ظاهرة ألبومات ال15 أغنية .. مغامرة فنية فى زمن ال «السينجل»

محمد ‬إسماعيل
في وقت تمر فيه صناعة الموسيقى العربية بحالة من الركود وضعف الإنتاج، تصاعدت ظاهرة جديدة ومفاجئة على الساحة الغنائية المصرية والعربية، وهي اتجاه بعض المطربين لإصدار ألبومات ضخمة تصل إلى 15 أغنية دفعة واحدة، رغم أن الاتجاه السائد في السنوات الأخيرة بات مقتصرا على الأغنية المنفردة أو المصغرة.
هذا التحول أثار تساؤلات عديدة، منها "هل أصبح رهان على بقاء الفنان في دائرة الضوء طويلا؟"، أم "وسيلة لتعويض سنوات غياب بسبب ظروف الإنتاج والتسويق؟"، أم "مجرد استعراض يهدف إلى تحقيق مشاهدات ضخمة دون النظر إلى الجودة الفنية؟".. "أخبار النجوم" طرحت تلك التساؤلات على عدد من النقاد الموسيقيين لرصد أبعاد الظاهرة وأسبابها الفنية والتجارية ومخاطرها على مستقبل صناعة الأغنية؟
عودة الهضبة
البداية دائما مع "الهضبة" عمرو دياب الذي طرح مؤخرا ألبومه الجديد "ابتدينا" يوم 3 يوليو الجاري، ويضم 15 أغنية كاملة متنوعة بين الرومانسي والإيقاعي والدرامي، والألبوم تصدر "التريند" فور صدوره، خاصة بعد تعاون عمرو مع ابنته "جنا" في أغنية "خطفوني"، ونجله "عبدالله" في أغنية "يالا"، إلى جانب نخبة من كبار الشعراء والملحنين مثل تامر حسين وأيمن بهجت قمر، أما المطرب رامي جمال فقد طرح ألبومه الجديد "محسبتهاش" في بداية الشهر الجاري، ويحتوي أيضا على 15 أغنية كاملة، والألبوم ضم دويتوهات مميزة أبرزها مع النجم التونسي نوردو في أغنية "زى الخطاف"، ومع حمزة نمرة في أغنية "قبلت التحدى" كما تعاون رامي مع عدد كبير من الشعراء والملحنين، من بينهم أحمد المالكي ووسام عبد المنعم، إلى جانب تلحينه عددا من الأغاني بنفسه.
انضم المطرب تامر حسني إلى القائمة، حيث طرح ألبومه الجديد بعنوان "لينا معاد"، وضم 15 أغنية أيضًا متنوعة بين الرومانسي، الدرامي والمقسوم، بالإضافة إلى دويتوهات مُميزة، الأول مع "الكينج" محمد منير بعنوان "الذوق العالي"، والآخر مع المطرب الشاب الشامي بعنوان "ملكة جمال الكون".
أما المطربة التونسية لطيفة فقد طرحت أول 4 أغنيات من ألبومها الجديد "قلبي ارتاح" الذي يضم 14 أغنية دفعة واحدة، في خطوة جريئة، بعدما اعتمدت خلال السنوات الأخيرة على تقديم الأغنيات المنفردة، وال"ميني" ألبومات التي تحتوي على 5 أغنيات فقط، وسبقتها أيضًا المطربة السورية أصالة في ألبوم "ضريبة البعد". وفي الوقت نفسه يستعد محمد منير لطرح ألبوم جديد خلال الصيف، فيما يجهز العراقي كاظم الساهر لألبوم يحتوي على 13 أغنية عراقية وخليجية، وغيرهم من النجوم الذين أعلنوا طرح ألبوماتهم خلال صيف 2025.
وعن رأيه في الظاهرة، يقول الناقد الموسيقي محمد شميس إن فكرة الألبوم الكبير ليست جديدة، لكنها كانت شبه منقرضة خلال العقد الأخير بسبب تراجع مبيعات الألبومات وارتفاع تكاليف الإنتاج والتوزيع.
ويضيف شميس أنه في الماضي، كان من الطبيعي أن يحتوي الألبوم في فترة الثمانينات على 10 أغنيات أو أكثر، فكان الألبوم حدثا فنيا منتظرا يخطط له المنتج لمدة عام أو عامين، ويطرح في توقيت ذكي لضمان التوزيع الجيد والانتشار الواسع.
ويستكمل شميس: "اليوم عادت الفكرة، لكن لأسباب مختلفة، منها زيادة المنافسة الرقمية ورغبة بعض المطربين في احتلال قوائم التريند بأكبر عدد ممكن من الأغاني، حتى لو لم تحقق كلها نفس النجاح، لكنها تمنح اسم الفنان حالة من الانتشار" .
ويشير شميس إلى أن بعض النجوم الذين اختاروا تلك الاستراتيجية كانوا غائبين لفترات طويلة، لذا لجأوا لألبومات ضخمة لتعويض الغياب وإرضاء جمهورهم، لكنه في نفس الوقت يحذر من إهدار الأفكار الجيدة في ألبوم واحد قد لا يستوعب جمهوره كل أغانيه دفعة واحدة فتذهب بعضها دون حقها الطبيعي في الانتشار.
مخاطرة محسوبة
أما الناقد أمجد جمال يرى أن الظاهرة تحمل بعدان، الأول فني والآخر تجاري، موضحا أن فنيا إصدار 15 أغنية في وقت واحد يحتاج إلى تحضير طويل وخطة إنتاجية عالية الجودة فليس منطقيا أن يملأ المطرب ألبومه بأغان متوسطة فقط ليصل للرقم 15 دون مراعاة للتنوع الموسيقي والكلمات والألحان.
