تتفهم المجتمعات الديمقراطية والمتحضرة فكرة الاضراب عن العمل كوسيلة للاحتجاج علي أوضاع ظالمة أو كأداة ضغط لانتزاع حقوق مشروعة للمشاركين في الاضراب. وفي معظم الاحيان, ينتهي الاضراب باتفاق بين مختلف الاطراف علي تحقيق مطالب المضربين أو الالتقاء في منتصف الطريق . ويستمد أي إضراب قوته من التأثير السلبي الذي يحدثه امتناع المضربين عن العمل وهو ما يصيب القطاع الذي يعملون فيه بالشلل خاصة إذا كانوا من العاملين في القطاعات الحيوية مثل النقل والصحة والتعليم والنظافة وغيرها. مطالب هؤلاء المضربين عن العمل حتي تعود الحياة في القطاعات التي يعملون بها إلي طبيعتها. ولكن ما شهدته فرنسا قبل أيام كان إضرابا من نوع غريب وغير مسبوق حيث شارك فيه عشرات الالوف من العاطلين الذين لا يقومون بأي عمل والذين يشكلون عبئا علي العاملين دافعي الضرائب الذين يتحملون مسئولية تمويل إعانات البطالة التي يحصل عليها هؤلاء العاطلون . وشمل هذا الاضراب مظاهرات حاشدة في باريس والمدن الفرنسية الكبري واحتل العاطلون مكاتب العمل والتشغيل والتأمينات الاجتماعية في مختلف أنحاء فرنسا بالاضافة إلي الاعتصام في ساحة البرلمان الفرنسي يوميا من العاشرة صباحا وحتي السادسة مساء.أما سبب إضراب هؤلاء العاطلين فكان هو الاحتجاج علي المعونة التي يقدمها نظام الرعاية الاجتماعية لهم والتي يعتبرونها ضئيلة ويطالبون بزيادتها إلي مستوي يقترب من متوسط المرتبات والاجور في فرنسا. وإلي جانب ذلك يشكو العاطلون من نوعية الاعمال التي توفرها لهم مكاتب التشغيل . ويتهم العاطلون المؤسسات الرسمية الفرنسية بتجاهلهم واعتبارهم عالة علي المجتمع بلا حقوق أو امتيازات.وجاءت الانشطة التي قام بها العاطلون الفرنسيون في إطار الاضراب لكي تحقق معني إضرابهم عن البطالة حيث أصبحوا يستيقظون يوميا ويتوجهون للمشاركة في فعاليات الاضراب بدلا من البقاء في منازلهم أو الجلوس في الحدائق والتسكع في الشوارع.هكذا أصبحت المشاركة في الاضراب نوعا من العمل أو الامتناع عن البطالة علي عكس ما يحدث في حالة الاضراب التقليدي عن العمل.والسؤال المثير هو.. هل تستجيب الحكومة الفرنسية لمطالب العاطلين عن العمل وتوفر لهم أفضل الظروف التي تشجعهم علي الاستمرار في حالة البطالة أم ترفض هذه المطالب حتي تجبر العاطلين علي الخروج من حالة "التنبلة" التي يعيشونها وقبول الاعمال المتاحة التي يرونها غير ملائمة لهم ؟ هذا السؤال يكتسب بعدا منطقيا في ضوء ما يتردد حول تعمد الكثيرين الانضمام إلي صفوف العاطلين للحصول علي إعانة البطالة . وبالاضافة إلي ذلك، فليس من المعقول أن يطالب العاطلون بنفس حقوق العاملين بحجة أن توفير العمل الملائم هو مسئولية الدولة أو الحكومة خاصة أن هناك دائما فرصة المبادرة الفردية والاعمال الخاصة التي يقوم بها المهاجرون الاجانب إلي الدول الاوروبية والتي يرفضها أبناء هذه الدول باعتبارها لا تليق بهم. وجاء الاضراب الاخير في فرنسا لكي يكشف إلي أي مدي يتمسك العاطلون بالحصول علي كل حقوق من يعملون بما في ذلك حق الاضراب عن العمل أو عن البطالة!!