تعيش منطقة الشرق الأوسط لحظة فارقة في ظل التصعيد العسكري المستمر بين إيران وإسرائيل، وهو ما ينعكس بظلاله الثقيلة على القطاعات الاقتصادية كافة، وفي مقدمتها قطاع السيارات الذي يعد من أكثر القطاعات تأثراً بالتغيرات الجيوسياسية. مع تصاعد التوترات الإقليمية، باتت الأسواق تترقب تأثيرات متعددة، من ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي، إلى اضطراب سلاسل التوريد العالمية، لا سيما فى حال إغلاق مضيق هرمز، أحد أهم الممرات الحيوية لشحن الطاقة والسلع الأساسية. وفي مصر، لم تظهر بعد انعكاسات مباشرة على السوق المحلي، لكن القلق يزداد بشأن الآثار المحتملة على أسعار السيارات وقطع الغيار، وتكاليف الشحن والتأمين، إلى جانب التحديات التى قد تواجهها مصانع التجميع المحلية في ظل ارتفاع تكلفة الطاقة أو تعطل الإمدادات، وفي هذا السياق، ترصد التصريحات التالية آراء خبراء وممثلين عن القطاع بشأن حجم التأثير، واستراتيجيات المواجهة، والمخاوف من المرحلة المقبلة. ◄ توفيق عادل: الشركات تراقب المشهد بحذر ◄ تأثيرات مباشرة في البداية يرى توفيق عادل المدير التنفيذي لشركة التوفيق للتجارة والاستيراد أنه لم تشهد السوق المصرية حتى الآن تأثيرات مباشرة للتوترات العسكرية المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، إلا أن متابعين للقطاع يؤكدون أن التداعيات السلبية قد تظهر تدريجياً خلال الفترة المقبلة، لا سيما فى ما يتعلق بإمدادات قطع الغيار والمركبات من الخارج، وقال: "الاضطرابات الحالية فى المنطقة لم تؤثر بعد على عمليات التوريد أو الإنتاج، ولم تصلنا حتى اللحظة أى إشعارات من الموردين بالخارج بهذا الشأن"، لكنه شدد على أن استمرار الأزمة قد يؤدى إلى "ارتفاع فى تكاليف الشحن، وزيادة فى فترات التسليم، وهو ما سينعكس حتما على أسعار المنتجات، ومن بينها السيارات وقطع الغيار". وأضاف: "نحن فى شركة التوفيق نحتفظ بمخزون استراتيجى يكفى لتغطية السوق المحلى لمدة تتراوح بين أربعة إلى خمسة أشهر، ونتمنى أن تمر هذه المرحلة العصيبة دون تصعيد أكبر يؤثر على استقرار الأسواق العالمية والإقليمية". ◄ الصفتي: تضعف القدرة الشرائية ◄ إمدادت الطاقة فيما أشار شادي الصفتي خبير استراتيجيات صناعة السيارات إلى أن التوترات العسكرية الاقليمية قد تؤثر على السوق المصرية خاصة فيما يتعلق بإمدادات الطاقة وسلاسل التوريد، لأن ذلك سوف يؤدى إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز عالميا بشكل ملحوظ مما سيؤدى إلى زيادة تكاليف الوقود وبالتالى ارتفاع تكاليف النقل وإنتاج السيارات، ولأن مصر تعتمد على استيراد العديد من مكونات تصنيع السيارات خاصة من شرق اسيا، فبالتالى سوف يتأثر انتاج السيارات المحلية بسبب تأثر الممرات التجارية والاضطرابات فى سلاسل الامداد. كما يتوقع شادى الصفتى أنه سوف يحدث ارتفاع ملحوظ فى أسعار السيارات المستوردة فى السوق المصرى نتيجة ارتفاع سعر الدولار وارتفاع تكاليف الشحن، وسترتفع أيضا أسعار السيارات المجمعة محليا بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وتكلفة