حتى داخل الكيان الصهيونى نفسه تفرض الحقائق نفسها على الجميع، ولم يعد نتنياهو قادرًا على خداع أحد.. المؤيدون والمعارضون معًا يعرفون جيدًا أن نتنياهو لا يهمه استعادة «الرهائن» من قريب أو بعيد، بل إنه يعتبرهم عقبة فى سبيل استكمال جرائمه وتحقيق أوهامه. كما يعرفون أن حكاية «القضاء على حماس» ليست دافعه الحقيقى للمزيد من سفك الدماء وإقامة المجازر وهو الذى أمضى سنوات يتباهى بأنه يدعم حكم حماس لغزة لكى يكرس الانقسام الفلسطينى. وهو الذى يدرك جيدًا أن القضاء على حماس أو غيرها لن ينهى نضال شعب فلسطين ولن يوقف المقاومة الوطنية مادام هناك احتلال يواصل جرائمه، ومادام هناك شعب يبحث عن حريته ويتمسك بأرضه وينشد دولته المستقلة. حتى داخل الكيان الصهيونى نفسه.. يدرك الجميع أن هدف نتنياهو الحقيقى هو القضاء على كل أثر للحياة فى غزة باستكمال تدمير ما تبقى من القطاع، وبالمذابح الجماعية والتهجير القسرى، وبإنهاء أى فرصة حقيقية لدولة فلسطينية تضم غزة مع الضفة الغربية التى يغتالها الاستيطان على مدار الساعة!! مجرم الحرب الذى أمضى حياته السياسية كلها يقاتل لإغلاق كل الطرق أمام أى حل يجلب السلام مع دولة فلسطينية مستقلة كان يظن أن حرب الإبادة التى شنها فى غزة تقربه من تحقيق أمله، وأن صعود اليمين الصهيونى المتطرف فى أمريكا والغرب يضمن له السند الدائم. وأن إسرائيل الكبرى سوف تنتقل «على يديه» من عالم الخرائط إلى الواقع.. ومصيبته الآن أنه ماضٍ فى طريقه بينما العالم كله يرفض، والإسرائيليون أنفسهم يحذرون من الكارثة، وهو لا يجد ما يطمئنهم به إلا أنه مبعوث العناية الإلهية لإبادة الفلسطينيين، وأنه ينفذ فى غزة رؤية الرئيس الأمريكى الذى لم يعد لإسرائيل من يساندها غيره! ما يتحدثون عنه فى تل أبيب الآن هو «التفاوض تحت النار»، وبمعنى آخر: الاستمرار فى حرب الإبادة والتهجير القسرى، مع استمرار التفاوض من أجل هدنة مؤقتة، ومع رسالة إسرائيلية للعالم كله بأن «حل الدولتين»، لا وجود له عند نتنياهو وحكومته الفاشية، وأن الشرعية الدولية ستظل غائبة لأن هناك من يحمى إسرائيل من العقاب، ومن يرى فى نتنياهو «بطلًا للحرب»، وليس مجرم حرب هاربًا من العدالة الدولية التى تواجهها واشنطن بفرض عقوبات «شائنة»!! على قضاة دوليين لحماية قتلة الأطفال ومرتكبى الإبادة الجماعية فى غزة فى إجراءات ستجد واشنطن كل الصعوبة حين تحاول إجبار العالم على نسيانها. مصر لم تترك سبيلًا لإيقاف التصعيد إلا وسلكته. لكن الخطوط الحمراء واضحة وحاسمة.. القضية هى الاحتلال وليس مقاومته، وغزة جزء من دولة فلسطين المستقلة وليست منتجعًا للجولف ولا مساحة مستباحة للاستيطان.. وشعبها صامد على أرضه رغم القتل والدمار والتجويع، ومصر لن تقبل ولن تسمح بالتهجير القسرى لشعب فلسطين مهما كانت الظروف، لا بديل عن موقف عربى واضح وحاسم يقول لدول العالم إنه لا بديل عن إيقاف إسرائيل عند حدها، ولا سلام فى المنطقة إلا بالإقرار بحقوق شعب فلسطين فى أرضه ووطنه ودولته المستقلة ولا مجال للصمت أو التواطؤ مع الجنون الإسرائيلى أو التسامح مع جرائم الحرب التى يرتكبها الكيان الصهيونى. ويبقى دائمًا تذكير العالم «وفى المقدمة أمريكا» أن من يحكم إسرائيل ليس «بطل حرب» وإنما هو «مجرم حرب»، هارب من العدالة الدولية بفعل فاعل.. ومشاركة آخرين.