هبة عبد الرحمن مرارًا وتكرارًا في «أخبار الحوادث» ومن خلال وقائع مؤسفة وقعت نحذر من الأساليب الاحتيالية التي يمارسها النصاب على ضحاياه من أجل الإيقاع بهم ولهف تحويشة عمرهم إما بحجة استثمار أموالهم في مشاريع وهمية أو باسم السفر إلى أوروبا، وإذا بالباحث عن الثراء المزعوم لا يعيش في الواقع ويظل يسرح في الأوهام حتى يفيق على كابوس وتضيع أمواله التي اقترضها بل ويتهدده السجن في كل لحظة إذا لم يسدد ما اقترضه؛ وهذا ما حدث مع ضحيتنا الذى تعرض لعمليتين نصب لتحقيق حلم السفر للعمل بالخارج، لم يتعلم من التجربة الأولى وإنما صدق النصاب الذي أوقع به في عملية نصب ثانية، حضرت زوجته إلى «أخبار الحوادث» لتروي لنا ما حدث وقد هدها التعب، صحيح أن الزوج ضحية نصاب، لكن هذه الزوجة البائسة التي فشلت في أن تداري دموعها ضحية زوجها الذي لم يحسن التفكير والتدبير؛ لتدفع هي وأولادها الثمن، المسكينة تطلب المساعدة وهي مضطرة لذلك، ولنبدأ الحكاية بل المأساة الآن. «هبة محمد عبد المقصود» من محافظة الدقهلية، اتت وهى تصطحب معها بناتها الثلاث الصغار، لتروى مأساة زوجها ورحلة سفره من قريته «أجا» إلى ماليزيا ومنها إلى كوريا، ليعود يجر خلفه خيبة الامل والضياع، بعد أن أصبح مديونًا بمبالغ كبيرة، بينما فر من نصب عليه هاربًا وأصبح فص ملح وذاب، ومرت شهور كثيرة دون أن يعرف لهما طريقا، قضاها الزوج في البحث عنهما ليحرر محضرًا لهما دون جدوى، تكاثرت الديون عليه وتحولت حياتهم الى جحيم بعد أن اغلقت جميع الابواب فى وجهه، ويتبدل الحال بين ليلة وضحاها من الحياة البسيطة الهادئة التى كانت تمر بحلوها ومرها، إلى ايام من التعاسة والفقر والجوع والحسرة. ووجدت الزوجة المسكينه بصيص الامل في عرض مأساة أسرتها، ربما تعرف أحد على هذا النصاب الذى استولى من زوجها على ماله، ليتمكنوا من استعادة حقهم وتقديمه للعداله ليأخذ جزاءه، وايضا ايجاد يد المساعدة لانتشالهم من البؤس الذى يعيشونه هم وبناتهم الصغار. بدأية المأساة وفى مشهد تدمى له القلوب قبل العيون، جلست الزوجة المغلوبة على امرها «هبة» 38 سنة ربة منزل، وحولها بناتها الصغار ندى «13سنة»، وهنا «12سنة»، وياسمين «7سنوات»، وصوت بكائهن بدموع لا تنقطع يهز صمت المكان، وهن يسمعن الام تروى مأساة الزوج والأب»حمادة محمد بدر الدين» 42 عاما من البداية، وهى تقول:زواجنا عمره 17 عامًا، زواج تقليدى فنحن من ابناء قرية واحدة وظروف اجتماعية واحدة، اسر بسيطة لكن عايشين في أمان راضين بحياتنا، فأنا لم اكمل تعليمى وايضا زوجى لم يمتلك أى شهادة تعليمية، لكن والده يمتلك بيتا بسيطا، بنى اسفله «فرن» عيش بلدي، وكان زوجى يعمل معه منذ طفولته، تزوجنا فى بيت العائلة وكان يسكن معنا في نفس البيت شقيقيه مع زوجتيهما، عشنا فى البيت خمس سنوات كانت والدته - رحمها الله - مريضة سرطان، وفى خلال هذه السنوات لم انجب رغم محاولاتنا ولعل حكمة ربنا أن اقضي تلك الفترة فى خدمة حماتي