« لكنك لا تعرف يا سلطان المسلمين.. البابا فى روما وكل الحطابين فى الجبال النائية والفلاحون فى مزارعهم والعجائز حول نار المدفأة فى ليالى الشتاء، وآلاف من المسيحيين البسطاء، كلهم ينتظرون عودة ريتشارد وفى يده مفاتيح أورشليم». الناصر صلاح الدين: ريتشارد، أنت تغامر حول «حلم كاذب».
لا أدرى لماذا أتذكر دائماً هذا المشهد الأعظم فى تاريخ السينما المصرية فى فيلم «الناصر صلاح الدين»، وأبتسم وأضحك.. ثم أدرك أن «ريتشارد» عاد من جديد يبحث عن مفاتيح أورشليم، ليعود بها إلى البابا والحطابين والفلاحين والعجائز. ريتشارد سعيد فى قبره، لأن مفاتيح أورشليم الآن فى يد إسرائيل، وأصبحت القدس حلماً كاذباً للمسلمين، وليس لملك بريطانيا، ووضع «ترامب» القدس ومفاتيحها ومستوطناتها وكل شبر فيها فى يد إسرائيل.. وضاعت أورشليم. لم يأت أحفاد ريتشارد إلى المنطقة بجيوش حلفائهم فى أوربا، حتى لا يقتلهم صلاح الدين، ونصحوه «ولماذا نقتلهم طالما يقتلون أنفسهم».. يعني: «سلِّط» المسلمين على المسلمين، ودعنا نتفرج عليهم ونستمتع بقتلهم وصراخهم ودمائهم. أحفاد ريتشارد استدعوا ميليشيات من قلب المنطقة، ومن ذات الأوطان، عرباً ومسلمين بمواصفات أسوأ فى القتل والذبح والتنكيل، من كونراد «محمود المليجي» وزكى طليمات «آرثر» وتوفيق الدقن «والى عكا» وليلى فوزى «فيرجينيا» وعمر الحريرى «ملك فرنسا». فالجيوش «الأوربية الأجنبية» جاءت منذ أكثر من 900 سنة تقود حروبا صليبية، أما الجيوش «الإرهابية المحلية»، فتقود الآن حروباً دينية، المسلم يقتل المسلم ويشويه على النار ويقطع رأسه ويلعب به الكرة، ويغتصب النساء ويتاجر بهن فى أسواق النخاسة.. الجيوش الصليبية لم تفعل ذلك. الجيوش الصليبية جاءت من أجل القدس، والجيوش الإرهابية عادت من أجل دمشق وصنعاء وطرابلس وبغداد، وكل قطعة أرض يمكن أن تطالها، لتحيلها إلى خراب ودمار وقتل ودماء، فلم يعد فى جسد العالم العربى جزء إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح. أحفاد ريتشارد وفروا الجيوش والمعدات وحقنوا دماء جيوشهم، وأشعلوا فى المنطقة حروباً أهلية، وقودها الناس والأوطان، واختاروا بدقة «خونة الأديان» للقيام بالمهمة أفضل ألف مرة من الجيوش الصليبية. الإخوان وشجرة عائلتهم الإرهابية، القاعدة وداعش وبيت المقدس وجماعة أبو سياف وجبهة النصرة وأنصار الشريعة وجيش الإسلام وتنظيم الجهاد وجند الشام، وأسماء أخرى كثيرة، أطلق عليهم الغرب «الصحوات الإسلامية». لم يكونوا «صحوات» بل «نكبات»، ولم يطلقوا رصاصة واحدة، ولم يرفعوا سيفاً ولم يوجهوا قذيفة، من أجل القدس التى حررها صلاح الدين من ريتشارد، ولكنهم صوبوا كل أسلحة القتل والدمار نحو أوطانهم وشعوبهم. فلتسعد يا ريتشارد، أحفاد «من خانوا» صلاح الدين يحققون الآن حلمك فى العودة إلى البابا والعجائز والحطابين والفلاحين بمفاتيح أورشليم، على جثث آلاف القتلى، الذين لم تحصدهم سيوفك، ولكن خيانات أحفاد «والى عكا» الذى سلمها لجيوش الصليبيين. فلتسعد، و» لماذا تقتلهم أنت طالما يقتلون أنفسهم « ؟