لم يكن القتال فى الإسلام أو المعارك التى خاضها المسلمون يومًا من الأيام بهدف الاعتداء على الغير، بل كان لرد العدوان الذى يتعرض له المسلمون، من خلال هذا الباب وعلى مدار أيام شهر رمضان المبارك نقدم لك عزيزى القاريء معركة فى ذاكرة التاريخ الإسلامى خاضها المسلمون دفاعا عن أنفسهم وعن دينهم وعن أرضهم. وقعت معركة القادسية فى 13 شعبان سنة (15ه/636م) على أرجح الأقوال، وكانت بين المسلمين بقيادة سعد بن أبى وقاص، والفُرس بقيادة «رستم فرّخزاد»، وانتهت بمقتل رستم وانتصار المسلمين. اقرأ أيضًا | كاتب وكتاب| أخلاقنا يقول الدكتور محمود عبد الفتاح أبو طه أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية، بجامعة الأزهر: كان لهذه المعركة أثر عظيم على دولة الإسلام وسير الفتوحات الإسلامية على الجبهة الشرقية؛ كانت اليد العليا للمسلمين رغم قلة عدد الجيش الإسلامى المقدر بأكثر من 30 ألف مقاتل، مقابل كثرة كاثرة من الفرس والبالغ عددهم تقريبًا 120 ألف مقاتل. من المعلوم أن بعض المعارك دارات بين المسلمين والفرس قبل تلك الموقعة، ومع تولى الفاروق عمر بن الخطاب الخلافة، دارت مفاوضات بين الطرفين، فعلى الرغم من هزيمة الفرس فى المعارك السابقة على القادسية إلا أنهم بقوا فى العراق، وعززوا سيطرتهم على البلاد سياسيا وعسكريا، مما جر الأمور إلى حدّ المواجهة العسكرية الحاسمة بين الطرفين، وكان «الفاروق» قد أمر قائد الفتح فى العراق «سعد بن أبى وقاص» أن يرسل إلى ملك الفرس «يزدجرد» رسالة يدعوه فيها إلى الإسلام، فسار وفد إسلامى من القادسية إلى المدائن للقاء قادة الفرس ودعوتهم للإسلام، وقاد الوفد «النعمان بن مقرن»، وتحدث مع يزدجرد، ودعاه إلى الإسلام بلين ولطف، لكن الأخير اعتقد أن حُسن معاملة الوفد دليل على ضعف المسلمين، فعاملهم معاملة استعلاء لا تليق، بل إنه نعتهم بأنهم من أشقى الأمم وأقلها عددا، وأسوئها حالا، وعندما رفض الفرس كل محاولات السلم وحقن الدماء بدأت المعركة وكان القتال عنيفًا شهد عدة أيام صعبة، وكانت الوقائع تميل تارة للفرس وأخرى للمسلمين، إلا أن ما يلفت الانتباه فى سير الوقائع أن سلاح الفيلة الفارسى. وكان يبلغ عددها «33 فيلًا» ضخمًا كان له أثر بالغ فى معنويات المسلمين؛ ومع هذا الحال ابتكر أحد أبطال الإسلام «القعقاع بن عمرو» سلاحًا فعالًا حيّد به سلاح الخيل الفارسى من ميدان القتال، وذلك بإلباس الجمال خرقا وبراقع، فنفرت خيل الفرس وفرت هاربة، فلحقتهم خسائر كبيرة، وعندها سدد المسلمون ضربات قوية للفرس، فانسحبوا نحو نهر الفرات وعبروا نحو المدائن، ولكنهم وقعوا فى فخ النهر، حيث لحق بهم المسلمون بالرماح والنَّبل وطاردوهم فى البوادى والقرى، وتعدُّ معركة القادسية بداية الانتصارات المبهرة والعظيمة التى حققها المسلمون فى سلسلة معاركهم ضد الفرس تباعًا.