المريضة، خلال هذه الفترة مر زوجى بوقت عصيب، ف»الفرن» الذى كان يعمل فيه قد توقف بسبب هذه الظروف التي مرت بها العائلة، حيث أن والده اضطر للحصول على قرض بضمان الفرن ولم يتمكن من سداده قبل وفاته، ما أدى الى سحب الترخيص من الفرن، ويشاء المولى بعد وفاة حماتي أن يرزقني الله بابنتي الكبرى، وعمل زوجى فى كل وظيفة تقابله، لكن للأسف بدأت المشكلات عندما طلبت شقيقاتهم البنات حقهم فى ورث والدهم فى البيت. حاول الاشقاء الثلاثة تقديم الوعود لشقيقاتهم البنات بإعطائهم حقهم مع الوقت، لكن أمام إصرار البنات على الحصول على ميراثهن دون الانتظار، اضطروا لبيع البيت وتوزيع امواله، وكان نصيب زوجى وقتها 150 ألف جنيه، وبالطبع لا تكفِى لشراء شقة تمليك، واضطررنا لتأجير شقة صغيرة، أما زوجى فقد هداه تفكيره بعد نصائح من بعض الأصدقاء بالسفر للعمل بالخارج، عرفوه عن طريق شخص الذي دله على آخر يساعده على السفر إلى ماليزيا هكذا اقترح عليه السفر إلى هذه الدولة بزعم أن فيها فرص عمل كثيرة وعائدها مجزي، استغل إرثه الذى حصل عليه للسفر، اعطى معظمه لهذا الشخص وبقى معه مبلغ قليل، وسافر زوجى يملؤه الأمل لتوفير حياة كريمة لنا، قضى 7 أشهر هناك دون الحصول على أى فرصة للعمل بل كان يرسل لى المال من باقى ما سافر به زاعمًا لي أنه من الوظيفة التي التحق بها هناك، وعندما نفذ المال ولم يجد أى فرصة للعمل عاد يجر أذيال الخيبة، وراح يبحث عن الرجل الذى اوهمه بالسفر لكن دون جدوى. الوهم مرة أخرى تستكمل الزوجة «هبة» كلامها بدموع لم تتوقف قائلة:بعد مرور عام من الواقعة المؤلمة، لم يجد زوجى غير المعاناة للبحث عن عمل، وكان الله قد رزقنا بابنتى الثانية وكانت المصاريف أرهقت كاهلنا، وانتقلنا من شقة لأخرى بسبب الإيجار، وأخذ حلم السفر يراوده مرة اخرى خاصة بعد أن اخبره احد الجيران أنه سافر للبلد الخطأ، ودله على طريق شخص آخر يقوم بتسفير العماله للخارج لكن بمقابل مادى كبير وأوهمه بأن هذا الشخص مضمون وأنه يمتلك مكتبا لتسفيرالعماله للخارج، وساعد كثيرين، وضرب له مثلا جارنا الذي سافر بواسطته إلى إحدى الدول الاجنبية ولا يزال هناك. هنا قرر زوجى الحصول على قرض من أحد التطبيقات التي تمنح قروضًا، وبعد أخذ الضمانات أعطوه140 ألف جنيه، دفعها جميعها للوسيط للسفر الى اوروبا وعد عدته وحمل حقائبه يحدوه الامل من جديد لتعويضنا عما فات، وتكون الكارثة أن حلمه تحطم قبل أن يحط قدمه فى البلد المسافر اليها؛ حيث انه عندما هبطت الطائرة وجد نفسه فى مطار «كوريا»، رفضت السلطات هناك مروره وتم عمل الرفض على جواز سفره، وترحيله إلى بلده مرة اخرى، الغريب انه لم يتمكن من معرفة السبب، رغم ان الرجل صاحب مكتب السفر هو من قام بتجهيز الأوراق المطلوبة، وأوهمه بأنها سليمة، وفى طريق عدته قضى زوجى شهرين ترانزيت فى إحدى الدول العربية، حاول أن يجد حلا دون جدوى، وعاد من جديد والخيبة والضياع يطارده، والمفاجأة أن جارنا الذى شجع زوجى على