كل رئيس تحرير لمجلة روزاليوسف كان مشروعًا كاملاً بذاته، مشروع فكر، مشروع مقاومة، مشروع وطن. لذلك؛ حين نتتبع أسماءهم، لا نحصى مجرد تواريخ أو مَواقع وظيفية؛ بل نقرأ فصولاً من رواية كبرَى؛ رواية لم تُكتب بالمداد وحده؛ بل كُتبت أيضًا بالعَرق والدموع والمَنع والمُصادَرة والاعتقال، وبالانتصارات التى راكمت فى وجدان جيل بعد جيل معنى أن يكون للقلم سُلطة أقوى من الرصاص. ها نحن الآن، بعد مئة عام من الحبر والحلم، نقلب هذه الفصول، فصلاً فصلاً، نعيد قراءة الأبطال الذين مرّوا فى ردهات تلك المَدرسة، كل منهم فارس فى معركة مختلفة، وكل منهم أيقونة تحمل سرًا من أسرار «روزاليوسف»، التى لا تزال حتى هذه اللحظة حلمًا يراود كل محب للكلمة.
1- محمد التابعى
غرس الاستاذ محمد التابعى البذرة الأولى لمَدرسة ظلت تتناوب الأجيال على رعايتها. وُلد «التابعى» عام 1896 فى المنصورة، وبدأ حياته موظفًا لكنه لم يجد فى الروتين الإدارى ما يُشبع شغفه بالكتابة، فانجذب إلى الصحافة؛ حيث وجد ضالته: الحرية الممزوجة بالمُخاطرة، والكتابة التى تتجاوز حدود الورق لتصبح فعلاً فى الوعى العام.
فى العشرينيات، تَعرّف «التابعى» إلى «فاطمة اليوسف» الممثلة التى قررت أن تؤسّس مَجلة مختلفة، جريئة.. ورأت فيه السيدة روزاليوسف رأت فيه قلمًا لامعًا، قادرًا على صياغة جُمَل كالرّماح، فأوكلت إليه مهمة تحرير المَجلة. وهكذا أصبح «التابعى» أول رئيس تحرير فعلى لها؛ ليمزج بين خبرته الصحفية وموهبته الأدبية، ويمنح المَجلة هوية خاصة قائمة على السخرية اللاذعة والجرأة فى نقد السُّلطة.
لم يكن «التابعى» صحفيًا عاديًا؛ بل كان صاحب مَدرسة كاملة فى الكتابة. أسلوبه وُصف بأنه «مَدرسة للتشويق»؛ إذ كان يكتب مقالاته كأنها قصص قصيرة، فيها بدايات تشد القارئ، وحبكات تُصّعد الأحداث، وخواتيم تترك أثرًا لا يُمحَى. وقد عُرف بقدرته على الجمع بين المعلومة الدقيقة واللغة الأدبية الساحرة، حتى لقب فيما بعد ب«أمير الكتّاب الصحفيين». ومن خلال «روزاليوسف»، رسّخ هذه المَدرسة، وجعل من الصحافة فنًا أدبيًا لا يقل قيمة عن الشعر أو الرواية.
لم تكن طريقته فى إدارة التحرير سهلة؛ فقد دخل فى صراعات مع السُّلطة المَلكية، خصوصًا أن مقالاته لم تداهن القصر أو الاحتلال البريطانى. كثيرًا ما تعرضت المَجلة للمُصادَرة، وكثيرًا ما وجد نفسه مهددًا، لكنه ظل متمسكًا بفكرة أن الصحافة رسالة وليست وظيفة. كانت مقولته الشهيرة: «لا صحافة بلا حرية، ولا حرية بلا ثمن»، تختصر فلسفته كلها.
تحت قيادته، صارت «روزا» صوتًا جديدًا فى المشهد الثقافى والسياسى المصرى، صوتًا للشباب الطامح فى التغيير، وصوتًا للجمهور الذى كان يبحث عن صحافة تفضح وتكشف ولا تُجامل. من أبرز القضايا التى خاضها «التابعى» عبر صفحات المَجلة هجومه الشرس على بعض رموز الأحزاب السياسية المتواطئة مع الإنجليز، مما جعله فى مرمى نيران السُّلطة، وفى الوقت نفسه بطلاً فى نظر القراء.
