لم يكن القتال فى الإسلام أو المعارك التى خاضها المسلمون يومًا من الأيام بهدف الاعتداء على الغير، بل كان لرد العدوان الذى يتعرض له المسلمون، من خلال هذا الباب وعلى مدار أيام شهر رمضان المبارك نقدم لك عزيزى القاريء معركة فى ذاكرة التاريخ الإسلامى خاضها المسلمون دفاعا عن أنفسهم وعن دينهم وعن أرضهم. تعتبر معركة «الأرك» من المعارك الحاسمة فى التاريخ العربى الصليبى فى بلاد الأندلس والتى قادها «يعقوب بن يوسف» الذى انتصر على الصليبيين انتصارًا ساحقًا فى هذه المعركة سنة 591ه/ 1194م، واستطاع إخضاع معظم بلاد الأندلس تحت راية الموحدين. اقرأ أيضًا| مع «المحبرة إلى المقبرة» ..د. حسام شاكر يكشف أسرار العلاج بالقراءة يقول الدكتور محمد سالم الأزهرى أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر: «الأرك» هو حصن كبير موجود فى جنوب «طليطلة» ويعتبر الحدود بين قشتالة والمسلمين فى الأندلس فى ذلك الوقت، أعد «ألفونسو» الثامن جيشاً استعان فيه بمملكتى ليون ونافار وجيوش ألمانيا وإنجلترا وهولندا، حتى بلغ جيش الصليبيين فى هذه الموقعة 225 ألف جندى واستنفر الصليبيون مستعينين باليهود لمحاربة المسلمين وقتلهم وكسرهم وطردهم وإخراجهم، وهدم حضارتهم التى علمت العالم أجمع، هنا قيض الله للأمة البطل الموحدى «يعقوب بن يوسف»، الذى قام بمشورة جنده وقواده لمواجهة هذا الزحف الصليبى الهائل، ثم قسم الجيش إلى كتائب، جعل على مقدمتها الجيش النظامي، وفى المؤخرة المتطوعة، لأنهم أقل خبرة بالحرب، والعجيب أن خطة الحرب لتلك المعركة شديدة الشبه بمعركة «الزلاقة» من حيث التخطيط والتدبير والتكتيك الاستراتيجي، وكان الجيش القشتالى يحتل موقعا استراتيجيا يطل على القوات المسلمة، وقد كانت قلعة «الأرك» تحميهم من خلفهم، وجمع ألفونسو جيشه، وحفز جنوده على طرد المسلمين، وفى بداية المعركة تمكّن «ألفونسو» من تحقيق النصر وهزيمة المسلمين، لكن الفرحة لم تدم طويلا، إذ سرعان ما انقلبت الكفة وتغيرت نتائج المعركة لصالح المسلمين بقيادة «المنصور»، وتقهقرت قواته وانسحبت من ساحة المعركة، وفرّ «ألفونسو» عائدا إلى «قشتالة» بعد هزيمة نكراء، حيث سقطت العديد من المدن الكبرى المحيطة ب»طليطلة»، التى كانت عاصمة «قشتالة» حينها، كانت غنائم المسلمين فى معركة «الأرك» أكثر من أن تحصى، وبمقارنة سريعة بين معركتى «الأرك» و»حطين» نجد أن معركة «الأرك» حدثت بعد ثمانية أعوام من معركة «حطين» فى فلسطين، وكانت نتائجها فى أفق الصراع المسلح متشابهة ومتماثلة، فقد انتهت المعركتان بتدمير القوات العسكرية للخصم، إلا أن نتائجها السياسية كانت متغايرة تماما، فقد استطاع «صلاح الدين» تطوير الصراع المسلح واستثمار الفوز فى مسرح العمليات من أجل بلوغ الهدف السياسى وهو تحرير بلاد المسلمين من أعداء المسلمين، فى حين اقتصرت نتائج معركة «الأرك» على الانتصار العسكرى.