العود، النبوت، المزمار، الطبلة، الناي، الكولة، الربابة، والأراجوز هى بعض الفنون الإبداعية المرتبطة بالتراث المصرى العريق، تم توثيق أصول بعضها فى العديد من المنظمات الدولية التى أكدت أن أصلها مصري. وقد أوضح المؤرخون أن معظم هذه الآلات والفنون الإبداعية تعود للمصريين القدماء الذين كانوا روادها الأوائل، وقد توارثناها عبر الأجيال لنحافظ على مسيرة الإبداع والجمال، وحتى الآن. وبعد آلاف السنين، ما زالت أنغام الإبداع تتألق فى سماء مصر بفضل أيادى الصُنّاع والفنانين الذين أصبحوا محاربين ومدافعين بأقصى قوتهم لحماية صنعتهم من مخاطر المستقبل ومحاولات طمس الهوية المصرية، يقاومون الحداثة بالإبداع وسلبيات التكنولوجيا بالفن، لتصل نغماتهم إلى آذان وقلوب الشعوب بلمسات من الحب والسلام.. اقرأ أيضًا| مفاجآت سيمون لجمهورها بحفل ساقية الصاوي «الأخبار» تنشر فى سلسلة ملفات حلقات عن الحرف التراثية واليدوية، وتقدم لمحات من التحديات التى يواجهها الصناع والقائمون على تلك الحرف للحفاظ على صنعتهم واستمرار نجاحهم. تدريب أجيال جديدة ضرورة للحفاظ على المهنة العود.. دندنة بأنامل طنطاوية نجوى الفضالى اختلف المؤرخون حول تاريخ ظهور آلة العود، فمنهم من يرى أن أصله مصرى قديم، وآخر ينسبه للعراق وغيرهم يرى أنه ظهر للمرة الأولى فى سوريا، وأيًا كانت البداية فجميعها عربية، ولا شك أن صناعة العود لا تحتاج لأيادٍ ماهرة فقط ولكن يلزمها فنان شامل مُلم بطبيعة كل وتر ينسجه على العود، وينقش عليه هويتنا المصرية الأصيلة ليصبح العود المصنوع فى مصر مميزًا وله شهرة عالمية.. الفنان محمد حسان، المعروف باسم محمد حمامة، أقدم صانع للعود فى مصر، الذى نشأ فى عائلة من صانعى العود بمدينة طنطا وورث المهنة عن والده وشقيقه، حيث درس شقيقه الأكبر فى معهد فؤاد الأول للكونسرفتوار، وبدأ هذه المهنة فى عشرينيات القرن الماضي، الذى أكد أن طنطا تحتل المرتبة الثالثة بعد القاهرةوالإسكندرية كرائدة فى صناعة العود اليدوي. وقال حمامة: يجب أن يكون صانع العود فنانًا يعشق الموسيقى ويعرف كيف يعزفها ليصنع أفضل عود دون أدنى عيب، فمثلا أنا عازف كمان وعود، فصناعة العود ليست مجرد مهنة، كما أن العود بمدينتنا يتم إنتاجه يدويًا، وهذا ما يميزه عن غيره فى باقى المحافظات والدول العربية، يتم تقطيع الخشب بشكل رفيع بواسطة منشار لتكوين هيكل العود، ويتم كى الأضلاع لتكوين الشكل النهائى للعود وتوضع فى قالب لتحديد هذا الشكل، ثم يتم تركيب الأوتار واختبارها قبل تسليمها إلى الفنان. وأضاف حمامة أن هناك العديد من أنواع وأشكال العود، فبعضها من العود ذات النغمات العالية والمفتوحة والآخر من العود منخفضة النغمات التى تحتوى على نغمة للتلحين والتسجيلات، كما أنها تختلف أيضًا حسب القالب ونوعية الخشب والصنعة، فبعض أعواد البنات تتطلب قوالب أصغر حجمًا لسهولة التحكم فيها من قبل العازفات، وبعض أعواد الرجال ذات قوالب أكبر حجما، وبالطبع، لا يؤثر حجم القالب على نغمة العود، وتختلف القوالب حسب نوع الخشب الذى يتكون منه القالب، مثل خشب الجوز