تذكر لنا كتب التاريخ أن السلطان العثماني سليم الأول عندما أحكم سيطرته علي مصر، وأصبحت مصر ولاية عثمانية خالصة (1517م) أمر بترحيل أصحاب الحرف والعمال المهرة إلي الأستانة، عاصمة الدولة العثمانية.. وما إن يظهر عامل ماهر أو صانع محترف إلا ويتم ترحيله علي الفور.. وهو ما استخدمه سليم الأول في بناء القلاع والقصور والمساجد التي لا تزال قائمة وشاهدة علي عظمة الصناع المصريين في تركيا.. ونتيجة للفراغ الذي نشأ نتيجة ترحيل هؤلاء العمال المهرة، نشأت طائفة من العمال غير المحترفين، الذين ينتمون إلي الطبقات الفقيرة، والذين يتنقلون من مهنة إلي أخري، ويعملون فيها بشكل أقرب إلي اليومية.. ويبدو أن لعنة » سليم الأول» لا تزال تبعاتها قائمة حتي اليوم في المجتمع المصري، وإن تغيرت ملامحها واختلفت أوضاعها.. فلا يوجد في مصر حالياً عامل »ماهر»، ولا صانع » محترف»، وإنما يوجد » صنايعي فهلوي».. وهناك فارق كبير بين الصانع والصنايعي، وبين الماهر والفهلوي.. صنايعي اليوم لا يهمه الاتقان، ولا الإجادة، وإنما يتعامل مع كل شيء علي أنها » سبوبة».. وهو يتعامل مع أي زبون أو عميل علي أنه » زبون طياري»،لن يراه أبداً بعد انتهاء الشغلانة.. لذلك، فمن الممكن استغلاله وخداعه وإلباسه الطاقية.. العمال المهرة الحقيقيون مسافرون وموجودون في البلاد العربية.. أما من بقي في مصر، فهم » سد خانة» في معظم الأحوال..ويا ويلك إن وقعت تحت يد صنايعي،ويا ويلك أكتر لو كنت لا تعرف أبعاد الشغلانة التي تطلبه للقيام بها.. ستكون في هذه الحالة صيداً ثميناً لمن لا يرحم ولا يقدر الظروف.. وعلي الرغم من أهمية الصناعات اليدوية، وارتفاع أسعار العمل فيها، فإن هناك نقصاً في الاتجاه نحو التعليم الفني أو المهني.. كثير من الأسر المصرية تعتبر أن إلحاق أولادها بهذه المدارس أو بهذا النوع من التعليم هو نوع من » الفضيحة المجتمعية»، وكثير من الشباب ممن يلتحقون بهذه المدارس يعتبرونها نوعاً من الخزي والعار.. ولذا، فإن هناك نظرة دونية إلي هذا التعليم، وهناك اتجاه سلبي مسبق نحوه، وهناك نوع من عدم الرضا عنه، والنتيجة خروج أجيال لا يقتنعون بما يدرسون، ولا يجيدون ما يتعلمون.. من ناحية أخري، فإن هذه المدارس غير مؤهلة بشكل كاف لتعليم هؤلاء الطلاب المهارات اللازمة للعمل.. معظم ما يتم تدريسه في هذه المدارس هو القشور، هو المبادئ الأساسية، وهي ألف باء الشغلانة.. وهنا يجد الطالب أن التحاقه بالعمل مع صنايعي حتي ولو كان متوسط المستوي، أفيد بكثير من التحاقه بهذه المدارس، التي هي تضييع للوقت، وللجهد، وللمال.. علي هذا، فإن المشكلة مزدوجة.. عار اجتماعي من ناحية، وضعف تعليم من ناحية أخري... والمحصلة النهائية، سوق يخلو من العمال المهرة، وارتفاع جنوني في أسعار هذه العمالة غير المدربة، وجودة عمل أقل من المدفوع فيها.. وكله علي حساب » صاحب المحل» الذي هو أنا وأنت، وكل البيوت المصرية.. إنني أعتقد أن التعليم المهني والفني هو الحل لكثير من أزمات المجتمع المصري، وإنه البداية الحقيقية لتجاوز كثير من المشكلات.. وأنه علي الدولة أن تجعله قضية لها الأولوية في سلم أولوياتها خلال المرحلة القادمة.. وأعتقد أنه حل يضرب عصفورين بحجر واحد : زيادة الإنتاج من ناحية، والقضاء علي الفقر من ناحية أخري.. ما الأجدي بالنسبة للمجتمع في الوقت الحالي : أن يدرس الطالب أصول الفلسفة الإغريقية وفلاسفة عصر النهضة ويجلس بعدها في البيت، أم يدرس كيفية إصلاح » صنبور الحنفية» ومشكلات السباكة ويأخذ 100 جنيه في الساعة الواحدة؟