محمد إسماعيل لم تعد المنافسة في سوق الغناء العربي تقاس فقط بجودة الصوت أو عمق الكلمات أو حتى نجاح الألبومات والمهرجانات، بل أصبحت معركة من نوع جديد تدار على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتصدر "التريند" المشهد وتصبح الأغنية مجرد وسيلة للوصول إليه.. وفي زمن تراجع فيه التركيز على الإنتاج الموسيقي المحترف لصالح إثارة الجدل، وتحقيق نسب مشاهدة ضخمة، برزت مشاحنات علنية بين كبار نجوم الغناء، كما حدث مؤخرا بين عمرو دياب وتامر حسني، لتكشف عن تحول سلبي في اهتمامات المطرب العربي. في هذا السياق تستعرض "أخبار النجوم" آراء النقاد الموسيقيين لتحليل ظاهرة انشغال نجوم الصف الأول بتحقيق التريند، وإهمال القيمة الفنية الحقيقية، وتأثير ذلك على الذوق العام، ومستقبل الأغنية العربية. في البداية يرى الناقد الموسيقي عبد الرحمن طاحون أن ما يحدث ليس وليد اللحظة، بل نتيجة تراكم سنوات من حصر الفن في أرقام وإعجابات ومشاهدات، ويقول: "نحن نعيش في زمن أصبحت فيه الشهرة تقاس بعدد مرات الظهور علي السوشيال ميديا لا بعدد الأغاني الخالدة، فحين يتفرغ نجم في حجم عمرو دياب بالتلميحات – ولو بشكل غير مباشر – على تامر حسني من خلال صور ورسائل مشفرة على إنستجرام، ويقوم الآخر بإنتاج فيديوهات تكشف كواليس حياته الخاصة ومشروعاته الجديدة في محاولة لتثبيت حضوره في السوشيال ميديا، فنحن أمام أزمة حقيقية في مفهوم النجومية". ويضيف طاحون أن تراجع التركيز على الأغنية نفسها أدى إلى موجة من الاستسهال الفني ويقول: "قبل سنوات، كان عمرو دياب مثلا يصدر أغنية تبقى محفورة في أذهان الجمهور لفترة طويلة، ولكن اليوم يصدر أغنية كل شهر تقريبا، ومع ذلك لا تبقى في الذاكرة أكثر من يوم أو اثنين، في حين تامر حسني أصبح يعتمد أكثر على الحفلات الغنائية والجدل والإطلالات العاطفية مع جمهوره، أو حتى على حياته الشخصية، وكل ذلك يقدم باعتباره جزءا من الظهور فقط.. لكن أين الأغنية في كل هذا؟". ويرى طاحون أن أخطر ما في هذه الظاهرة هو أن الأجيال الجديدة من المطربين باتت ترى هذا النمط من التسويق بوصفه هو الأسلوب الطبيعي للنجاح، بينما تتراجع القيمة الفنية لصالح الحضور الظاهري، وعندما يصبح الخلاف بين نجمين حول من تصدر التريند، وليس من صنع أغنية مؤثرة، نكون أمام تحول خطير في عقلية الفنان والجمهور معا. من جانبه يؤكد الناقد محمد شميس أن ما يحدث على السوشيال ميديا بين النجوم لا ينفصل عن تحولات خطيرة في صناعة الموسيقى نفسها، حيث يقول: "الأغنية لم تعد هدفا بل أداة، فالنجم اليوم لا يصنع أغنيته لتعيش، بل لتفتح له أبواب الشهرة اللحظية أو لترافق حملة إعلانية أو لتخدم مشهدا تمثيليا في فيلمه أو مسلسله. والأخطر أن التريند صار يصنع مسبقا من خلال هندسة إعلامية لا علاقة لها بمستوى الأغنية". ويتابع شميس قائلا: "في واقعة مثل مشاحنة عمرو دياب وتامر حسني كان التفاعل الجماهيري مشتعلا لأن كلا منهما استثمر حضوره على الإنترنت ليبدو كأنه الطرف الأقوى، وكل هذا يدور في حلقة مغلقة من الجدل لا علاقة لها بالفن، فالاهتمام بالتريند جعل الفنانين أسرى لها بعيدا عن كونهم صناع لها، فهم يظنون أن تصدرهم الأرقام على مواقع مثل "أنغامي ويوتيوب وسبوتيفاي" يعزز صورتهم الفنية، بينما الحقيقة أنه يفقدهم قيمتهم الفنية تدريجيا، حتى عندما يقدم أحدهم عملا متميزا لا يأخذه الجمهور بجدية لأنه اعتاد رؤيته في سياقات سطحية أو صاخبة". ويؤكد شميس أن الجمهور يجب عليه أن يكون له دورا بالكامل في هذه الأزمة، لأنه المتلقي أيضا، وبات يساهم في انتشار هذا النمط من السلوك الفني، ويقول: "الجمهور الذي يحتفي بفيديو تحدي راقص أو مشادة كلامية أكثر مما يحتفي بأغنية صادقة هو جزء من المشكلة، وهنا يجب إعادة بناء العلاقة بين الفنان والجمهور على أساس من الوعي الفني وليس الإثارة الوقتية". اقرأ أيضا: بعد ديو تامر حسني.. هل يتطلّع الشامي إلى دويتو مع عمرو دياب؟ أما الناقد أمجد جمال فيرى أن المسألة تجاوزت مجرد صراع شخصي بين نجوم إلى أزمة تتعلق بهشاشة في تقييم النجاح الفني، ويقول: "حين أصبح عدد المشاركات والتعليقات هو معيار تقييم الفنان، فمن الطبيعي أن نصل إلى هذه المرحلة، فعمرو دياب وتامر حسني اسمان كبيران ولا يمكن إنكار تاريخهما، لكنهما الآن يدخلان في لعبة لا تليق بحجمهما، لعبة تسحب من رصيدهما أكثر مما تضيف". ويشير جمال إلى أن هذه المنافسات تفقد الفنان هيبته، قائلا: "النجم الذي يركض خلف التريند يوميا لا يستطيع أن يفاجئ جمهوره فنيا لأنه استنزف كل مفاجآته في الصور والمنشورات والحكايات اليومية، وهذا ما يجعل مشروعه الفني هشا مهما كان حجمه السابق". ويضيف جمال : "المزعج أيضا أن بعض شركات الإنتاج أصبحت تشجع هذه الظاهرة لأنها تحقق لها أرقاما ضخمة على المدى القصير، لكنها لا تبني أرشيفا محترما للفنان، وكل ما تفعله هو إنتاج أغان تشبه بعضها بلا هوية ولا مشروع فني واضح". ويرى جمال أن جزءا من الحل يكمن في عودة الاهتمام بالفكرة الغنائية، ويقول: "نحن بحاجة للتركيز على مفهوم الألبوم كمشروع وليس مجرد تجميع لأغان تبحث عن النجاح المنفرد وعودة التعاون مع شعراء وملحنين ذوي رؤية فنية وليس فقط من يكتبون كلمات قابلة للانتشار السريع". ويختتم أمجد حديثه قائلا: "الحكاية ليست فقط عن عمرو دياب وتامر حسني، بل عن مناخ فني بالكامل أصبح فيه الحضور الإعلامي أهم من الصوت، والمشادة أهم من اللحن، واللايك أهم من الطرب، وإذا استمر هذا الوضع فسنصل إلى مرحلة يصبح فيها الفنان مجرد رقم بلا أغنية تذكر".