التركى والورد وخشب الصندل والزعفران وخشب الأرز، ولكل فنان أو فنانة متطلباته الخاصة، ويُصنع العود خصيصًا له وفقًا لشخصيته ولون موسيقاه ومتطلباته.. وأشار صانع العود إلى المشاكل الاقتصادية العالمية الأخيرة التى كان لها تأثير سلبى على جميع الصناعات اليدوية وخاصة إنتاج العود، حيث ارتفعت أسعار الخشب والمواد الخام بشكل كبير مما جعل الحصول عليها صعبًا، كما أن التكنولوجيا كان لها تأثير سلبى من الناحيتين المادية والبشرية، فمن الناحية المادية، يرى أن تدخل الآلات يفقد فى الحرف اليدوية روحها وهويتها، أما من الناحية البشرية، فاقتحام غير المتخصصين فى صناعة العود مثل النجارين يؤدى إلى فقدان الذوق الفني، فعدم التخصص له تأثير سلبى على المهنة. أما بالنسبة للتسويق محليًا، فأضاف حمامة أن إنتاج العود اليدوى يعتمد على السمعة السابقة فى هذا المجال، سواء فى القاهرة أو بين الفنانين والملحنين المحليين، وذلك ما يساعده على تسويق ما ينتج اعتمادًا على شهرة عائلته فى تلك الصناعة، وأشار حمامة إلى المشاهير الذين وضعوا ثقتهم فى العود الطنطاوى اليدوى مثل المطربين محمد فوزى ومحمد عبده، ومحمد عبد النبي، رئيس معهد الموسيقى العربية، والمطرب محمد جمال. وأكد «حمامة»، حرصه على تعليم ابنه مهندس الحاسبات صناعة العود اليدوى خوفًا عليها من الاندثار بعد رحيله عن الحياة، لتظل طنطا رائدة فى الصنعة خلفًا له ولأجداده. الأراجوز| أرواح من خشب نادية البنا الأراجوز هو شخصية مشتقة من كلمات مثل «أرى» و«قراقوز»، والتى تعنى «رجل الكلام» أو «صانع الكلام». كانت هناك آراء مختلفة حول أصل الأراجوز والدولة التى يمكن نسبته إليها، إلا أن الجدل انتهى فى عام 2019 عندما أدرج ضمن التراث غير المادى المصرى فى منظمة اليونسكو، مما أكّد ما ذكره المؤرخون بشأن وجود رسوم للأراجوز على جدران بعض المعابد واستخدام دُماه لتسلية الأطفال فى مصر القديمة.. يرى الفنان محمد عبد الفتاح أن الأراجوز بدأ بالانتشار فى عهد المماليك، حيث استخدمه المصريون للتعبير عن الرأى والانتقاد السياسى والاجتماعي. ومع تطور الزمن، أدى الأراجوز دورًا مهمًا فى التوعية وتنوير المجتمع المصري، حتى انضم إلى الدراما المصرية مع الفنان محمود شكوكو. يعتبر عبد الفتاح إدراج الأراجوز ضمن التراث الثقافى إنجازًا، ويشير إلى إنشاء مدرستين لتعليم فنون الأراجوز منذ توثيقه، وعن تصنيع الأراجوز، يؤكد عبد الفتاح أنه لا يتطلب الكثير من الخامات ويمكن صناعته بمواد مصرية مثل الخشب والقماش، لكنه يواجه تحديات بسبب قلة عدد الحرفيين المهتمين به. ويعتقد أن توفير الدعم سيمكن الأراجوز من الازدهار وتحقيق مكاسب مادية ومعنوية.. يرى بعض الخبراء أن الأراجوز يمكنه التكيف مع الحداثة دون أن يتأثر سلبًا بها، إذ يمكنه أن يقدم للأطفال توعية ثقافية واجتماعية مهمة، ولا يزال التسويق الداخلى والخارجى بحاجة إلى دعم متواصل من الدولة لزيادة انتشار هذا الفن خارج حدود مصر. القصة التى قدمها الفنان عمرو حمزة توضح تطور الأراجوز منذ العصور القديمة حتى يومنا هذا، مرورًا بالنقلة