■ كتبت: سميحة شتا كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن ازدواجية المعايير فى التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان وأن كل ما يدعيه العالم بشأن حقوق الإنسان والشعارات البراقة التى يرفعها هو كذب محض، فقد انتهكت إسرائيل كافة القوانين الدولية وارتكبت جرائم حرب وانتهكت كافة حقوق الإنسان، ولم تمتثل لأى من قرارات المؤسسات الدولية الخاصة بحفظ الأمن والسلم الدولى، كل هذه الانتهاكات مرت بحماية ودعم الولاياتالمتحدة التى قدمت كافة أوجه الدعم السياسى والعسكرى لإسرائيل فى حرب أقل ما يُقال عنها بأنها حرب «إبادة جماعية». فلم يترك الاحتلال الإسرائيلى جريمة واحدة من الجرائم التى نصّ عليها نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدّولية، ولا تلك التى نصّت عليها اتفاقيات جنيف الأربع، ولا أية جريمة أخرى نص عليها ميثاقٌ أو عرفٌ دولى قديم أو حديث، إلا وارتكبها. فقد مارس جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم الحرب، فى مشاهد مرعبة من القتل الجماعى للأطفال والنساء وتدمير مُمنهج للحياة البشرية، فى صورة من أبشع صور الهمجية والإرهاب والتخريب بأفتك الأسلحة الأمريكية الصنع عرفها تاريخنا المعاصر. فقد تدفقت شحنات الأسلحة والذخائر على إسرائيل والتى استخدمتها فى استهداف المستشفيات والمدارس ومراكز إيواء المدنيين، وتخطت قيمة المساعدات العسكرية التى قدمتها الولاياتالمتحدة للجيش الإسرائيلى بحسب صحيفة «واشنطن بوست» 6.5 مليار دولار منذ بدء الحرب على قطاع غزة، كما تمت الموافقة على أكثر من 100 صفقة مبيعات سلاح لإسرائيل، كما أكدت الصحيفة أن المبيعات تضمنت آلاف الذخائر الموجهة، والقذائف الخارقة للتحصينات، وغيرها من المساعدات الفتاكة، بالإضافة إلى إرسال سفينة القيادة التابعة للأسطول السادس الأمريكى «ماونت ويتني»، لكى تنضم إلى حاملتى الطائرات التى تم إرسالها فى وقت سابق إلى المنطقة، «يو إس إس إيزنهاور»، و«جيرالد فورد»، وغيرها من السفن ووحدات الاستطلاع لتأمين إسرائيل ضد أى مخاطر إقليمية. من جانب آخر، عملت الولاياتالمتحدة على حماية إسرائيل من أى مسألة قانونية من خلال استخدام حق الفيتو لمنع استصدار مجلس الأمن أى قرار لوقف الحرب، بالإضافة إلى تهديد قضاة المحكمة الجنائية الدولية بفرض عقوباتٍ عليهم بعد محاولة استصدار أوامر اعتقال بحق قادة إسرائيل. ◄ اقرأ أيضًا | مع كل هذه الجرائم، تقف كل منظومة المجتمع الدولى التى يزعم بأنه أسّسها على احترامِ حقوق الإنسان عاجزةً أمام حرب إبادة جماعيةٍ يصفها الكيان المحتل وداعموه من الدّول الغربية بأنها «حربٌ عادلة»، و«دفاعٌ مشروع عن النفس»، ومع كل ضربة يوجهها جيش الاحتلال لقطاع غزة، تسقط قيم ومبادئ القانون الدولى الإنسانى، ولن ينهى الاحتلال حربه الشعواء على غزة إلا وستكون المنظومة الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان قد فقدت كل مصداقيتها وصارت بلا معنى. وقد صرحت منظمة العفو الدولية فى تقريرها السنوى حول حقوق الإنسان بأن «تقاعس المجتمع الدولى المثير للحيرة والاستغراب فى حماية الآلاف من المدنيين - من بينهم أطفال بنسبة مرتفعة ومروعة - من القتل فى قطاع غزة المحتل يُظهر جليًّا أن المؤسسات التى أنُشئت خصيصًا لحماية المدنيين وتعزيز حقوق الإنسان لم تعد تصلحُ لهذا الغرض». وقالت: إن «ما شهدناه فى الحرب الإسرائيلية على غزة يؤكد أن الكثير من الدول النافذة تتخلى عن القيم الأساسية للإنسانية والعالمية المُكرسة فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان». وتابعت: «بالنسبة للملايين من الناس فى جميع أنحاء العالم، ترمز غزة الآن إلى الفشل الأخلاقى المطلق للكثير من مهندسى النظام الذى تأسس بعد الحرب العالمية الثانية». وأكدت أنه «نظرًا للوضع الراهن القاتم فى العالم، يتعين اتخاذ تدابير عاجلة لتنشيط وتجديد المؤسسات الدولية التى تهدف إلى حماية الإنسانية، ولا بد من اتخاذ خطواتٍ لإصلاح مجلس الأمن، بحيث لا يظل بإمكان الدول دائمة العضوية ممارسة حقها فى النقض بلا ضابط ولا رابط لمنع حماية المدنيين وتعزيز تحالفاتها الجيوسياسية». وحذرت منظمة العفو الدولية فى تقريرها السنوى حول حقوق الإنسان من أن «وتيرة انهيار سيادة القانون سوف تتسارع على الأرجح مع التطور السريع للذكاء الاصطناعى المقترن بهيمنة شركات التكنولوجيا العملاقة الذى ينطوى على خطر تعزيز انتهاكات حقوق الإنسان إذا ظلت اللوائح التنظيمية متخلفة عن مواكبة التطورات فى هذا المجال». وقالت أنييس كالامار الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية مع صدور التقرير السنوى للمنظمة: «كل ما شهدناه فى الأشهر ال 12 الأخيرة» من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا وبورما والسودان وإثيوبيا، التى تشهد نزاعات تواكبها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يدل على أن النظام الدولى على وشك الانهيار». واتهمت الأمينة العامة للمنظمة غير الحكومية التى تتخذ فى لندن مقرًا لها إن الولاياتالمتحدة «باستخدام حق النقض ضد وقف أساسى لإطلاق النار، قد أفرغت مجلس الأمن من معناه»، وشككت كالامار فى دور المؤسسات الدولية «التى كان يجب أن تتحرك ولكنها خذلتنا». لقد بدا جليًا أن النظام الدولى القائم على القواعد والمعايير الليبرالية والذى يهيمن على العالم بقيادة الولاياتالمتحدة؛ بدأ فى التآكل لما يمر به من انتكاساتٍ وأزمات مدمرة واحدة تلو الأخرى؛ حيث فقد هذا النظام أى شرعية أخلاقية أو مصداقية سياسية بعد الازدواجية التى تعاملت بها الدول الغربية مع أزمة غزة، حيث أكدت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها مرة أخرى أن هذه القواعد والمعايير الأخلاقية والقانونية التى اعتبر الغرب نفسه حارسًا لها هى مجرد أدواتٍ تسمح للغرب فى تحقيق مصالحهم القومية، وذرائع للهيمنة على دول العالم.