في أحد الاجتماعات مع الرئيس مبارك طلبت منه أن نهتم بالاطفال اكثر فقال لي الرئيس: حاضر يا ماما نعم.. فطلبني استاذي مصطفي أمين بالتليفون وقال لي (خلاص اصبحت ماما نعم بقرار جمهوري) ياه.. أهكذا يمر العمر سريعاً.. أهكذا نصل إلي العدد «العشرين ألف» من الحبيبة الأخبار!! ولأننا عشنا في حب الحرف والكلمة وملاغاة القراء الأحباء.. ومثل كل المحبين يمر العمر سريعاً.. وتمر ساعات الحب سريعاً كلمح البصر... واستعيد ذكرياتي منذ عام 1955 حينما لم يسمح مجموعي الهزيل لدخول قسم الصحافة بكلية الاداب ويفتح لي استاذي عميد الكلية باب الأمل بأن يعدني بالدخول لو استطعت أن أعمل في أي صحيفة.. وكانت الأخبار هي بوابة الأمل وكان استاذنا العظيم مصطفي أمين هو صاحب المفتاح وذهبت إليه وقلت له. - لو لم أعمل بالاخبار فلن أدخل الجامعة! فقال لي أنا محتاج لسكرتيرة لشئون الانتاج الأدبي للقراء ثم دفع إليّ بدوسيه مكتظ بالخطابات وما إن فتحته حتي وجدت قصصا ومقالات اصبح اصحابها اسماء لامعة في سماء الأدب بعد ذلك وقد طلب مني ان الصق بكل خطاب ورقة بها تعليقي علي الخطاب واصبح سراً من اسرار العمل لان معظمهم كما قلت اصبحوا هم كبار الادباء. وفي نفس الوقت قمت بالعمل مع الراحلة العظيمة فتحية بهيج في آخر ساعة وكان أول موضوعاتي حوارا مع الراحل العظيم الشيخ الباقوري وقد نال الحوار اعجاب الكثيرين ومنهم الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل والذي قال لي: قولي للاستاذة فتحية إنك حتشتغلي في آخر ساعة وفعلاً بدأت حوارات مع كبار الكتاب وزوجاتهم وانتقل الاستاذ هيكل إلي الأهرام ولكني التزمت بالأخبار فقد كانت بالنسبة لي بيتي الذي اسكن إليه وقد كانت الجريدة المفضلة في بيتنا في تلك الأثناء وبعد تأميم الصحافة وكان بابا شارو يحرر باب الأطفال طلب مني أن أحرره وفعلاً بدأت اكتب للصغار وغيرت في الباب واضفت مواد جديدة تهم الطفل حيث كان بابا شارو يكتب قصة ثم مسابقة الكلمات المتقاطعة فأضفت حدوتة قبل النوم وطلبت من الرسام بشري ابو سيف ان نخترع شخصية ونحركها كل اسبوع وكانت شخصية طفل اسمه سرحان ولكنه كان شديد الذكاء وكنا نحركه مرة سرحان في الامتحان ومرة في المدرسة ومرة في الصيف ومرة في الشتاء ونجحت شخصية سرحان وكنت اكتب اخبار المدارس والأوائل فارتبط الأطفال بالباب واصبح نافذة لهم وبدأت رسائلهم تتواصل معي وظللت أحرره لمدة 45 عاماً حتي تغير شكل الجريدة والغيت الابواب وكنت قد بدأت في كتابة موضوعات مختلفة وكذلك يوميات الأخبار ولم اترك العمل في آخر ساعة فكنت أقوم بعمل حوارات مع زوجات المشاهير وجمعتها في كتاب بعد ذلك تحت نفس العنوان ولكن كانت علاقتي بالأخبار هي الأكثر (حميمية) وكنت أفكر دائماً في عناوين جديدة وحوارات جديدة ولكن الحوارات المصورة كانت من نصيب آخر ساعة. ماما نعم بقرار جمهوري وفي أحد الاجتماعات مع الرئيس مبارك طلبت منه أن نهتم بالاطفال اكثر فقال لي الرئيس: حاضر يا ماما نعم فطلبني استاذي مصطفي أمين بالتليفون وقال لي (خلاص اصبحت ماما نعم بقرار جمهوري) وكانت كلمة استاذي مصطفي