به الفلسطينيون فى وقت ضاقت بهم السبل، وأحكم الاحتلال حصاره عليهم، ومارس بحقهم أسوأ أشكال القتل الممنهج والعدوان، وقد تحملت القاهرة ولا تزال - ضغوطًا لم تعد بخافية على أحد، من أجل التراجع عن مواقفها، لكن «أرض الكنانة» والدولة التى كان قدرها دائماً أن تتحمل عبر التاريخ عبء الكفاح ضد كل الغزاة الذين وفدوا إلى المنطقة، آلت على نفسها أن تقوم بمسئولياتها الإنسانية والقومية، وأن تضاعف من تحركها من أجل الحفاظ على حل الدولتين وحلم الدولة الفلسطينية رغم كل محاولات الاغتيال الفعلى والمعنوى لهذا الحلم. وقد كانت الاعترافات المتتالية من جانب عواصم دولية وازنة، ثمرة لعوامل عديدة، من أهمها التحركات والاتصالات المصرية الفاعلة، فقد غيرت الكثير من العواصم الأوروبية مواقفها بعدما زار قادتها القاهرة واطلعوا على حقائق الأمور، فمن يحلل على سبيل المثال مواقف الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون من الأزمة فى الشرق الأوسط وخطابه بعد 7 أكتوبر 2023 ومواقفه فى أعقاب زيارته لمصر قبل عدة أشهر وزيارته بصحبة الرئيس السيسى إلى العريش ولقائه عددًا من الأسر الفلسطينية التى تتلقى العلاج فى مصر، فسيلحظ حجم الاختلاف الهائل فى خطاب ومواقف القيادة الفرنسية. وكذلك الأمر فيما يتعلق بالعديد من الدول والمؤسسات الأوروبية التى اتخذت نهجًا منحازًا للرواية الإسرائيلية، لكن كان إمعان الاحتلال فى ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، والتواصل المصرى الفعال مع قادة الدول والمؤسسات الأوروبية فى مقدمة العوامل التى قادت إلى تغيير جوهرى فى مواقف تلك الأطراف. واليوم تتعرض مصر لحملة تحريض فاضحة تشنها دولة الاحتلال، وتتصاعد على مدار الساعة، على أمل أن تشوه الدور المصرى أو تشتت الانتباه عما تقوم به القاهرة من جهود مضنية ومؤثرة خدمة للقضية الفلسطينية، فى وقت يكتفى فيه البعض بمواقف استعراضية لا طائل من ورائها، أو يكتفى فى أحسن الأحوال - بكلمات رثاء لا تطعم جائعًا فى غزة ولا تنقذ حياة طفل لم يرتكب ذنبًا سوى أنه ولد فى زمن نتنياهو وترامب! تتحرك مصر بحكمة وحنكة فى حقل ألغام الشرق الأوسط، وتقوم بدور بالغ الدقة فى ظل نظام إقليمى عربى يعانى واحدة من أصعب مراحله، وفى سياق إقليمى مضطرب ومشهد عالمى مرتبك، لكن الرهان يبقى على قدرة مصر التاريخية والراهنة على أن تقود المنطقة دائمًا فى مواجهة العواصف، وكان النجاح دائمًا حليفها، ليس فقط بحكم ما تمتلكه من قدرات طبيعية وبشرية أهلتها دائمًا لتولى موقع القيادة، ولكن لأن وضوح الرؤية وصدق المقصد ورجاحة العمل، وتماسك الجبهة الداخلية، كانت جميعًا أدواتها لمواجهة الأنواء ولحظات الخطر وغيوم الاستهداف، التى غالبًا ما تنقشع - حتى وإن طالت - لتبقى شمس الحقيقة ساطعة وهى أن مصر دائمًا ما تصنع التاريخ، وتسهم بالجهد الأهم فى تصحيح أخطائه وخطاياه.