لم يكن القتال فى الإسلام أو المعارك التى خاضها المسلمون يومًا من الأيام بهدف الاعتداء على الغير، بل كان لرد العدوان الذى يتعرض له المسلمون، من خلال هذا الباب وعلى مدار أيام شهر رمضان المبارك نقدم لك عزيزى القاريء معركة فى ذاكرة التاريخ الإسلامى خاضها المسلمون دفاعا عن أنفسهم وعن دينهم وعن أرضهم. كانت عين جالوت من أيام الله بعدما كتب المؤرخون نعى الإسلام، ومنهم المؤرخ الكبير ابن الأثير، المتوفى «630 ه،1233م»، والذى مات قبل أن يرى النصر المؤزر، فكتب يصف ما آلت إليه الأمور من تكالب الأمم على الأمة الإسلامية، وضرب المغول لقلاع المسلمين الحصينة قلعة تلو أخرى، يذبحون الأطفال ويغتصبون النساء ويهتكون الحرمات، ويبقرون بطون الحوامل، لم يبقوا على كبير ولا صغير، ولا مسلم ولا ذمي، ولا حجر ولا شجر. يقول الدكتور محمد سالم الأزهري، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر: لم يكن أحد يظن أو يتصور أن النصر يكون من مصر، وهى التى تهاوت أركان الحكم فيها، وانفكت عرى الترابط بين أبناء البيت الأيوبي، ودخل التتار بغداد فقتلوا وهتكوا ودمروا وسبوا، وذلك فى سنة 656 ه/ 1258م، حتى قيض الله للأمة كلها رجلين، الأول أحد الأمراء العظام وهو المظفر «قطز»، والثانى هو شيخ الإسلام «العز بن عبد السلام» رحمه الله، حيث تمكنا من جمع شتات الأمة، وبذل كل غال ونفيس، وحض الناس من عرب ومن عجم ومن مصريين وشوام وبيض وسود، على الجهاد كل بما يملك، بماله ونفسه، لعلمهم أن مصر هى الملاذ الأخير والبقية الباقية، فإن سقطت مصر بعد سقوط دولة الخلافة فلن تقوم للأمة الإسلامية والعربية قائمة، فيقف العز بن عبد السلام خطيباً محفزاً يحض المماليك على الجهاد، فيقول لقطز: «أخرج وأنا أضمن لك على اللَّه النصر»، وسار المظفر بجنده وأمرائه، بعدما خطب فيهم يحرضهم على الجهاد ولقاء العدو وكان اللقاء فى عين جالوت رمز العزة والكرامة، فى سنة 658ه/ 1260م، اجتمع جند مصر، وبرزوا على عادتهم صفوفاً من الفرسان لا تكاد ترى فيها ميلاً ولا عوجاً، كل فارس منهم على فرسه كالجبل الراسى إذا تحرك، فكأنما إرادة واحدة تتحرك، فالفرسان إذا تحركت فهى خيل مقبلة، والخيل إذا أقبلت فهى فرسان مهاجمة، ثم دقت الكئوس، وأمر القائد بالهجوم، وكانت جموع التتار تنتظر الهجوم لتجد عنده النصر الذى اعتادته فى مصافها، ووقع المصافّ يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان، فهزم التتار شرّ هزيمة، وانتصر المسلمون، وجاء كتاب المظفّر إلى دمشق بالنصر، فطار الناس فرحاً، ثم دخل المظفّر إلى دمشق مؤيّداً منصوراً، وترتب على تلك المعركة الحاسمة، ظهور شمس دولة المماليك، وتبوأت مصر الصدارة، والسيادة، وباتت الحصن الحصين بأزهرها العامر وجيشها الباسل، والأمان لكل مضطر، ووطن لكل مهاجر وغريب.