النوعية فى القرن التاسع عشر وتدريبه من قبل مصممى مسارح العرائس الأجانب. وأكد حمزة أن أساس النجاح هو الحفاظ على الروابط القوية بين الأطفال والعروض التقليدية مثل الأراجوز. مع تطور التكنولوجيا، يعتقد حمزة أن سحر العرائس وارتباط الأطفال بها لن يختفي. فقوة العروض تكمن فى التفاعل المباشر بين الأطفال والدمى، والذى لا يمكن تحقيقه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. التحدى الأكبر الآن هو قلة عدد العاملين فى صناعة العرائس وضعف الطلب عليها خلال فترات معينة من السنة، لذا، الحاجة ملحة إلى ورش تعليم فنون الأراجوز فى مختلف المحافظات وتقديم الدعم المستمر لتطوير مهارات الصانعين والمصممين. «أشرف» صانع أوتار عابرة للحدود فوزى دهب آلة العود تُعتبر من أعرق الآلات الموسيقية التى ارتبط استخدامها بإبداعات فنية للكبار مثل «فريد الأطرش ومحمد عبدالوهاب»، فضلا عن استخدامها فى معاهد الموسيقى للطلاب الذين يبحثون عن التعلم، وللعازفين وطلاب بيت العود وحفلات التراث، كما يُقبل عليها السياح كهدايا تذكارية لبلدانهم. يعتبر شارع الشيتى فى مدينة طنطا أحد أشهر الشوارع التى أبدعت فى صناعة آلة العود، إذ يضم 10 ورش تعد من أقدم الورش المتخصصة فى صناعة العود بمصر، والبعض يعتقد أن صناعة العود المصرى بدأت من هناك، تواصلت هذه الصناعة عبر أجيال من العائلات التى ورثتها عن أسلافها. تم إطلاق عدة موديلات على العود مثل «عود فريد الأطرش - عود سيد مكاوى - عود القصبجى - عود السنباطي»، إضافة إلى العود البناتى والعود التعليمى وغيرها، وفى إحدى الورش، التقت «الأخبار» بأحد كبار صناع العود، أشرف حسن. وذكر أشرف أنه منذ 45 عامًا بدأ مسيرته فى صناعة العود، ومن ثم عمل فى السعودية والعراق لنقل خبرته، حيث درب العديد من الشباب، نقل أشرف شغفه إلى ابنيه، محمد ومروان، اللذين يعملان فى مهنة صناعة العود بدافع الحب والاهتمام.. أكد أشرف أن ورشته فى طنطا تصنع العود بجميع مراحله، وكشف عن أنواع الخشب المستخدمة فى صناعة العود مثل خشب الورد والفينجى والصاج الهندى والزان وغيرها، موضحًا مراحل التصنيع المتعددة بدءًا من تصنيع القصعة ووضع لمسات جمالية وحتى تركيب الأوتار والمفاتيح. من جهته، قال مروان حسن إن صناعة العود تتنوع وفقًا للشكل والطلب، وتبدأ الأسعار من 2000 جنيه وتتجاوز 5000 جنيه اعتمادًا على المواد والخامات المستخدمة. أضاف أن أعوادهم مطلوبة فى حفلات التراث والمعاهد الموسيقية والفرق الاستعراضية بأسواق السياحة مثل الحسين وشرم الشيخ والغردقة. الطنبور.. تراث العبابدة والبشارية إبراهيم الشاذلى الطنبور، آلة وترية تعكس تاريخًا عريقًا لقبائل العبابدة والبشارية فى منطقة مثلث حلايب وشلاتين، يمتد جذورها إلى آلاف السنين.. مصطفى سباق، ابن قبيلة العبابدة وموثق لتراثها، يوضح أن صناعة الطنبور تتطلب حنكة وصبرًا، تبدأ العملية بجلد الجمل الذى يجفف فى الشمس ويعالج بالحناء والملح ضد التعفن، تُشد الأوتار الخماسية المصنوعة من خيوط القطن لخلق الموسيقى العذبة. ويشير مصطفى إلى الاختلاف بين الطنبور