التشغيل، مما قد ينعكس سلباً على القدرة الشرائية للمستهلكين. كما أن التأخيرات فى استيراد المكونات يمكن أن تؤدى إلى تأخير تسليم السيارات الجديدة، مما يخلق نقصا فى السوق ويزيد من الضغط على الأسعار للسيارات الجديدة والمستعملة. وقال: لتقليل آثار الأزمة، ويمكن لشركات السيارات فى مصر اعتماد استراتيجيات معينة أهمها تعميق المكون المحلى من خلال الاستثمار فى المصانع المحلية لتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتنويع مصادر الإمداد من دول ذات استقرار سياسى لتقليل مخاطر الاعتماد على مناطق النزاع، وايضا زيادة المخزون من المكونات الضرورية لتجنب أى تأخيرات فى الإنتاج. وقال يجب أن تقوم مصانع السيارات المصرية ببعض الإجراءات الوقائية لتفادى تعطل الإنتاج والتى من أهمها البدء فى إجراءات الصيانة الدورية المتبعة للمصانع مبكرا فى شهر يوليو لحين زيادة المخزون لضمان استمرارية الإنتاج، وطلب قطع الغيار الخاصة بمعدات الانتاج بمعادلات كافية، ومراجعة خطط الإنتاج والتأكد من مرونتها وقدرتها على الاستجابة للاضطرابات فى سلاسل الامداد. ◄ اقرأ أيضًا | جي بي أوتو تطلق الفئة الجديدة «شادو» من هيونداي توسان NX4 FL في السوق المصرية ◄ بلبع: الإفراط في القلق يضعف السوق ◄ ارتفاع التكاليف فيما أوضح عمر بلبع رئيس الشعبة العامة للسيارات أنه رغم التوترات العسكرية المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، فإن السوق المصرية لم تشهد حتى الآن أى تداعيات سلبية مباشرة. وأضاف: على الصعيد العالمى يعد قطاع السيارات من أكثر القطاعات حساسية للتوترات، خصوصاً مع ارتباطه الوثيق بإمدادات الطاقة والشحن الدولى، أى اضطراب فى حركة التجارة قد يؤدى إلى تأخير التسليمات وارتفاع التكاليف، أما محلياً، فما زالت السوق المصرية محافظة على استقرارها، وسط جهود لتعزيز التصنيع المحلى وتقليل الاعتماد على الخارج، فى مواجهة أى تقلبات عالمية محتملة. ◄ زيتون: الأسعار مرشحة للزيادة ◄ سلاسل التوريد بينما يرى منتصر زيتون عضو الشعبة العامة للسيارت أنه فى ظل توترات الحرب القائمة الآن تشهد سلاسل التوريد العالمية اضطراباً ملحوظاً نتيجة التحولات الجذرية فى مسارات الشحن بعد إغلاق مضيق باب المندب وتحويلها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، ما أدى إلى زيادة زمن الرحلات البحرية وتكاليف الشحن والتأمين ضد المخاطر، وعلى صعيد الطاقة، قد تواجه مصانع التجميع تحديات تشغيلية إذا جرى تقليص كميات الغاز المُوردة لها. وأضاف أنه رغم خطورة هذه المؤشرات، فإن تداعيات الأزمة لا تزال مرتبطة بزمن استمرار الحرب الدائرة، والتى إن انتهت سريعاً، فقد تعود الأوضاع إلى طبيعتها دون تأثيرات كبيرة،ومع ذلك، فإن احتمالات ارتفاع الأسعار تظل قائمة فى حال استمرار الصراع وتأخر وصول الإمدادات، خاصة إذا نفدت المخزونات المتاحة حالياً. وعن الموقف لدى وكلاء السيارات يقول زيتون: يتريث وكلاء السيارات فى الوقت الحالى فى أى اتخاذ قرارات بشأن رفع الأسعار، فى ظل ترقبهم لتطورات الوضع الأمنى وتأثيره المحتمل على سعر الصرف، الذى