لكن «التابعى» لم يكتفِ بالعمل داخل أسوار روزا؛ بل أسَّس بعد ذلك مجلة «آخر ساعة»، التى صارت واحدة من أوسع المجلات انتشارًا.. ولم يكن غريبًا أن يخرج من تحت عباءته جيل كامل من عمالقة الصحافة المصرية: مصطفى أمين، على أمين، وغيرهم، ممن تعلّموا فى مَدرسة «الأمير» كيف تصاغ الحرية جملة بعد جملة. لقد كان محمد التابعى الفصل الأول من رواية «روزاليوسف»، فصلاً ممهورًا بالجرأة، مشبعًا بروح الفروسية، ومفتوحًا على أفق لا ينتهى.
2- أحمد حمروش
وُلد «حمروش» عام 1921، وعاش شبابه فى زمن صاخب تموج فيه مصر بالاحتلال البريطانى والنضال الوطنى؛ لينخرط مبكرًا فى الحياة العامة، ويصبح فيما بعد واحدًا من رموز جيل حمل أحلام يوليو على كتفيه.
وكان أحد الضباط الأحرار الذين قادوا ثورة يوليو لكنه انتهج الفكر اليسارى وعشق الكتابة الصحفية. فى عام 1942 تخرَّج فى الحربية والتحق بالمدفعية، يُعد «حمروش» أحد أبرز مؤرخى ثورة 23 يوليو، ترأس مَجلة «التحرير» وهى أول مَجلة لحركة الجيش عام 52 ثم أصدر أو رأس تحرير «الهدف والكتائب وروزاليوسف» إضافة إلى عشرات المؤلفات والكتب فى السياسة والقصة والمسرح والرحلات.
وعندما أتى «حمروش» إلى «روزاليوسف»، لم يكن مجرد صحفى عابر؛ بل جاء بروح المناضل الذى يرى أن الصحافة ليست نافذة للكتابة فقط؛ بل هى ساحة معركة موازية. فى أواخر الستينيات، حين تولى رئاسة تحرير المَجلة، كانت مصر فى قلب التحولات الكبرى، آثار النكسة، البحث عن مشروع قومى جديد، وإرادة شعبية تريد أن تعيد تعريف ذاتها بعد هزيمة ثقيلة. وفى هذا السياق، كان ل«روزاليوسف» تحت قيادته نبرة مختلفة.. نبرة تحمل الغضب والأمل معًا، وتبحث عن معنى الهزيمة كى تحوّله إلى درس فى المقاومة.
اشتهر «حمروش» بكتاباته السياسية الحادة، لكنه كان أيضًا مؤرخًا مُهمًا للحركة الوطنية والثورة. كتب موسوعته الشهيرة عن «ثورة يوليو»، التى وثّق فيها الأحداث من الداخل، كونه كان قريبًا من قادتها وفاعلاً فى دوائرها الفكرية والسياسية. هذا الجانب جعله رئيس تحرير يحمل فى جعبته ما هو أكثر من مقالات آنية: كان يحمل مشروعًا توثيقيًا، يسعى لأن يجعل من المَجلة ذاكرة جماعية للأمّة.
واجه «حمروش» تحديات كبرى؛ فمرحلة ما بعد النكسة لم تكن سهلة، لا سياسيًا ولا صحفيًا. القيود كانت كثيرة، والخطوط الحمراء أكثر، لكن قدرته على المزج بين الالتزام الوطنى والجرأة الفكرية جعلته يحافظ على مكانة المَجلة بوصفها صوتًا حاضرًا فى قلب المعركة. ولم يكن غريبًا أن يُحسَب على التيار القومى الذى حاول أن يُبقى على جذوة الحلم مشتعلة، حتى فى أصعب اللحظات.
لقد كان أحمد حمروش رمزًا لفصل من فصول «روزاليوسف»، فصل يمكن أن نطلق عليه «ذاكرة الستينيات»؛ حيث الصحافة تعانق التاريخ، وحيث الكلمة تُكتَب على وقع الهزائم والانتصارات معًا. ومَن يقرأ مقالاته وكتبه يدرك أنه كان يرى الصحافة وسيلة لتوثيق الوعى الجمعى، لا مجرد صفحات للقراءة ثم النسيان.
