لم يكن القتال فى الإسلام أو المعارك التى خاضها المسلمون يومًا من الأيام بهدف الاعتداء على الغير، بل كان لرد العدوان الذى يتعرض له المسلمون، من خلال هذا الباب وعلى مدار أيام شهر رمضان المبارك نقدم لك عزيزى القاريء معركة فى ذاكرة التاريخ الإسلامى خاضها المسلمون دفاعا عن أنفسهم وعن دينهم وعن أرضهم. لا شك أن التاريخ الإسلامى، حافل بالبطولات والانتصارات على كافة المستويات والأصعدة، ومن بين هذه الانتصارات بلا ريب فتح مكة. يقول الدكتور محمد سالم الأزهرى أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر: كان فتح مكة فى رمضان المعظم فى السنة الثامنة من الهجرة المباركة، ولعل من أهم ما يؤخذ من هذا الفتح المبارك، أن المحن دوما تأتى بالمنح، وأن كل عسر يتبعه اليسر، الأمر الثانى: العفو من شيم الكرام، وأن من أسمى مقاصد الشريعة حقن الدماء، وأن الإسلام دين إنسانية، يعنى بالإنسان بغض النظر عن لونه وجنسه وعرقه، حيث يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم»إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ، حَرَّمَهُ اللهُ، لَمْ يَحِلَّ فِيهِ الْقَتْلُ ... « (مسند أحمد)، الأمر الثالث: إنزال الناس منازلهم، والحفاظ على أواصر الرحم، وشيوع الأمن والسلام، ويتضح ذلك من خلال قوله صلى الله عليه وسلم «من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن» (صحيح مسلم)، الأمر الرابع: السمع والطاعة، والتخطيط الحكيم، ووضع الخطط بعيدة المدى، فرسول الله صلى الله عليه وسلم برغم معارضة بعض أصحابه كسيدنا عمر، رضى الله عنه، يرى ما لا يرون، وهذا ذكاء القائد الخبير، فهو يعلم نفوس بعض المشركين، وما سيقدمون عليه، وأنهم سينقضون العهد والميثاق، وأن الله سيتم نعمته عليه بسبب صبره وحسن توكله، الأمر الخامس: رد على كل ادعاء بأن الإسلام انتشر بحد السيف، ففى يوم الفتح يروى أن أبا سفيان قال للنبى، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما حاذاه: أمرت بقتل قومك، قال: لا، فذكر له ما قال سعد بن عبادة ثم ناشده الله والرحم فقال: «يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة اليوم يعز الله قريشًا»، وختاما لقد كان فتح مكة تحولا ضخما فى البناء الحضارى للدولة الإسلامية، وفى العلاقات الإسلامية على المستوى الإقليمى والدولى والعالمى، فمنذ أن أتم الله فضله ومنته على نبيه، نرى تحولا جذريا قد تم، أولها المراسلات والمكاتبات كدلالة على أول وزارة للخارجية فى الإسلام، وكذا ترسيم العلاقات وتحديد المهام، ورسم الخطط والاستراتيجيات، وتوزيع الأدوار، والتأسيس لأول دولة إسلامية متكاملة.