يعد عاملاً حاسماً فى التسعير المحلى، بالإضافة إلى متابعة تحركات السوق العالمية وخطط الشركات الأم فى التعامل مع الأزمة. وقال: من المؤكد أن تلك الأزمات سوف تؤثر بشكل مباشر على كبرى شركات السيارات العالمية، حيث تعد الشركة الأم المورد الأساسى للسيارات ومكونات الإنتاج، وهى أيضاً شريك رئيسى فى سياسات التسعير وتوزيع الحصص السوقية، ما يجعل نتائج الأزمة تنعكس عليها سواء بالسلب أو الإيجاب. ◄ تكاليف الشحن فيما يشير سامح الجبالى رئيس مجلس إدارة شركة الجبالى للإطارات والبطاريات إلى أن تأثر صناعة السيارات العالمية بشكل كبير بالتوترات العسكرية بين إيران وإسرائيل، خاصة فيما يتعلق بإمدادات الطاقة وسلاسل التوريد. وأضاف أنه يمكن تلخيص أبرز التأثيرات فى تكاليف الإنتاج والشحن، وارتفاع أسعار النفط والغاز يؤدى مباشرة إلى زيادة تكاليف الشحن والنقل للمكونات والسيارات النهائية، حيث تعتمد صناعة السيارات بشكل كبير على الوقود فى جميع مراحل الإنتاج والتوزيع، فهذا يرفع من تكلفة الإنتاج الكلية للسيارات، وقد ينعكس على أسعار البيع النهائية للمستهلكين. كما يوجد أيضا تأثير على السيارات الكهربائية لأن إنتاج مكوناتها، مثل البطاريات (الليثيوم والكوبالت والنيكل)، يتطلب طاقة كثيفة للنقل، وبالتالى، فإن ارتفاع أسعار الوقود يرفع تكاليف شحن هذه المعادن، مما يؤثر على تكلفة بطاريات السيارات الكهربائية. وأضاف: تؤدي التوترات إلى تراجع الثقة فى مناخ الاستثمار العالمي، مما قد يؤثر على قرارات الاستثمار في قطاع السيارات، وخصوصًا في المشاريع طويلة الأجل مثل تطوير السيارات الكهربائية والبنية التحتية المرتبطة بها. كما يؤدي تصاعد التوترات في مناطق حيوية للشحن مثل مضيق هرمز والبحر الأحمر إلى ارتفاع تكاليف التأمين على السفن وشركات الشحن، مما ينعكس على أسعار السلع المنقولة بما فيها قطع غيار السيارات والسيارات الكاملة، فقد تضطر الشركات إلى تغيير مسارات الشحن، مما يزيد من طول الرحلة وتكلفة الوقود والوقت المستغرق. ◄ مستويات المخاطر ومن جانبه أوضح محمد مسلم خبير السيارات أنه من المتوقع أن يشهد السوق المصرى العديد من التداعيات السلبية نتيجة التصعيد العسكرى بين إيران وإسرائيل، فى ظل تصاعد التوترات الإقليمية التى بدأت تلقى بظلالها على قطاع السيارات، فمن ناحية، تشير التقديرات إلى ارتفاع وشيك فى الأسعار، نتيجة زيادة تكاليف النقل والشحن، والتى ارتفعت بدورها بفعل ارتفاع مستويات المخاطر فى الممرات الملاحية الحيوية. كما يعد الغاز الطبيعي باعتباره أحد المكونات الرئيسية لتشغيل مصانع إنتاج السيارات عنصراً أساسيًا في معادلة التأثر، إذ إن أي اضطراب في إمداداته سيؤثر مباشرة على حجم الإنتاج، ما ينعكس فى النهاية على الأسعار وتوافر السيارات. وأشار إلى أنه في ظل هذه التحديات، سيجد الوكلاء صعوبة فى الالتزام بهوامش أسعار مستقرة، خاصة فى ظل تغيّرات يومية فى المشهدين الاقتصادى والجيوسياسى، كما يُتوقع أن تتأثر أسعار قطع الغيار وتوافرها، نتيجة إغلاق العديد من الدول لمجالاتها الجوية أو صعوبة وصول الشحنات إلى موانئها.