أمين كما البلسم في رفع معنوياتي واحسست فعلاً أنني ماما نعم بقرار جمهوري ذلك لان اساتذنا مصطفي أمين كان شديد الحرص علي تشجيعنا وعلي رفع معنوياتنا وكنا كلما قمنا بعمل موضوع مهما كان بسيطا يناقشنا ويشجعنا ويدفعنا للمزيد من العمل. لقد كانت استاذيته من نوع شديد المقدرة علي التعليم دون أن نشعر أنه يعلمنا.. كان يشعرنا أنه زميل لنا وكثيراً ما كان يتعمد أن يأخذ رأينا في مقالاته لمجرد احساسنا بأننا كبرنا واصبحنا أصحاب رأي حتي في مقالاته. طريق طويل سلكناه ولم نكن وحدنا بل كنا في رعاية عظيمة واستاذية لا أعتقد أنها سوف تتكرر فقد أصبح الكبار مشغولين الآن بالعلاقات برءوس الدولة ولم يعد لديهم الوقت ليراعوا تلاميذهم ولكن لا اترك أحدهم بلا موهبة الاستاذية فإن بعضهم مازال يعيش الاستاذية كما عاشها مع اساتذته. ومن الملاحظات الرائعة التي لا أنساها أن أستاذنا مصطفي أمين كان يتعمد أن يخضع لملاحظاتنا ليس إحساسا منه أنها مهمة ولكن ليشعرنا أننا تفتحنا وأصبحنا في ندية معه كما قلت حينما كان يأخذ رأينا في مقالاته. مازلت اذكر ملاحظاته المهمة والتي كان لها أكبر الأثر في مسيرتي الصحفية وأنه كان لا يترك سطراً كتبناه دون أن يقول ملاحظته عليه. وملاحظات أستاذي مصطفي أمين مازالت ماثلة امامي للآن وكلما كتبت مقالاً أقول في نفسي: تري لو كان موجوداً هل كان سوف يكون راضياً عن مقالي هذا؟ عن علي أمين أقول أما استاذي علي أمين فقد علمنا من فكرته أن القارئ لم يعد لديه وقت ليقرأ مقالاً طويلاً إلا لو كان حول حدث مهم وقد كانت فكرة تحمل إلينا كل يوم مفتاحاً للحياة ونظرة متفائلة للغد وأن الحياة حلوة وجميلة وأنه مهما كانت أمامنا صعوبات فإن الحياة تمتص أي صعوبات وتسير بنا نحو الافضل دائماً. كانت فكرة علي أمين هي (الاصطباحة) الجميلة التي تفتح القلب والعين للحياة وكان لا يزرع الأمل فقط بل كان يرسم طريق الأمل أيضاً وكان شديد المقدرة علي الامساك بالخيوط ليجعل الانسان يسير الي الطريق الصحيح. واستطاع علي أمين ان يكون صاحب مدرسة الأمل وصاحب بوابة النجاح لدرجة أن كل من فقد الأمل كان يقرأ فكرة علي أمين ليتزود منها بالامل. وهكذا نجح الأخوان امين في أن يكونا صاحبي مدرسة في الصحافة من أجل الناس لا صحافة من أجل الدولة.. استطاع الأخوان أمين أن ينزلا إلي الشارع المصري ليأخذا بيد القارئ ويقولا له أنت السيد ونحن تحت أمرك.. اطلب تطاع.. استطاعا أن يخلقا من الورق ميدان للأمل وميدانا للحياة واصبحت الصحافة في خدمة القارئ وتحت أمر أحلامه. التلاميذ في مدرستهم وكان الابداع منهما ليس في الكتابة والنزول إلي الشارع فقط ولكن الابداع وصل الي اكتشاف النجوم وليس نجوم الكتابة فقط ولكن نجوم الرسم الساخر والكاريكاتير الذي يعبر عن أحلام الناس فكانت نكت أخبار اليوم بكل سخريتها وتعبيراتها من رسوم رخا وصاروخان كأنها نزلت الي القارئ وأخذته من يده ورسم معها وضحك من رسومها. وظهر الكاتب العظيم الراحل انيس منصور وظهر الساخر احمد رجب وظهر الراحل العظيم مصطفي حسين بشخصياته التي خرجت من عمق الشارع المصري مثل كمبورة