3- فتحى غانم من أبرز أسماء رؤساء تحرير «روزا» الأديب الكبير فتحى غانم، الذى بدأ مسيرته قبل دخول عالم الصحافة والأدب موظفًا فى إدارة التحقيقات فى وزارة المعارف، وكان يعمل معه أحمد بهاء الدين وعبدالرحمن الشرقاوى، ثم اتجه للعمل بالنيابة الإدارية حتى أوائل الخمسينيات.
تخرَّج فتحى غانم فى كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول «القاهرة حاليًا» عام 1944، بدأ مسيرته الصحفية فى مؤسّسة «روزاليوسف» رئيسًا لتحرير مَجلة «صباح الخير»، وانتهى به المطاف فيها أيضًا رئيسًا لتحرير مَجلة «روزاليوسف».
ترأس تحرير العديد من المطبوعات الصحفية هى:
- رئيس تحرير صباح الخير من عام 1959 إلى عام 1966. - رئيس مجلس إدارة وكالة أنباء الشرق الأوسط عام 1966. - رئيس تحرير جريدة الجمهورية «1966: 1971». - رئيس تحرير روزاليوسف «1973: 1977». بالاشتراك مع الأستاذ صلاح حافظ. - وكيل نقابة الصحفيين «1964: 1968».
أصدر «غانم» عددًا كبيرًا من الأعمال الأدبية التى تحوّل عدد منها لأعمال سينمائية وتليفزيونية، من أشهرها: «الجبل، الرجل الذى فقد ظله، تلك الأيام، زينب والعرش، بنت من شبرا». كان للراحل الكبير فتحى غانم، قدر كبير من الجرأة فى التخلص من الأساليب الكلاسيكية للرواية.
4- صلاح حافظ التحق مايسترو الصحافة الأستاذ صلاح حافظ بروزاليوسف فى بداية الخمسينيات، وقت رئاسة إحسان عبدالقدوس لتحريرها.. وفى مدرسة إحسان أصبح واحدًا من ألمع صحفييها، ثم انتقل فى النصف الأول من الستينيات إلى رئاسة تحرير مجلة آخر ساعة.. قبل أن يعود عام 1966 لروزاليوسف مرة أخرى.. ليتولى رئاسة تحريرها بالاشتراك مع فتحى غانم وقت رئاسة الكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوى لمجلس إدارة المؤسسة. ونجح أن يصل بتوزيعها عام 1976 إلى 150 ألف نسخة.
وكانت لمعارك «صلاح» الصحفية خصوصًا مع موسى صبرى، صديقه اللدود، ومحمد حسنين هيكل، دوى قوى.
ففى مقال: «سادات هيكل وسادات موسى»، شق مشى القلم فى المقارنة بين «خريف الغضب» لمحمد حسنين هيكل، و«السادات بين الأسطورة والحقيقة»، وكان فى ما كتب يُقلب كلامه فوق البراهين والحجج.
وبينما أصاب موسى صبرى من لواذع نقده الشىء الكثير، أخذ على محمد حسنين هيكل، التصاقه، وقربه الشديد بجمال عبدالناصر، ثم خصومته الشديدة لأنور السادات، فأوغل فى التجّنى وتمادَى فى الحقد الأسْوَد، فوصف «صلاح» كتاب «خريف الغضب» بأنه فى الحقيقة «خريف الغلّ». كما اشتهر صلاح حافظ بمجموعة مقالات تحت عنوان «قف».
5- عبد الله كمال
الحلقة الرابطة ومحقق أحلام جيل كبير من الصحفيين فى مصر، المُلقب عند تلاميذه ب«الأستاذ»، كان كاتبًا ومعلمًا.. عبدالله كمال الذى كان للجميع بمثابة الأخ والأب والأستاذ. إنجازاته الكثيرة التى حققها فى وقت قصير، تؤكد أنه كان لديه تصور أن حياته ليست طويلة.. ولذلك كان يعمل أكثر من 18 ساعة يوميًا، يُبدع فى كل أنواع الكتابة.
فور تكليفه بقيادة تحرير «روزاليوسف»، شعر أنها تستحق أكثر من مَجلة أسبوعية، فى عصر تتسارع فيه الأحداث، وتحتاج لمدد خبرى مع التميز بالرأى والتحقيق الصحفى المشهورة به، وبدعم من كل محبيه وبالاستعانة بشباب ذوى فكر جديد اختارهم دون أية وساطة، أعاد إصدار جريدة «روزاليوسف» اليومية، التى كانت توقفت عقب إصدارها فى حياة السيدة «فاطمة اليوسف».