النوبى والخاص بالعبابدة والبشارية، الذى يمتاز بأوتار سداسية. رغم صعوبة الحرفة، حافظ صُنّاع الطنبور على هذا التراث عبر التدريب المستمر للأجيال الجديدة.. ويضيف مصطفى أن التكنولوجيا لم تؤثر كثيرًا على صناعة الطنبور التقليدية، إذ لا تزال الطرق القديمة هى الغالبة، رغم ذلك، ساعد التطور التكنولوجى فى تسهيل التسويق والعرض من خلال الإنترنت.. اقرأ أيضًا| «عود» عم محمد.. يطرب شوارع الإسكندرية ومن حيث التكلفة، يقول مصطفي: المواد الأولية مثل جلود الجمال وخيوط القطن متوافرة محليًا مما يبقى التكلفة منخفضة نسبيًا. أما الأرباح فهى بسيطة، حيث يعتمد معظم الحرفيين على المبيعات المحلية والمعارض الثقافية، وتواجه الصناعة تحديات تصديرية بسبب نقص الدعم المؤسسي، لكن يوجد فرص للتوسع دوليًا إذا تحسنت عمليات التسويق. السمسمية.. متحدث رسمى للأغانى الوطنية حسام صالح لم ترتبط آلة موسيقية بالفرح والمقاومة والحرب والنصر مثل ما ارتبطت السمسمية، وتطورت عبر السنين من أوتار بصوت غليظ إلى آلة بصوت رقيق هادئ.. تنتشر الآلة فى مدن القناة، وفى السويس لها عاشقون ومدارس لتعليم العزف عليها، ومن أبرز صناعها فى السويس الفنان محمد الكفراوي، الذى أتقن العزف عليها، حتى قاده ذلك لفهم تكوينها، كيف يخرج الصوت وكيف يتغير بين شدة مفتاح وآخر حتى أتقن صناعتها. يقول الكفراوى إن أول ظهور للشكل الأول للسمسمية كانت فى شكل «الكينارة - الكيثارة» فى عهد الأسرة الثالثة عشرة الفرعونية، وأصبحت الآن أصغر حجما وعرف ذلك الشكل باسم السمسمية. يؤكد الكفراوى أن السمسمية تأثرت بالأحداث السياسية فى مصر، حيث كانت تستخدم قبل ثورة يوليو 1952 فى المناسبات وعزف الأغانى الشعبية، وبسبب عدد أوتارها التى كانت 5 فقط وهى سلم موسيقى غير مكتمل جرى استخدامها أكثر فى الموشحات، وظل استخدام الآلة قاصرا على الأغانى الشعبية التى يغنيها العمال والصيادون، إلى أن تغير الوضع فى مصر بعد ثورة يوليو، ومع العدوان الثلاثى ظهرت قوة الآلة مع أغانى المقاومة التى تحرض على الجهاد والكفاح ضد المحتل، فكانت الأوتار المتحدث الرسمى للأغانى الوطنية فى تلك الفترة ببورسعيد، رغم أن الآلة الوترية انتشرت من السويس إلى مدن القناة، لكن ظهورها القوى فى السويس كان بعد يونيو 1967، وبعد النكسة باتت آلة أساسية فى مظاهر المقاومة، وانتشرت مع المهاجرين من السويس إلى باقى المحافظات، على يد فرقة البطاطين التى أسسها كابتن غزالى. أما عن صناعة السمسمية، فيقول الكفراوى إنها تصنع من الخشب، وهى أفضل مادة تتحمل مدة الاستخدام الطويل، ويمكن صيانتها بسهولة، وتصنع الآلة من 3 أضلاع خشبية تشبه المثلث، ضلعان منه يلتقيان ويتم تثبيتهما بعلبة الصوت، بينما تشد الأوتار من على مفاتيح بالضلع الثالث إلى العلبة، لتثبت على قطعة تسمى «كرسي».. كانت الآلة تصنع من 5 أوتار، وفى منتصف الثمانينيات عمد العازفون إلى زيادة عدد أوتارها لاستكمال السلم الموسيقي، وأصبحت 16 وترا، كما تطورت مؤخرا وأصبح عدد الأوتار 21 وترا لتعزف المقام والجواب دون التوقف بين المقامات وتعديل