، وما الأنفع : أن يدرس الطالب مدرسة أبوللو في النقد الأدبي وتيار الحداثة في الشعر وينتظر التعيين في الحكومة وهو ما لن لن يتم، أم يدرس التركيبات الكهربائية وإصلاح أعطال الكهرباء ويكسب ما يؤهله لحياة كريمة ؟! نحن شعب نحب الفقر والفشخرة واصطناع المشكلات، رغم أن الحل موجود وسهل ومربح.. تذكر لنا كتب التاريخ أن السلطان العثماني سليم الأول عندما أحكم سيطرته علي مصر، وأصبحت مصر ولاية عثمانية خالصة (1517م) أمر بترحيل أصحاب الحرف والعمال المهرة إلي الأستانة، عاصمة الدولة العثمانية.. وما إن يظهر عامل ماهر أو صانع محترف إلا ويتم ترحيله علي الفور.. وهو ما استخدمه سليم الأول في بناء القلاع والقصور والمساجد التي لا تزال قائمة وشاهدة علي عظمة الصناع المصريين في تركيا.. ونتيجة للفراغ الذي نشأ نتيجة ترحيل هؤلاء العمال المهرة، نشأت طائفة من العمال غير المحترفين، الذين ينتمون إلي الطبقات الفقيرة، والذين يتنقلون من مهنة إلي أخري، ويعملون فيها بشكل أقرب إلي اليومية.. ويبدو أن لعنة » سليم الأول» لا تزال تبعاتها قائمة حتي اليوم في المجتمع المصري، وإن تغيرت ملامحها واختلفت أوضاعها.. فلا يوجد في مصر حالياً عامل »ماهر»، ولا صانع » محترف»، وإنما يوجد » صنايعي فهلوي».. وهناك فارق كبير بين الصانع والصنايعي، وبين الماهر والفهلوي.. صنايعي اليوم لا يهمه الاتقان، ولا الإجادة، وإنما يتعامل مع كل شيء علي أنها » سبوبة».. وهو يتعامل مع أي زبون أو عميل علي أنه » زبون طياري»،لن يراه أبداً بعد انتهاء الشغلانة.. لذلك، فمن الممكن استغلاله وخداعه وإلباسه الطاقية.. العمال المهرة الحقيقيون مسافرون وموجودون في البلاد العربية.. أما من بقي في مصر، فهم » سد خانة» في معظم الأحوال..ويا ويلك إن وقعت تحت يد صنايعي،ويا ويلك أكتر لو كنت لا تعرف أبعاد الشغلانة التي تطلبه للقيام بها.. ستكون في هذه الحالة صيداً ثميناً لمن لا يرحم ولا يقدر الظروف.. وعلي الرغم من أهمية الصناعات اليدوية، وارتفاع أسعار العمل فيها، فإن هناك نقصاً في الاتجاه نحو التعليم الفني أو المهني.. كثير من الأسر المصرية تعتبر أن إلحاق أولادها بهذه المدارس أو بهذا النوع من التعليم هو نوع من » الفضيحة المجتمعية»، وكثير من الشباب ممن يلتحقون بهذه المدارس يعتبرونها نوعاً من الخزي والعار.. ولذا، فإن هناك نظرة دونية إلي هذا التعليم، وهناك اتجاه سلبي مسبق نحوه، وهناك نوع من عدم الرضا عنه، والنتيجة خروج أجيال لا يقتنعون بما يدرسون، ولا يجيدون ما يتعلمون.. من ناحية أخري، فإن هذه المدارس غير مؤهلة بشكل كاف لتعليم هؤلاء الطلاب المهارات اللازمة للعمل.. معظم ما يتم تدريسه في هذه المدارس هو القشور، هو المبادئ الأساسية، وهي ألف باء الشغلانة.. وهنا يجد الطالب أن التحاقه بالعمل مع صنايعي حتي ولو كان متوسط المستوي، أفيد بكثير من التحاقه بهذه المدارس، التي هي تضييع للوقت، وللجهد، وللمال.. علي هذا، فإن المشكلة مزدوجة.. عار اجتماعي من ناحية، وضعف تعليم من ناحية أخري... والمحصلة النهائية، سوق يخلو من العمال المهرة، وارتفاع جنوني في أسعار هذه العمالة غير المدربة، وجودة عمل أقل من المدفوع فيها.. وكله علي حساب » صاحب المحل» الذي هو أنا وأنت، وكل البيوت المصرية.. إنني أعتقد أن التعليم المهني والفني هو الحل لكثير من أزمات المجتمع المصري، وإنه البداية الحقيقية لتجاوز كثير من المشكلات.. وأنه علي الدولة أن تجعله قضية لها الأولوية في سلم أولوياتها خلال المرحلة القادمة.. وأعتقد أنه حل يضرب عصفورين بحجر واحد : زيادة الإنتاج من ناحية، والقضاء علي الفقر من ناحية أخري.. ما الأجدي بالنسبة للمجتمع في الوقت الحالي : أن يدرس الطالب أصول الفلسفة الإغريقية وفلاسفة عصر النهضة ويجلس بعدها في البيت، أم يدرس كيفية إصلاح » صنبور الحنفية» ومشكلات السباكة ويأخذ 100 جنيه في الساعة الواحدة؟، وما الأنفع : أن يدرس الطالب مدرسة أبوللو في النقد الأدبي وتيار الحداثة في الشعر وينتظر التعيين في الحكومة وهو ما لن لن يتم، أم يدرس التركيبات الكهربائية وإصلاح أعطال الكهرباء ويكسب ما يؤهله لحياة كريمة ؟! نحن شعب نحب الفقر والفشخرة واصطناع المشكلات، رغم أن الحل موجود وسهل ومربح..