في الثاني من نوفمبر 1956، وقف الرئيس جمال عبد الناصر على منبر الجامع الأزهر - أقدم جامعة إسلامية فى العالم - ليخاطب المصريين خلال العدوان الثلاثي، مُستلهماً الرمزية التاريخية والروحية للمكان. أكد فى خطبته أن «مصر كانت دائمًا مقبرة للغزاة.. انتهت الإمبراطوريات وبقيت مصر»، وختم بشعار «الله أكبر» الذى تحول إلى هتاف موحد للشعب أثناء المقاومة، فيما لم تكن هذه الخطبة مجرد حدث سياسي عابر، بل تجسيداً للعلاقة بين الأزهر ونظام يوليو، التى بدأت بتأييد واسع من علماء الأزهر لثورة 1952، إذ رأوا فيها امتداداً لدور الأزهر التاريخى فى مقاومة الاستعمار منذ الحملة الفرنسية وثورة 1919.. وكان الشيخ محمود شلتوت من أبرز المؤيدين لإصلاحات الثورة، حيث أصدر فتاوى تدعم سياساتها ومنها فتوى تأييد الإصلاح الزراعى فى سبتمبر 1952، وفتوى جواز تأميم قناة السويس فى يوليو 1956، فضلا عن تأييد الشيخ محمد الخضر حسين، شيخ الأزهر الأسبق، للثورة ووصفه لها بأنها أهم تغيير اجتماعى تشهده مصر منذ قرون. لعب الأزهر دوراً محورياً - خلال أزمة العدوان الثلاثى - فى تعبئة الرأى العام العربى والإسلامي، وأصدر بيانات تأييد للجيش، كما شارك فى الجهود الدبلوماسية عبر إرسال مبعوثين إلى العالم الإسلامى لدعم الموقف المصري، وكان من أبرز نتائج هذه المرحلة صدور قانون إعادة تنظيم الأزهر رقم 103 لسنة 1961، الذى أحدث تحولاً جذرياً فى هيكلة المؤسسة التعليمية الأزهرية. ◄ اقرأ أيضًا | ثورة 23 يوليو| الحصن من ناصر إلى السيسي.. القوات المسلحة مشروع وطن لا ينكسر يقول د. الحسيني حماد أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر الشريف: عقب إندلاع تلك الثورة جاء تأييد كبار علماء الأزهر لها حيث وصفها الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر الأسبق بأنها «أعظم تغيير اجتماعي مر بمصر منذ قرون، لأنه التغيير الوحيد الذى ينشد لمصر النظام لتتمكن من الاستمرار عليه والاستمرار فيه للأبد»، وقد كان لدعم وتأييد الأزهر للثورة الوطنية كبير الأثر فى نجاحها، وكان من مظاهر هذا الدعم والتأييد أن دعا الأزهر مجلس قيادة الثورة إلى زيارته واستجاب المجلس وجاء إلى رحاب الأزهر. ◄ اقرأ أيضًا | ثورة 23 يوليو| «النجيب».. اختاره «الأحرار» للقيادة وتحمّل المسئولية بأمانة وعقب العدوان الثلاثى فى 2 نوفمبر 1956 استثمر جمال عبد الناصر منبر الأزهر ليلقى كلمة بعد صلاة الجمعة فى الأزهر، شدّد فيها على مقاومة العدوان وقال فيها كلمته المشهورة: « سنقاتل » وهب علماء وطلاب جامعة الأزهر والمعاهد الأزهرية للاشتراك فى المقاومة وتقديم الدعم المالى لتسليح المقاومة والجيش، ومناشدة قادة العالم الإسلامى والمجتمع الدولى للوقوف مع مصر ضد ذلك العدوان فباء بالفشل. وكان من أبرز نتائج الثورة على الأزهر صدور قانون تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها سنة 1961، والمعروف بقانون 103 لسنة 1961. جاء القانون لتحديث الأزهر وجعله مؤسسة تعليمية متكاملة تشمل مختلف التخصصات العلمية والدنيوية، وليس فقط الدينية حيث تم إنشاء كليات مثل الطب والهندسة والزراعة والتجارة ضمن جامعة الأزهر التى أصبحت لأول مرة جامعة رسمية بنظام حديث، كما تم استحداث المجلس الأعلى للأزهر للإشراف على السياسة العامة للأزهر وتنظيم شؤونه.