الأوتار. التسويق والثقة بالمنتج المحلى أهم التحديات مزمار «البلبيسى».. صانع البهجة سناء عنان «رضا البلبيسى» أشهر صانع وعازف للمزمار البلدى عشق المهنة وتعلمها منذ نعومة أظافره عن والده وعمه وهو فى التاسعة من عمره وشارك فى العديد من الحفلات الكبرى ولقب بصانع البهجة وذاع صيته فى الدول العربية.. يقول«رضا البلبيسي» إن المزمار آلة موسيقية ابتكرها قدماء المصريين منذ آلاف السنين حيث تم العثور على جداريات وبرديات توضح اهتمامهم بجميع أنواعها وكانت تستعمل فى جميع المحافل، وقد تم الحفاظ على آلة المزمار البلدى بتوارث الفنون والفلكلور الشعبى.. وأشار رضا البلبيسى إلى أنه احترف هذه المهنة الصعبة منذ الطفولة وحافظ عليها وواجه تحديات كبيرة من نفقات وجهد وصعوبة فى التعليم إلا أنه تمسك بها بحب وإصرار وطور فيها حتى أصبح أشهر صانعى المزمار البلدى فى مصر والعالم. وأوضح أن التكنولوجيا لها تأثير مباشر على مهنته حيث كان يتم صناعة آلة المزمار بطريقة بدائية وتستغرق وقتا وجهدا وتكاليف مالية كبيرة ولكن مع التطور التكنولوجى تم تطوير الصناعة باستخدام الآلات والخامات الحديثة والمخارط التى توفر الوقت والجهد.. وأشار إلى أن صناع المزمار البلدى نجحوا فى الحفاظ على المهنة بتوارث الفنون الشعبية والفلكلور الوطني، وأوضح أن هناك أجيالا جديدة تتعلم تلك المهنة، بشكل بسيط بالتوارث الشخصى من أب لابنه، وأن هذه المهنة بدأت تتضاءل بشكل كبير حيث إنها لا تلبى احتياجاتهم المادية فاضطروا إلى الذهاب لمصادر رزق أخرى وهذا يسبب قلة المتوارثين لهذا الفن سواء العزف أو التصنيع، لذلك نجد المصنعين لا يتخطى عددهم أصابع اليد الواحدة. وعن المشاكل التى يواجهها عازفو وصناع المزمار، يقول البلبيسى إنهم يواجهون بعض التنمر من الجهلاء بهذا الفن والعقول العقيمة بنظراتهم المتدنية لعازف المزمار البلدى وكذلك تجاهل النقابات المختصة بالفنون الشعبية الخاصة بهذه الآلة وصناعها وعازفيها، وكذلك التجاهل غير المبرر من النقابات الموسيقية لآلة المزمار البلدى وعدم توفير المناخ والدعاية لآلة المزمار البلدى التى تعد من أقدم آلات النفخ فى تاريخ البشرية. كما أنه يتم تصنيع المزمار من أنواع مخصصة من الأخشاب وهى غير متوافرة بشكل كاف ويطالب باهتمام نقابة الموسيقيين بهذه المهنة وتطويرها، وتوفير الورش الخاصة بصناعها واعتمادهم كمصنعين وتوفير المواد الخام لهم. النبوت.. أيقونة من إرث الأجداد أبو المعارف الحفناوى صناعة النبوت أو «الشومة» حرفة تقليدية تعتمد على تشكيل الخشب بأشكال هندسية أو زخرفية، يستخدمها الرجال والشباب فى الصعيد كرمز للهيبة والقوة، بينما تكون سندًا لكبار السن خلال التنقل، كما تلعب دورًا بارزًا فى المناسبات والأفراح من خلال لعبة التحطيب على أنغام المزمار البلدي.. رغم اندثار هذه الحرفة بشكل كبير، إلا أنها لا تزال قائمة، على الرغم من التحديات الكبيرة التى تواجهها فى ظل التطورات المستمرة فى الصناعات البلاستيكية. ويعد النبوت، الذى توثقه الجداريات الأثرية فى مختلف جوانب الحياة، نموذجًا للصناعات البدائية