رَدّ عبدالله كمال بعضَ الجميل لمؤسّسته الصحفية الثقافية التنويرية، بإعادة ذراعها اليومية، التى كانت قد فقدتها، وأصبحت خلال وقت وجيز؛ اسمًا قويًا لا يمكن تجاوزه فى المشهد العام. كانت تجربته مليئة بالمعارك؛ فخاض كل أنواع المعارك التى من الممكن أن تتصورها، أو لا تتصورها، من أجل الدولة المصرية والمجتمع المصرى.. ومن ثم.
فتح النار على صفحات «روزا» بإصداريها اليومى والأسبوعى ضد القوَى الظلامية وتجار الدين بكل صورهم فى كل الأوقات، ورصد كل مَظاهر سيطرتهم على النقابات والجامعات، وحتى قفزهم على الحكم فى مصر.
6- أسامة سلامة
40 سنة إلا قليلاً قضاها «أسامة سلامة» فى أروقة «روزاليوسف» منذ أن دخلها متدربًا فى العام 1988.. ليصبح بعد ذلك بسنوات قليلة أحد نجوم «روزا» فى عصرها الذهبى بقيادة عادل حمودة.
على مدار السنوات لم يكن يحفر اسمه فقط بين جيل من العمالقة؛ حيث مَهّد طريقًا مُهمًا أصبح فيما بعد جزءًا من هوية «روزا» نفسها. حدث ذلك من خلال متابعاته ورصده الدؤوب فى الملف القبطى، والذى كان قبله ملفًا هامشيًا فى الصحافة المصرية بشكل عام.
وفى أبريل 2011 صدرت أولى أعداد مَجلة «روزاليوسف» برئاسة تحرير أسامة سلامة. فى فترة مضطربة ومليئة بحالة من التجاذب والاستقطاب فى المجتمع كله.
رغم أن فترة رئاسته للتحرير استمرت قرابة سنة و8 أشهُر فقط؛ فإنه استطاع خلالها التأكيد على مبادئ «روزاليوسف» الرئيسية حتى لا تتوه وسط الأجواء المضطربة أو الأهواء المتربصة وقتها. ففى الوقت الذى كانت صحف أخرى تستكتب قيادات جماعة الإخوان والسلفيين لزيادة توزيعها؛ سَخّرت «روزاليوسف» صفحاتها للمواجهة والاشتباك؛ حيث حمل الغلاف عناوين مثل: «الرئيس محمد مرسى مبارك»، و«يسقط يسقط حكم المرشد» و«نصف رئيس» وغيرها من العناوين التى تُعرّى نوايا الجماعة الإرهابية.
ورغم الفترة الصعبة والقصيرة، استطاع «سلامة» زيادة توزيع المَجلة بشكل تدريجى من 10 آلاف نسخة إلى 17 ألف نسخة فى ذلك الوقت.
7- عصام عبدالعزيز
فى أغسطس 2012 تولى عصام عبدالعزيز رئاسة تحرير «روزاليوسف» مع وصول الإخوان للحكم، واستمرت فترة رئاسته للتحرير لمدة عامين حتى يوليو 2014 وكانت «روزا» فى مواجهة قوية مع الإخوان، وكان داعمًا لكل الزملاء للاستمرار فى المواجهة ودخل معركة بقاء مع نظام الحكم الإرهابى الإخوانى وقتها؛ خصوصًا مع التعرض للتهديدات وإيقاف «روزاليوسف» عن الإصدار لمدة أسبوعين. ومن أكبر المعارك الشرسة التى خاضتها «روزاليوسف» فترة حكم محمد مرسى هذا العام الأسْوَد فى تاريخ مصر معركة تولى الوزير الإخوانى علاء عبدالعزيز فى مايو 2013 حقيبة وزارة الثقاقة وأخونة الإبداع المصرى، وفى العدد (4432) بتاريخ 18 مايو بعد أيام قليلة من تولى الوزير الإخوانى نشرت «روزاليوسف» تقريرًا يدق ناقوس الخطر بعنوان «الخطر الذى يهدد القوة الناعمة بسبب وزير الثقافة الإخوانى» تحذر فيه من خطته الشيطانية لتكميم المبدعين ومحاصرة الفنون الجميلة, وكشفت «روزا» بالوثائق والمستندات تقليص ميزانية الوزارة نحو 20 فى المائة إيذانًا بتراجُع الفعاليات الفنية، وهى الضربة التى أصابت الأوساط الفنية بصدمة نظرًا لأهمية الوزارة المسئولة عن تشكيل الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية.