ويضيف أمجد إن هذه مخاطرة كبيرة، لأنه إذا لم تكن معظم الأغاني قوية فلن ينجح الألبوم جماهيريا، بل بالعكس قد يؤثر على صورة الفنان ويقلل من قيمته الفنية.
ويستكمل أمجد بالقول: "من الناحية التجارية فالأمر له أبعاد استراتيجية، فبعض الشركات تعتبر الألبوم الضخم وسيلة لتجميع المشاهدات والاستماعات عبر المنصات الرقمية، فكلما زاد عدد الأغاني زادت الأرباح الإعلانية، خاصة إذا تم تصوير بعضها كفيديو كليب أو دمجها لاحقا في مسلسلات وأفلام".
ويشير أمجد أن الجمهور حاليا لديه سرعة ملل عالية جدا بسبب كثافة الإنتاج الرقمي، فربما لا يركز سوى على 3 أو 4 أغنيات فقط من أصل 15 أغنية، وهو ما يطرح تساؤلا حول جدوى إنتاج كل هذا العدد دون أن يأخذ وقته الكافي من الترويج المنفصل.
رهان تسويقى
من جانبه يرى الناقد الموسيقي عبد الرحمن طاحون، أن إصدار ألبوم ضخم ب15 أغنية، رهان تسويقي على البقاء في قائمة "التريند" لفترة أطول، موضحا أنه حين تطرح 15 أغنية دفعة واحدة فإن احتمالية ظهور اسمك في قوائم الأعلى استماعا تتضاعف، مما يحقق شهرة وانتشارا سريعا، حتى لو لم تكن كل الأغاني بنفس المستوى.
ويضيف طاحون إن هناك أيضا أبعاد نفسية عند بعض الفنانين، فهم يريدون إثبات قدرتهم على الإنتاج الغزير رغم الركود الحالي، وإثبات أنهم مازالوا في كامل قوتهم الفنية حتى لو ابتعدوا فترة عن الساحة،
ويكمل قائلا: "هذا الاتجاه له مخاطره، فالجمهور الحالي يستهلك الأغنية بسرعة لكنه يملها بسرعة أيضا، وقد يحرق المطرب ألبومه كله في أسبوع أو أسبوعين دون أن يحقق له أي إستمرارية أو حضور طويل".
ويشير طاحون إلى أن الأزمة الأكبر تكمن في التسويق، قائلا أن بعض المطربين يطرحون الألبوم دون خطة ترويج حقيقية لكل أغنية، ويكتفون بطرحها على "يوتيوب" أو المنصات ثم ينتظرون المعجزة، رغم أن كل أغنية في حد ذاتها تحتاج حملة دعاية منفصلة حتى تجد مكانها في السوق المزدحم.
ويؤكد طاحون أن من أبرز من أتجهوا مؤخرا لإصدار ألبومات ضخمة المطرب تامر حسني بألبومه الأخير الذي تجاوز 15 أغنية، وكذلك المطرب اللبناني وائل كفوري الذي يجهز حاليا لألبوم كبير بعد غياب طويل، إضافة إلى بعض التجارب في الخليج.
ويقول طاحون: "كل هؤلاء لديهم قاعدة جماهيرية ضخمة تضمن لهم انتشار الأغاني، لكن المخاطرة تكون أكبر لدى المطربين الشباب أو الجدد الذين لم يؤسسوا بعد هذه القاعدة، لأن ألبوما ضخما في بداية المسيرة قد يضيع جهودهم ويشتت تركيز الجمهور"، مؤكدا أن صناعة الأغنية تغيرت تماما عما كانت عليه قبل 20 سنة، فقديما كانت هناك شركات إنتاج عملاقة تحتكر السوق ولديها القدرة على طباعة وتسويق وتوزيع الألبوم كاملا وتحقيق أرباح كبيرة، أما الآن فالسوق مفتوح لأي شخص عبر الإنترنت، لكنه في نفس الوقت سوق مزدحم ومليء بالضجيج، لذا فإن الأغنية المنفردة تكون أحيانا أكثر ذكاء لأنها تركز كل الأضواء عليها فقط.
ويختتم طاحون كلامه بأن مستقبل الألبومات الكبيرة يظل مرهونا بقدرة الفنان على الإبداع والتنوع قائلا فإذا كنت ستقدم 15 أغنية بنفس الشكل والتوزيع فلن تحقق شيئا سوى رقم على "يوتيوب"، أما إذا استطعت أن تقدم مزيجا مختلفا يجمع بين الرومانسي والدرامي والسريع والهادئ فوقتها ستكون ظاهرة حقيقية تستحق الاحترام، مضيفا أنه رغم الجدل الكبير الذي تثيره ألبومات ال15 أغنية في الوسط الفني وبين الجمهور، إلا أنها تبقى تجربة جريئة في وقت باتت الأغنية المنفردة هي المسيطرة على السوق، ومن الممكن أن ينجح هؤلاء النجوم في إعادة روح الألبومات الكاملة إلى صناعة الموسيقى العربية أو العكس، ويثبت الزمن أن الأغنية المنفردة تظل هي الأقوى والأكثر بقاء في ذاكرة الجمهور.
اقرأ أيضا: صيف الأوبرا يجدد شباب الموسيقى العربية على المكشوف