البسيطة التى بقيت، وإن كان استخدامها اليوم يقتصر على مواقف العزة والفخر بين شرائح المجتمع المصري، خصوصًا فى الصعيد وجنوب مصر، بعد أن كان رمزًا للفتوة وحفظ الأمن فى القرنين التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. الطيب جاد، أحد صناع النبوت فى مركز قوص بمحافظة قنا، يوضح أن هذه الصناعة تأثرت كثيرًا فى السنوات الأخيرة، خاصة مع تراجع اهتمام الشباب بها، وأضاف أن استخدامها بات يقتصر إلى حد كبير على الألعاب الشعبية مثل التحطيب ويشير جاد إلى أن أسعاره تتراوح بين 100 و500 جنيه، وهناك أنواع أغلى، لكن الإقبال عليها ضعيف، ويُصنع النبوت من الخيزران، ويضاف إليه جلد الماشية والدبابيس للحماية، ويتم تشكيله حسب الطلب. أما حسن العليمي، الذى عاصر العصر الذهبى لصناعة النبوت، فيذكر أن صناع النبوت كانوا يختارون أخشابًا بعناية من أشجار خاصة، يتم جلبها من بلدان عربية وأجنبية قبل زراعتها فى مصر، وتتميز بطولها وصلابتها، وكانت قاهرة المعز مركزًا للراغبين فى اقتناء النبابيت الخشبية، حيث كانت تُصنع من خشب الزان الطبيعى وتزين بالدبابيس المطلية بالذهب وجلود الحيوانات عند قبضة اليد لإضفاء مزيد من القوة والجمال.. أما حامد القاضي، بائع الخيزران فى مدينة نجع حمادي، فيشير إلى أن تجارة النبوت باتت على وشك الانقراض بسبب عزوف الأجيال الجديدة عن اقتنائه، وتفضيلهم للنماذج البلاستيكية والعاجية التى تتميز بخفة وزنها وجمال مظهرها، إضافة إلى أسعارها المنخفضة مقارنة بالنبوت التقليدى.. ويؤكد القاضى أن صناعة النبوت الخشبى وتجارته لا تزال قائمة، لكنها تواجه تحديات كبيرة للحفاظ عليها كتراث مصرى أصيل، ويأمل أن تتخذ الدولة خطوات لدعم هذه الصناعة من خلال توفير منافذ بيع لها فى المناطق السياحية، باعتبارها جزءًا من الهوية المصرية العريقة. «رأفت».. مايسترو من بلد المواويل خالد حسن رأفت خلف، من سوهاج، فنان مبدع معروف بتصنيعه الآلات الموسيقية والتحف المصرية والفرعونية لأكثر من أربعين عامًا. رغم أنه لا يعزف على أى آلة، فإن شغفه بالموسيقى دفعه لتجهيز ورشة صغيرة، يصنع الآلات المتنوعة بأدوات بسيطة، وقد وصل عدد الآلات التى صنعها إلى 31 آلة.. بدأ رأفت مشواره بصنع أول جيتار لابنه ماريو، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف عن الإبداع، وبالرغم من قلة المشترين لآلاته داخل سوهاج، فإنه يتفرد بإنتاجها من مواد محلية الصنع ويواجه تحديًا فى توفير بعض المواد الأساسية مثل عيدان قش الأرز.. ويروى رأفت معاناته فى بيع الآلات الموسيقية. بسبب عدم إقبال المهتمين بالموسيقى على الشراء منه، إلا أنه مستمر فى مهنته التى يعشقها، قائلا: ورشتى تمثل كل حياتى وأشعر بالمرض فى حالة البعد عنها وسأظل أصنع الآلات الموسيقية حتى ألقى ربي، مضيفًا أن هناك بعض الموسيقيين الذين سمعوا عنى وتحملوا عناء السفر من محافظات بعيدة وجاءوا ليشتروا منى بعض الآلات ولكن التسويق داخل سوهاج صعب، رغم كل التحديات، يحتفظ رأفت بشغفه ويفضل مواصلة عمله فى ورشته. ويستمر فى صنع الآلات وإبداع تصاميم