وعبدالروتين والكحيتي وغيرهم. وكان أنيس منصور رحمه الله أول من مزج الادب بالسياسة وترك أستاذيته في كلية الآداب واختطفته صحف ومجلات أخبار اليوم وذلك للمقدرة الفذة للأخوين أمين علي اكتشاف المواهب التي تستطيع ان تتحاور مع الشارع المصري. واصبح لكل من كتاب ورسامي أخبار اليوم والأخبار مريدون ومتحمسون في الشارع المصري حتي أننا كنا نجد في كل مجتمع امثلة من هذه الشخصيات التي خلقها الأخوان أمين والبساها ثوبا من أثواب الشارع المصري حتي اصبحت موجودة كأنها شخصية تعيش فيه. المرأة وأدوارها ولم تكن مدرسة أخبار اليوم مقصورة علي النزول الي الشارع المصري سواء كتابة أو رسما دائماً كان لصحفها دور عظيم في تثبيت وضع المرأة في المجتمع واخضاعها لتجارب جديدة فقد قامت الاستاذة الراحلة حسن شاه بدور كمسارية لتقول للمجتمع أن المرأة يمكنها خوض كل أنواع العمل وكذلك قمت بدور سائحة هندية لأكشف كذب مدعي العلم من المترجمين وقد كشفت عدم علمهم بأي شيء فقد قال لي أحدهم أن القلعة قد بنيت بأحجار من الهرم الأكبر وأن المراكب التي في النيل منذ العهد الفرعوني وأن خان الخليلي كان حياً لرجل اسمه الخليلي. ومعلومات كاذبة كثيرة جداً وحينما كتبت الموضوع انتظرني التراجمة خارج الجريدة (ليضربوني) ولكنهم لم يتعرفوا علي لأنني كنت قد خلعت الساري الهندي ومحوت النقطة الحمراء وعدت كما انا. علي المقهي ومن الموضوعات المثيرة أيضاً أنني ارتديت ملابس رجل وجلست علي المقهي وحاولت أن أعرف كيف يتحدثون عن المرأة وكان حواراً رائعاً ولكني لم أكتبه لأن كل الرجال كانوا شديدي الحنق والغيظ من زوجاتهم من أجل (مصاريف البيت) واللاتي لا يتركن لهم ولا مليما وكذلك وجدت أن الرجال قد تضايقوا من عمل الزوجات وأن هذا أهمل البيت والأولاد وكان ذلك في الخمسينيات عند بداية عمل المرأة ولم يكن الرجال قد تعودوا علي عمل النساء بعد. وقد اشتركت مع الرجال في حواراتهم عن النساء وعمل النساء لدرجة أنني (خفت) ان يكتشفوا أنني امرأة ولست رجلاًِ ولكن لان صوتي ليس رفيعاً مثل النساء لم يشعر أحد بأنني سيدة وظلوا يتحاكون ويشكون من زوجاتهم لدرجة أنني لم أستطع أن أكتب كل ما قالوه لان بعضه كان يقع تحت طائلة القانون ويصل اليحد السباب وبعد ان جلست علي أكثر من مقهي في أحياء مختلفة وكذلك مستويات مختلفة منع صديقي الراحل العظيم أنيس منصور الموضوع من النشر وقد قال لي. حيضربوكي وهيكتشفوا إنك خدعتهم ولم ينشر الموضوع وندمت حتي الآن لعدم النشر ولكن لم أكن أجرؤ علي عصيان استاذنا أنيس منصور فقد كان رئيسا للتحرير شديد المقدرة علي تمزيق ما نكتب مهما كانت أهمية الموضوع وقد مزق لي رحمه الله موضوعاً عن راكبات العربة الكارو حيث ركبت معهن في يوم العيد وكدت أرقص لولا أن المصور (أحمد يوسف) رحمه الله رفض ان ارقص وأنا كنت متقمصة الدور وكانت رحلة جميلة جداً من حديقة الحيوانات حتي الهرم مع سيدات في منتهي الظرف ولم اكن اعرف أن ركوب (الكارو متعب) لهذه الدرجة ولكنه ظريف ويشعر الانسان بالسعادة الجماعية وأنه جزء من مجتمع يعيش ليسعد نفسه. مغامرات كثيرة وشديدة