وقد رفض عصام عبدالعزيز، رئيس تحرير مَجلة «روزاليوسف»، وقتئذ أن تتحول المَجلة إلى بوق للإخوان المسلمين، فما كان منهم إلا تعطيلها وملاحقتها بالأزمات المالية.
8- إبراهيم خليل
عرف قارئ «روزاليوسف» اسم «إبراهيم خليل» مرتبطًا بكشف تفاصل قضايا كبرى وشائكة وشغلت المجتمع لوقت كبير، منها على سبيل المثال قضايا توظيف الأموال وكشف المستور عن شبكات استغلال أموال المصريين بادعاء استثمارها، حتى إن حياته تعرضت للخطر أثناء رحلة البحث عن الحقيقة فى تلك القضايا.
وأيضًا كان أن انفرد بكشف تفاصيل قضية «فساد الحباك»، وهى من أكبر القضايا، و«الحباك» لمَن لا يعرفه، رئيس الشركة القابضة للصناعات الهندسية سابقًا، ورئيس مجلس إدارة شركة النصر للمسبوكات سابقًا أيضًا.
أحيل «الحباك» للجنايات بتهمة الكسب غير المشروع، والتى حكمت عليه بالسجن لمدة 10سنوات. فيما بعد 2011 تم تعيين «خليل» رئيسًا لتحرير جريدة «روزاليوسف»؛ التى أعاد إصادرها الراحل «عبدالله كمال»، فى فترة لم تكن تخلو من الاضطرابات أيضًا، وأتيحت له فرصة لم تتح لأغلب أبناء جيله أو الأجيال التى تلته، وهى الانتقال إلى رئاسة تحرير المَجلة.
ربما يؤخذ على فترة رئاسته التحرير غلبة الإثارة على الدقة فى شكل الموضوعات والمطبوعة بشكل عام، لكن أيضًا استمرت مواجهة الجماعة الإرهابية والأفكار المتطرفة كجزء أصيل من هوية «روزا».
وبين مشواره ضمن الجيل الذهبى ل«روزاليوسف» أو فى رئاسة تحريرها، ركز «خليل» على الخبر والانفراد وظل نموذجًا حقيقيًا ل«المخبر الصحفى».
9- هانى عبدالله
دخل «هانى عبدالله» إلى عالم «روزاليوسف» من الباب الملكى: «الديسك المركزى»؛ حيث تتشكل الأفكار والموضوعات لتتسق مع هوية «روزا». لتتوج تجربته برئاسة تحريرها من عام 2017، بوصفه أصغر رئيس تحرير لمطبوعة صحفية قومية.. رحلة يمكن اختزالها بالقول: «هكذا تختار «روزاليوسف أبناءها»..
لكن قبل ذلك التاريخ بسنوات قليلة، من المهم التوقف عند محطة مهمة وكاشفة، فبينما سيطرت الغيوم على المشهد فى سَنة حكم الإخوان الكبيسة، واضطربت رؤية ورؤى كثيرين من النخبة حول تبعات سيطرة الجماعة الإرهابية على الحكم؛ كان «هانى عبدالله» صاحب مانشيت جريدة «الفجر» تحت عنوان: «الجيش يعود للسُّلطة فى يوليو» بهذا اليقين تحققت النبوءة، كما تحققت نبوءته فى الجلوس على كرسى رئاسة تحرير «روزاليوسف».
كانت ملفات الإسلام السياسى وتفكيك التفكير المتطرف على رأس أولويات تلك الفترة؛ خصوصًا أن دوافع الإسلام السياسى لم تقتصر على مجرد جماعة إرهابية تم عزلها من الحكم فقط؛ بل ظهرت تجليات تلك الدوافع بشكل أوضح فى رغبة بعض الأطراف الإقليمية فى تغيير شكل خريطة المنطقة بالكامل واستهداف الدولة المصرية.
كما قدّم هانى عبدالله أحد أهم الكتب فى الشرق الأوسط التى فكّكت ورصَدت وكشفت خبايا ومؤامرات الجماعة الإرهابية «كعبة الجواسيس.. الوثائق السرية لتنظيم الإخوان الدولى»، الذى نُشر على حلقات فى «روزا».