جديدة، ويظل مفتخرًا بإنتاجاته رغم الصعوبات التى يواجهها، ويفسرها قائلا ربما بعد مكانى هو الذى جعل الموسيقيين لا يأتون إليّ لشراء الآلات الموسيقية رغم رخص ثمن منتجاتى ورغم قوتها، مؤكدًا أنه تفوق على الألمان والتشيك فى صناعة آلة الكمان لأنه صنعها على قطعة واحدة، كما تميز فى صناعة فن التشبيك الذى يزين منابر المساجد وقباب الكنائس، نجاحه لم يمر دون إشادة، حيث يرى الدكتور ثروت علم الدين، الموسيقار المعروف فى سوهاج، أن رأفت خلف يقدم آلات موسيقية أفضل من تلك المستوردة وبأسعار زهيدة، مقترحًا دخوله موسوعة جينيس للأرقام القياسية. مضيفا: أحرص على الحضور لورشة الفنان رأفت لكى أمتع نظرى وعقلي، وأنا أراه يصنع بأنامله الآلات وكأنه يعزف مقطوعة موسيقية عالمية ولقد شهدت بنفسى عبقريته فى صناعة الآلات الموسيقية دون اللجوء إلى المعدات الحديثة فهو يصنع الآلات الموسيقية بيديه ويبدع فى تصميمها وأقوم بتجربتها. «الطبلة».. إيقاع «مظبوط» بالوراثة نجوى الفضالى «الطبلة والدف»، كانت جزءًا مهمًا من الثقافة الموسيقية فى مصر القديمة، حيث استخدمها المصريون القدماء فى الاحتفالات الدينية والمناسبات الاجتماعية لإضفاء أجواء روحانية، وقد أظهرت الرسومات الفنية على المعابد والآثار أهمية هذه الآلات، مما يعكس كون الموسيقى جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية والتقاليد فى تلك الفترة، تعتبر الطبلة آلة موسيقية تُستخدم فى العديد من الأنماط الموسيقية حول العالم، ولها تصميمات وأصوات مختلفة تلعب دورًا أساسيًا فى إيقاع الفرق الموسيقية. يقول وليد راغب، أحد أقدم مصنعى الطبلة والدف فى محافظة الغربية، إنه دخل هذا المجال حبًا فى الفن بشكل عام والطبلة والإيقاع بشكل خاص، موضحًا اعتقاده أن الوراثة تخلق عشق الفن وحب الصنعة وإتقانها، مشيرًا إلى أن الأفضل للصانع أن يكون عازفًا ليتمكن من الحكم على جودة الآلة، وعن عملية التصنيع، أوضح أن الطبول تُصنع من الفخار أو الألمنيوم أو الخشب، حيث يتم تركيب الجلد عليها، يستخدم جلد السمك أو الماعز للفخار، بينما يتم صب الألمنيوم وتركيب جلد بلاستيكى مستورد من الصين وتايوان. وفيما يتعلق بالتكنولوجيا، أشار راغب إلى تأثيرها السلبى على الصناعة، حيث أصبح الاعتماد على أجهزة كهربائية توفر جميع أصوات الآلات الإيقاعية بديلا عن العازفين. كما تؤثر زيادة أسعار المواد الخام بشكل كبير على الصناعة، حيث تراوح سعر الجلد بين 250 إلى 300 جنيه ووصل سعر كيلو الصدف إلى 3000 جنيه. بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الدهانات.. وأضاف أن التسويق يعتمد على معرفة الوسط الفنى بالصانع وجودة الإنتاج التى تجعل المعدات مميزة فى مجاله، ورغم التحديات، يرى راغب أن مصر ما زالت ولّادة للفن، مؤكدًا على دور مدينة طنطا فى إخراج أمهر الصناع فى مجال الإيقاع. الكولة والناى| إبداع على ثقوب «البوص» سليمان محمد استطاع حسين أبو المجد، البالغ من العمر 38 عامًا، أن يبدع فى صناعة آلة الكولة المحببة إلى قلبه منذ الصغر، بدأ شغفه بهذه الآلة الموسيقية