السفر عاد هو الآخر خائب الامل بعد شهرين من عودة زوجى واتضح انه كان ضحية هو الاخر للنصاب الذى أوهمهم بحلم السفر الزائف وضاع الاثنان وراء هذا الحلم. انهارت الزوجة «هبة» فى بكاء شديد وانهار معها بناتها الصغار، محاولين تهدئة أمهن، وببراءة قالت الطفلة الصغيرة «هنا» وهى تبكى بدموع غزيرة: (بابا صعبان عليا أوي). وعادت هبة تستجمع قواها وتقول: منذ عودة زوجى من 8 سنوات وهو يبحث عن الرجل الذى نصب عليه لاسترداد حقه بالقانون، لكن دون جدوى، وبعد أن كان هو واشقاؤه يمتلكون «فرن» عيش اضطر للعمل فى فرن لكن بسبب مشكلات مع العمال اضطر صاحب الفرن لطرده، بعدها عمل فى بنزينة وللاسف اتحرقت بعد فترة، مرة ثالثة عمل فى مصنع وتركه ايضًا. تصمت الزوجة قليلا وتقول: كانت عندنا سيارة فيات»128» قديمة لم يقم ببيعها فى ظل خساراته المتعددة، استغلها في توصيل من يطلبه لكن هذا يحدث على فترات بعيدة نظرا لسوء حالة السيارة وسيرها البطيئ. تسديد الديون وبأسى ودموع عينيها قالت الزوجة:الكارثة ان القرض كان له وقت للتسديد وعندما حل اضطر لاقتراض المال من المعارف والاقارب والجيران لسد القرض حتى لا يتعرض للسجن، لكن في المقابل كتب إيصالات أمانة على نفسه، مع الاتفاق أنه فى حالة التأخير تزداد قيمة الفوائد بنسبة شهرية، القرض لا يزال باقي عليه لتسديده بالكامل لهذا التطبيق بالفوائد 5 أشهر بالإضافة لتسديد إيصالات الأمانة التى تزيد فوائدها شهرًا بعد آخر، وزوجى لا يعمل حتى صحته أصبحت من سيئ لأسوأ. انتقلنا لأكثر من 4 شقق ايجار جديد، ووصل بنا الحال الآن إلى انقطاع الغاز عن الشقه بسبب عدم دفع الاقساط المستحقة، كما اننا لم ندفع الإيجار منذ 7 أشهر، وصاحب الشقة هددنا بالطرد لعدم الدفع، ولا نعرف إلى اين نذهب ببناتى الصغار، فأسرتى بسيطة الحال، امى مسنة مريضة يكاد معاشها يكفيها، وشقيقى عامل بسيط، واشقاء زوجى نفس الحال. وأنهت الزوجة المغلوبة على أمرها كلامها بدمع عينيها قائلة:أتقدم باستغاثتي إلى كل من يهمه الامر، لم يعد بيدنا شيء لفعله، نريد مساعدتنا للوصول الى هذا النصاب الذى استولى على أموالنا بأكذوبة الحلم والسفر إلى الخارج، حتى نتمكن من تقديم بلاغ ضده ونسترد ولو جزء من أموالنا التي نهبها الاثنان، واستغيث بأصحاب القلوب الرحيمة مد يد العون لزوجى بفرصة عمل لتسديد الديون التي حاصرتنا من كل اتجاه، القرض من ناحية وأصحاب الدين من ناحية ثانية وإيجار الشقة وإيصالات الغاز والكهرباء من ناحية ثالثة، فنحن نعيش حياة صعبة للغاية لا يتصورها عقل، بناتى الصغار يدفعن بعجزنا عن شراء الكتب الدراسية لهن، والحياة كل يوم تزداد سوءًا ولا نعرف ماذا نفعل؟! وفى النهاية ربما تكون مأساة «حمادة» بكل ما تحمله من معاناة وقهر وسوء حال رسالة توعية وتنوير وعبرة، لكل من يحلم بالهرولة والسفر وتكون النتيجة هي الوقوع في براثن النصابين. اقرأ أيضا : نصب وسمسرة.. سقوط المتهمين بالاستيلاء على أموال راغبي العمل بالخارج