تستعد مصر لحدث ينتظره العالم منذ سنوات عدة، هو افتتاح المتحف المصرى الكبير فى 1 نوفمبر 2025، فى احتفال أسطورى سيشهده قادة ورؤساء من مختلف دول العالم، هذا اليوم لا يمثل مجرد افتتاح أكبر متحف للآثار فى التاريخ بالعالم، ولا مجرد عرض لمجموعة الملك الذهبى توت عنخ آمون كاملة لأول مرة منذ اكتشاف مقبرته، بل يحمل رمزًا خفيًا فى اختيار تاريخه، وكأن الزمن أراد أن يربط بين بداية الحضارة المصرية وبداية العصر الجديد من نهضتها الثقافية. السر فى برج العقرب 1 نوفمبر، اليوم الذى أُعلن لافتتاح المتحف الكبير، يصادف بداية برج العقرب، البرج الذى ارتبط منذ آلاف السنين باسم الملك مينا، أول موحد لمصر، والذى كان يعرف فى الأساطير المصرية القديمة ب"العقرب العظيم"، وهو اللقب الذى حمل دلالات القوة والسيطرة والحكمة، وهى ذات الصفات التى لازمت مينا فى رحلته لتوحيد مصر العليا والسفلى فى مملكة واحدة، مؤسسًا أول دولة مركزية فى التاريخ الإنسانى قبل أكثر من خمسة آلاف عام. الزمن يعيد نفسه من مينا إلى المتحف الكبير من هنا يبدو أن اختيار يوم الافتتاح لم يكن مصادفة، بل يحمل معنى رمزيًا عميقًا، كأن مصر أرادت أن تبدأ فصلها الجديد من المجد فى اليوم ذاته الذى ارتبط بملكها الأول، فكما وحد مينا الأرضين، يوحد المتحف المصرى الكبير اليوم التراث المصرى كله فى صرح واحد يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، تحكى قصة الحضارة من مينا إلى توت عنخ آمون، ومن الجيزة إلى الأقصر وأسوان وسيناء. افتتاح المتحف المصرى الكبير عودة الروح إلى هوية مصر القديمة، حين تتلاقى الرموز الفلكية بالتاريخ السياسى، فى مشهد لا يمكن أن يحدث إلا على أرض المصريين القدماء. العقرب الذى أسس مصر يُعد الملك مينا "نعرمر" أول موحد لمصر العليا والسفلى، ومؤسس الدولة المصرية الأولى نحو عام 3200 قبل الميلاد، وتظهر صورته على اللوحة الشهيرة المحفوظة بالمتحف المصرى بالتحرير، والتى تعرف بصلاية نعرمر، وهو يرتدى تاجى الوجهين القبلى والبحرى، في مشهد يرمز إلى توحيد القطرين تحت راية واحدة. تُظهر اللوحة مينا وهو يضرب أحد أعدائه، في إشارة إلى انتصار القوة المصرية ووحدة الدولة، بينما تحيطه رموز المعبود حور، المعبود الحامي للملوك تأكيدًا على شرعيته. قراءة في الرمزية المصرية يقول الدكتور سليم حسن في موسوعته "مصر القديمة" إن مينا لم يجعل من "منف" عاصمة ملكه، لكنها كانت قاعدة دفاعية قوية لحماية الشمال من غزوات اللوبيين، وهو ما يبرز عبقرية التخطيط العسكري والسياسي عند هذا الملك المؤسس. ويضيف الدكتور حسين عبد البصير، فى كتابه "الفراعنة المحاربون" أن مينا كان فرعونًا مقاتلًا من أجل نشأة الأمة، ووضع اللبنات الأولى لدولة العدل والقوة والحق، فكانت مصر بفضله أول دولة وطنية في التاريخ. من العقرب إلى الذهب وبينما كان مينا يلقب ب"العقرب" رمزًا للتأسيس والقوة، يأتي توت عنخ آمون ليحمل رمز الذهب والخلود، ويجمع المتحف المصرى الكبير بين الرمزين معًا بين البداية الخالدة للحضارة المصرية وذروة تألقها الفني، وكأن افتتاح المتحف في يوم برج العقرب رسالة إلى العالم بأن مصر التي بدأها مينا، ما زالت تجدد عهدها بالحياة كلما فتحت بابًا جديدًا للمجد. المتحف المصرى الكبير صرح ضخم يوحد التاريخ يقع المتحف عند سفح الأهرامات، ويمتد على مساحة 117 فدانا، ليكون أكبر متحف أثري في العالم، ويضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، من بينها كنوز توت عنخ آمون كاملة لأول مرة، إضافة إلى عشرات التماثيل الضخمة في البهو العظيم، أبرزها تمثال رمسيس الثاني الذي تم نقله من ميت رهينة ليقف شامخًا في مدخل المتحف كحارس للحضارة. يوم العقرب يوم ميلاد جديد هكذا يكتسب 1 نوفمبر بعدًا جديدًا فى التاريخ المصرى، فهو ليس فقط يوم افتتاح المتحف المصرى الكبير، بل يوم العقرب، اليوم الذى تعود فيه مصر إلى نقطة البداية، لتروى للعالم قصة أول ملوكها من جديد، إنه يوم يربط ماضى مينا بحاضر مصر، ويؤكد أن الزمن مهما مر، يبقى الفلك والتاريخ يدوران فى فلك الحضارة نفسها، الحضارة التى أبهرت العالم على مر العصور.