الغرابة وينتقل الانسان فيها من قمة العمل إلي قمة السعادة ثم أعود إلي البيت لأكتب واستمتع بما حدث وأنا أعيد تذكر ما حدث لحظة بلحظة واتعجب من بناتنا الصحفيات هذه الأيام فلا مغامرات ولا مواضيع غريبة وكأن كلا منهن سهير القلماوي وأمينة السعيد.. أتمني ان تعيش كل منهن سنها وشبابها وأن تقوم كل منهن بمغامرات كما كنا نفعل وأن تكتشف كل منهن نفسها ومجتمعها وهذا وحده هو لذة العمل الصحفي. متعة الحروف الحرف بجانب الحرف = كلمة الكلمة بجانب الكلمة = جملة.. الجملة بجانب الجملة = معني.. ثم سطر وسطر وتصبح الأوراق مليئة بالاحرف والاحرف كلمات والكلمات من القلب والعقل ويصبح للحرف صفة فهو يتماسك مع آخر ليصبح كلمة والكتابة ليست سهلة كما تتصورون ولكنها صعبة حيث لابد من معني لكل كلمة ولكل جملة وكل جملة مفيدة هي مفيدة فعلاً وقد رأيت منذ بدء الكتابة أن الكلمة لو لم تكن مفيدة فلن تكون الجملة مفيدة أبداً لأن الجملة هي عدة كلمات ولو لم تتماسك الكلمات لتصبح جملة لفقدت معناها.. ومعني الكلمات هو الحياة لهذا فالحرف حياة فلا يمكن أن تكون الكلمة.. كلمة لو نقصت حرفا وجربوا تجدو (كلامي صح) لهذا فنحن نتمتع بكل حرف مثلا أنا أكتب كلمة (بكل) الباء والكاف واللام.. لكل حرف منها صفة لان يوصلك الي معني لهذا فالحرف له صفة التواصل وبلا حروف يلتقي بعضها بالبعض لفقدنا الكلمات وبالتالي لفقدنا المعاني كلها لهذا نحن نجد أن للحرف صفة. كنت وأنا صغيرة أحب أن ارص الحروف قبل أن اتكلم (الكلام المشبك) وكان للحرف متعة فكنت اكتب اسمي هكذا (نعم) وانظروا إلي النون تجدوا أنها مثل الصحن وبه قطعة الحلوي أو الجبن أو اللحم مثلا بالنسبة لي احب الصحن بالحلوي وبالنسبة لزوجي رحمه الله كان الجبن وبالنسبة لشقيقتي الراحلة رحمة الله نجاح قطعة اللحم لهذا فحرف النون يختلف من شخص لآخر. أما حرف الميم (م) فهو مع اضافة الف (أم) وهي أعزة ما في الحياة ومع اضافة باء تصبح (بم) أي صوت فرقعة ومع اضافة (س) تصبح (سم) وهو مالا نحبه أما اضافة حرف اللام فيصبح (مل) أي من الملل وهو ما يحدث لنا هذه الأيام فالملل اصبح شيئا ملازما لأحوال الناس حتي لو لم يكن لديه إحساس به فالملل قادم قادم. والإحساس بالملل لا يمكن التخلص منه بسهولة الا لو حدث ما يخرج الانسان منه بمفاجأة مثل اغلاق النافذة فجأة بالهواء أو مكالمة تليفون فيها خبر جميل أو خبر نص نص.. والإحساس بالملل يكثر هذه الأيام ولا أعلم هل هو بالنسبة لي فقط أم بالنسبة لكل الناس ولعل الملل يزداد في الحر ولا يزداد في الشتاء حيث يكون الانسان أكثر نشاطاً لأن الملل مواكب لعدم العمل وانصح كل من يشعر بالملل ان يقوم بعمل شيء أي شيء أن يقرأ مثلاً كتابا لم يقرأه من قبل أو يحاول أن يتحدث مع صديق لم يتحدث معه منذ فترة.. أو يلعب في مفاتيح التليفزيون ليغير المحطات حتي يجد محطة فيها شيء لم يره من قبل أي شيء مجرد شيء يلفت النظر ويقتل الملل.. وبالمناسبة لم استطع ان استبعد الملل.. فالملل له خاصية عدم ترك الانسان في حاله.. كفاكم الله شر الملل. ورغم فرحة العدد «العشرين ألف».. لم يقتل الملل!!!