هل أصبحنا مخلوقات نتّيشة هبّيشة؟! هل صحيح فعلاً ما كنا ندرسه فى كتب التاريخ فى الابتدائى والإعدادى والثانوى بأن الصانع المصرى من أمهر الصناع، وأن العثمانيين أيام الاحتلال العثمانى لمصر كانوا حريصين على ترحيل الصناع المهرة المصريين من مصر إلى الأستانة.. هل هذا فعلاً صحيح أم من خيال مؤلفى كتب التاريخ الدراسية التى كثيراً ما تم تزوير التاريخ فى صفحاتها؟.. هل حقاً الصنايعية فى مصر صنايعية بجد، وهل يملكون مهارات الصنعة؟! والأهم.. هل يملكون ذرة ضمير؟! للإجابة عن هذه الأسئلة الموجعة إليك عزيزى القارئ واقعتين موجعتين.. إحداهما تخص أحد الأصدقاء الذى يملك مصنعاً كبيراً لصناعة الأثاث ويعمل بالمصنع قرابة الألف عامل «صنايعى» معظمهم مصريون وبعضهم الآخر من الفلبين.. وحسب ما روى صديقى وأقسم فإن الصنايعى المصرى خلال ساعات العمل فى اليوم التى يتخللها الكثير من محاولات التزويغ والتباطؤ يقوم بتركيب حوالى عشرين قطعة «أويمة» على قطع الموبيليا، بينما الصنايعى الفلبينى الذى يظل يعمل فى صمت طول عدد ساعات العمل لا ينجز أكثر من قطعتين «أويمة» أو ثلاث على أكثر تقدير.. إلى هنا والنتيجة فى صالح الصنايعى المصرى بالضربة الساحقة الماحقة، ولكن وكما يقسم الصديق صاحب المصنع فإن الشكوى تأتيه متلاحقة من عملائه من رداءة تصنيع الأويمة ولصقها بينما القلة من عملائه يثنون على تصنيع الأويمة ولصقها. وبعد تفحيص وتمحيص تبين لصديقنا صاحب المصنع أن قطع الأويمة التى يقوم بتصنيعها الصنايعية المصريون هى مصدر شكوى العملاء.. بينما قطع الأويمة التى يقوم بتصنيعها الصنايعية الفلبينيون هى التى تلاقى استحسان الزبائن بشدة.. واكتشف أن السبب بمنتهى البساطة أن الصنايعى المصرى، بالإضافة لقلة خبرته وعدم حماسه لزيادة مهاراته، قليل الضمير.. كل همّه أن يبذل أقل مجهود ويحصل على أكبر مقابل، ولا مانع لديه أن يهرج مع هذا ويمازح ذلك أثناء عمله، بل ويستكثر أن يدقق ويتقن صنعته.. بينما عكس ذلك كله العامل الفلبينى الذى تخرج من بين يديه قطعة الأويمة جاذبة للزبون وليست طاردة له.. أما الواقعة الثانية فهى تجربتى مؤخراً مع الصنايعية. فى البداية استعراض قدرات وحلاوة لسان.. ثم يتلو ذلك «مطوحة» فى المواعيد بعد قفش العربون.. وفى النهاية حرقة دم بسبب عدم إتقانهم الصنعة.. ويكفى أن أضرب مثلاً بسباك نظف طقمىْ حمام من آثار المحارة والنقاشة وطالب بألف وخمسمائة جنيه فى عمل لم يتجاوز الخمس ساعات، بل وطالب نظير تركيبه لخلاطات الحنفيات والدش ب850 جنيهاً.. «ثمانمائة وخمسين جنيهاً».. والمصيبة أنه بعد ذهابه غير مأسوف عليه استدعينا «سباك» آخر لأن الأسطى الذى لهف 2350 جنيهاً لم يتقن أى شىء.. فقد خرّب السيفونات والخلاطات.. إلخ.. وكذلك الكهربائى والنقاش والنجار.. مبالغات مهولة فى أجورهم وعدم إتقان فى صنعتهم، وكأن كل همهم أن يمدوا أيديهم فى جيوب الزبائن لتقليبها دون بذل أى مجهود فى إتقان صنعتهم.. وأعتقد جازماً أن هذا هو السبب الرئيسى فى انحدارنا نحو الهاوية فى الزراعة والصناعة والتعليم وفى كل المجالات.. لأننا جميعاً لا نتقن أى صنعة ولا نملك ضميراً، وكلنا فى الهوا سوا هبيشة ونتيشة. والدليل أننا نستورد حتى الولاعة البلاستيك أم جنيه ونصف ولا نصنعها. وللحديث بقية بمشيئة الله سبحانه وتعالى.