التقليدية عندما كان فى الخامسة عشرة من عمره، حيث كان يتنقل بين مناسبات العزف والإنشاد فى القرى والمدن ليستمع إلى أصوات الكولة. وتحدث أبو المجد عن رحلته قائلا إنه تعلم العزف على الناى والكولة بعد التدريب مع كبار العازفين، ثم اشترى الآلتين وبدأ بتجربة الأصوات المختلفة حتى أتقن العزف على درجات السلم الموسيقى الخاصة بهما. وبدافع الشغف، قرر تعلم صناعة الناى والكولة بنفسه قبل 23 عامًا على يد أحد الحرفيين فى قرية مجاورة.. وأوضح أبو المجد أن صنع الكولة يتطلب مهارة كبيرة فى الحسابات الدقيقة والاختيار الأمثل للبوص المناسب. فالناى مصنوع من بوص يحتوى على تسع عقد وسبعة ثقوب، أما الكولة فتتكون من أربعة فكوك وستة ثقوب. يستغرق صنع الكولة يومين حيث تُحضر البوصة وتُعالج بالنار وتُفحص بعناية للتأكد من استقامتها وسلامتها. بعد ضبط قياسات الكولة وإجراء العملية الحسابية الدقيقة لتحديد مواقع الثقوب، تأتى مرحلة ثقب الأداة وتنظيفها ولف سلك نحاسى حولها لحمايتها. ويبين أن تكلفة الكولة تصل إلى 150 جنيهًا، بينما يبدأ سعر الناى من 200 جنيه وفقاً لجودة البوص. من بين التحديات التى يواجهها أبو المجد فى الصنعة هو نقص توفير البوص المناسب، حيث قد يصلح جزء ضئيل فقط من ألف بوصة لصنع كولة جيدة. بدورها، أكدت د.هيام النجار، رئيس قسم التربية الموسيقية بكلية التربية النوعية ببنها، على أن الكولة رغم بساطتها وثقل صوتها، إلا أن استخراج الدرجات الموسيقية الصحيحة منها يتطلب دقة ومهارة فائقة، وأضافت النجار أن الكولة تتميز عن غيرها من الآلات الهوائية بصعوبتها فى استخراج الأصوات الصحيحة وأن العازف يحتاج لاستخراج ثلاث درجات مختلفة من نفس الثقب، ورغم بساطتها، تُعد الكولة والناى أدوات موسيقية أساسية لا غنى عنها فى الحفلات والمهرجانات الموسيقية. «الربابة»|عزف على شعر الخيل وفاء صلاح «خشب وشعر خيل وجوز هند وجلد سمك» هى كل أدوات عماد الطيار صانع «الربابة» وعازفها الذى يعمل مع إحدى الفرق الشعبية، ويشدو بأروع نغمات التراث المميزة والتى تقتحم النوافذ والشرفات، لتصل لجمهوره داخل منازلهم وتسكن وجدانهم ليستعيدوا ذكريات الطفولة والاستمتاع بحكاوى عازف الربابة. ويروى عماد الطيار خطوات صناعته للربابة قائلا: يبدأ تصنيع الربابة بقطع خشب الزان وثقبه لتمرير الوتر المصنوع من شعر الخيل أو السلك المعدني، الذى يُثبت على قاعدة مصنوعة من جوز الهند، يُربط هذا الخيط الحريرى بإحكام لتشكيل الآلة، وأما القوس فهو مصنوع من النخيل وغالبًا ما يكون قطره موازيًا للذراع، ويوضع به وتر على شكل نصف دائرة، مؤكدًا أن الربابة آلة موسيقية قديمة ذات تشكيلات متنوعة، تتألف من عدة أجزاء وترية وخشبية. وأكد عماد أنه ورث صناعة الربابة والعزف عليها عن أجداده، وبدأ تصنيعها منذ صغره، والآن يعمل كعازف للربابة فى إحدى الفرق الشعبية، مضيفًا أنه أثناء تصنيع الربابة يعزف عليها ليبدع فى عمله ويبتكر أشكالا جديدة، مؤكدًا أن الربابة تُورَث بين صانعيها فى الصعيد، وتجذب الناس للتجمّع والعزف والمرح، وهذه الثقافة ما زالت شائعة جدًا.