10- أحمد الطاهرى أحمد الطاهرى، من أولئك الذين تعلموا أن الصحافة ليست مجرد مهنة؛ بل مصير يُعاش. بدأ رحلته محررًا دبلوماسيًا، لكنه سرعان ما حوّل الأخبار الجافة إلى قصص تنبض بالحياة. كانت تقاريره من العواصم الكبرَى تجمع بين عمق التحليل وأناقة السّرد.
حين تَسَلّم «الطاهرى»، فى نهاية سبتمبر 2020، قيادة «روزا»، كانت الدنيا كلها تحت وطأة وباءٍ أوقَف الزمن. لكنه صاحب الطموح بلا حدود، ليس فقط فى تولى رئاسة تحرير أهم مَجلة سياسية أسبوعية؛ ولكن أيضًا فى تأسيس قناتنا الإقليمية «القاهرة الإخبارية».
فى «روزا»؛ ابتكر فكرة الغلاف الثانى، كرؤية اقتصادية تنقذ المَجلة لزيادة إعلانات المَجلة، وتعيد التوازن إلى مواردها. ثم أطلق مشروعه النسوى الجرىء: «نون القوة»، مَجلة من رحم «روزاليوسف» تُعلى صوت المرأة المصرية وتفتح مساحات للتمكين والفكر والإبداع.
لكن جوهر تجربة «الطاهرى» تكمن فى تكوين شكل مختلف للمَجلة، كما أعاد فتح أبواب المَدرسة العتيقة أمام الجيل الجديد، وكرّم الأساتذة الذين أسهموا فى مسيرة «روزا»: «كرم جبر، محمد عبدالمنعم، مفيد فوزى،جمع الأجيال فى صورة واحدة، ليقول إن مَدرسة «روزاليوسف» تعرف معنَى الامتداد.
قال يومًا: «لن تنجح التجربة إلا إذا كانت تجربة جيلٍ كامل، لا فرد واحد». ومنذ تلك اللحظة، صار يقود المَجلة لا بصفته رئيس تحرير؛ بل بصفته مؤمنًا بأن لكل جيلٍ موعدًا مع التاريخ.
11- أحمد إمبابى جاء أحمد إمبابى رئيسًا لتحرير المجلة فى عام مئوية صدورها.. لم يأتِ «إمبابى» غريبًا عن «روزاليوسف»؛ بل خرج من بين جدرانها؛ تلميذًا فى صفوفها، وصوتًا تَشكّل من لغتها، فكان امتدادًا طبيعيًا لمسيرة لا تنقطع.
قبل أن يتولى إمبابى رئاسة تحرير المجلة فى منتصف مايو 2025، كان قد قضى نحو 20 عامًا فى «روزاليوسف» تدرج خلالها فى تغطية عدد من الملفات السياسية بداية من ملف الإسلام السياسى والنقابات، وإلى جانب تدريجه التنظيمى فى هيكل التحرير رئيسًا للقسم السياسى ثم مديرا للتحرير وصولًا إلى رئاسة التحرير، كان قد تخصص فى ملف السودان وحوض النيل منذ عام 2008، حيث قام بتغطية أحداث مهمة منها انفصال جنوب السودان.
«إمبابى» لم يكن رَجُل الإدارة فقط؛ بل الكاتب الذى يفهم من أين تبدأ الفكرة وكيف تُصاغ لتخلد. جمع فى شخصه بين دقة الصحفى العصرى ووعى المثقف الذى يقرأ المَشهد لا من سَطحه؛ بل من جذوره. فبدأ بإعادة رسم خريطة التحرير، فاختار وجوهًا جديدة وأعاد الاعتبار لأسماء قديمة، مؤمنًا بأن روح «روزاليوسف» ليست فى أعمدتها بل فى أقلامها. لم يكتفِ بتطوير الشكل؛ بل ذهب إلى الجوهر؛ أطلق ملفات فكرية وتحليلية، أعادت المَجلة إلى دورها التاريخى كمنبرٍ للثقافة والعقل.
فى عهده؛ استعادت المَجلة حضورَها الرقمى بتجربة متكاملة تربط الورق بالشاشة، والمقال بالفيديو، لتحتفل بعهده المجلة بمئويتها، حيث تم تقديم 5 إصدارات خاصة بتوثيق تاريخ المؤسسة وإسهامها الفكرى والثقافى والفنى.