بعد مرور عشرة أشهر من اندلاع الحرب الإسرائيل على قطاع غزة فى السابع من أكتوبر الماضى (2023)، لا يزال تحقيق وقف إطلاق النار بين الطرفين دونه صعوبات عدة، وقد فشلت محاولات لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولى بوقف إطلاق النار، بعد استخدام الولاياتالمتحدة لحق الفيتو ضد المشروع الذى تقدمت به المجموعه العربية فى الأممالمتحدة. أظهرت ردود الفعل الدولية على العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة ازدواجية المعايير لدى دول العالم وخاصة الدول الغربية، ففى الوقت الذى أدان فيه الفاعلون الدوليون من دول ومنظمات السياسات الروسية تجاه أوكرانيا وضجت وسائل الإعلام الغربية بالحديث عن انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها موسكو، لم تستطع الدول الغربية إدانة الجرائم التى يرتكبها الاحتلال الإسرائيلى فى غزة بل أيدوا إسرائيل، معتبرين أنها من حقها الدفاع عن نفسها، حرصت الأممالمتحدة، عندما اندلعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، على القيام بدورها فى الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين؛ والعمل على وقف الحرب؛ والحد من الجرائم الإنسانية وعمليات الإبادة الجماعية، التى ترتكبها إسرائيل ضد سكان القطاع؛ والتدمير الشامل لبنيته التحتية؛ إلا أن هذه الجهود قوبلت بمحاولات إعاقتها وإفشالها من قبل القوى الكبرى، التى كانت ومازالت الداعم الرئيسى لإسرائيل فى كل ما قامت ومازالت تقوم به من مخالفات وانتهاكات للقوانين الدولية منذ قيامها عام 1948 إلى اليوم. فى صيف 1945، قطعت الدول المؤسسة للأمم المتحدة على نفسها عهدًا بأن تجعل العالم مكانًا أفضل، لكن للاسف لم تتمكن من تحقيق هذا الهدف. لقد واجهت العديد من التحديات فى تحقيق أهدافها، من حفظ السلام والأمن الدوليين، وتعزيز التعاون الدولي، وحماية حقوق الإنسان،ومؤخرا لم تستطع وضع حد لجرائم الإبادة بحق سكان قطاع غزة. فمع تفكك الاتحاد السوفيتي، وانهيار جدار برلين، برزت الولاياتالمتحدة كقوة عظمى وحيدة، مما أدى إلى تهميش دور الأممالمتحدة، وجعلها أداة فى يد الولاياتالمتحدة لفرض رؤيتها على العالم. اقرأ أيضا| الجيش الإسرائيلي يشن غارات على جنوبلبنان كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة، مرة أخرى، مدى ضعف وهشاشة المنظمة الدولية، ومدى زيف ادعاءات الشرعية الدولية التى تمثلها فى زمن هيمنة شرعية القطب الواحد. يلحظ المتابع لجلسات الأممالمتحدة ومجلس الأمن، التى انعقدت منذ بدء حرب الإبادة التى قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلى على قطاع، ومازالت مستمرة حتى اليوم، مقتربة من يومها الثلاثمئة، أن هناك شبه إصرار من الدول الكبرى على إفشال جهود المنظمة الأممية، وإعاقة محاولاتها لوقف جرائم الإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل يوميا منذ بدء الحرب؛ على مرأى ومسمع من شعوب العالم ودوله ومنظماته لحظة وقوعها. وتعد إعاقة مشاريع القرارات التى طرحت فى المنظمة الأممية ومجلس الأمن الدولي، من أخطر مظاهر هذا الدعم، لأنها شجعت إسرائيل على الاستمرار فى استخدام قواتها العسكرية الغاشمة، فى قتل وإصابة مئات الآلاف من المدنيين العزل؛ وتدمير قطاع غزة. وكانت الإعاقة ومازالت تتم عبر استخدام أمريكيا لحق النقض (الفيتو) لما يصدره مجلس الأمن من قرارات ضد المخالفات والتجاوزات والانتهاكات الإسرائيلية، أو من خلال رفض تلك القرارات أو الامتناع عن التصويت عليها من قبل الدول الأوروبية فقد استطاعت إسرائيل والولاياتالمتحدة وغيرهما من الدول الكبرى المؤيدة لإسرائيل، أن تفشل مجلس الأمن (5 )مرات فى تبنى قرار لوقف إطاق النار بغزة؛ الأمر الذى جعل الامين العام أنطونيو جوتيريش، يعرب عن خيبة أمله من تكرار استخدام واشنطن الفيتو. رغم استجابة الجمعية العامة للدعوة غير المسبوقة من الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» إلى مجلس الأمن بموجب المادة 99 من ميثاق المنظمة للتعبير عن خشيته من انهيار كامل ووشيك للنظام العام فى قطاع غزة واعتمدت الجمعية العامة القرار، الذى دعا إلى وقف إطلاق نار فورى فى غزة وإلى حماية المدنيين وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية. فضلًا عن ضرورة الإفراج الفورى وغير المشروط عن كل الرهائن، بأغلبية 153 دولة من 193 مقابل معارضة 10 دول من بينها الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل وامتناع 23 دولة عن التصويت، لكن الولاياتالمتحدة وصفت القرار بأنه غير ملزم. كما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بعنوان (حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره) بأغلبية ساحقة حيث حصل القرار على تأييد 172 دولة وعارضته 4 دول وامتنعت 10 دول عن التصويت. المشكلة ان الولاياتالمتحدةالأمريكية هى القوة العالمية الرائدة والممول الرئيسى لمنظومة الأممالمتحدة- (22 % من الموازنة العامة للأمم المتحدة، و27 % من مهمات حفظ السلم)- فهل يمكن أن تكون هناك إصلاحات خارج إرادتها، أو تتعارض مع مصالحها! إن هناك نظامًا قانونيًا متكاملا يتعلق بتفعيل قواعد المسؤولية الدولية فى مواجهة الدولة التى ترتكب جرائم دولية، وهو ما ينطبق على حالة الاحتلال الإسرائيلى بامتياز، الذى ارتكب ويرتكب مختلف أنواع الجرائم الدولية المعروفة، من عدوان ترافق مع احتلال وضم إلى انتهاك فج لاتفاقيات جنيف وقواعد لاهاى المنظمة لحالة الاحتلال الحربي، وصولًا إلى حدّ ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة بحق المواطنين الفلسطينيين فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، لا سيما فى قطاع غزة. برغم ذلك، لم يتمِ تفعيل أى من صور المحاسبة والجزاء فى مواجهة إسرائيل، رغم كل ما ارتكبته وترتكبه حتى الآن. ويعود ذلك بصورة أساسية إلى تمتع إسرائيل بمظلة حماية أمريكية تقيها الخضوع لقواعد القانون الدولى وتحررها من التزام مبادئ الشرعية الدولية وقيمها