في نهاية الستينيات اقتحم الملياردير الاسترالي روبرت ميردوخ شارع الصحافة الشهير في بريطانيا "فليت ستريت" مستغلاً حالة الإنهيار والازمة المالية الرهيبة التي كانت تمر بها الصحف البريطانية في ذلك الحين. اشتري ميردوخ جريدة "نيوز اوف ذا وورلد"عام 1968 وجريدة "الصن" العريقة في العام التالي وانطلق ليستولي علي العديد من وسائل الإعلام البريطانية الأخري ومنها جريدة "التايمز" ليضمها الي امبراطوريته الاعلامية الكبري في الولاياتالمتحدة وكندا واستراليا. وعندما اشتري ميردوخ جريدة "الصن"، كان تعليق الصحفيين الشرفاء هو ان هذا القرصان اليهودي سوف يطفيء الشمس. وحدث ذلك بالفعل من خلال تخلي الصحيفة عن القيم المهنية والاخلاقية التي كانت تلتزم بها. اما بالنسبة لتوزيعها فقد قفز الي عشرة ملايين قاريء يوميا!! وحتي يتحقق هذا الهدف لجأ ميردوخ الي احقر واحط الوسائل. كانت مدرسته الاعلامية ومازالت هي التركيز علي الاثارة والفضائح والصور العارية. وابرز مثال علي ذلك ما حدث عام 1982 عندما اندلعت الحرب بين بريطانيا والارجنتين حول جزر الفوكلاند. وعقد ميردوخ اجتماعاً مع محرري جريدة "الصن" لبحث كيفية تغطية هذه الحرب.. البعض اقترح تحليل تاريخ الصراع وآخرون أوصوا باجراء مقابلات مع الخبراء العسكريين والسياسين . تجاهل ميردوخ كل هذه الاقتراحات وطلب اجراء مقابلات صحفية مع زوجات وصديقات شهداء بريطانيا في حرب فوكلاند حول علاقاتهم الجنسية. كما طلب تحقيقاً صحفياً عن دور المجندات البريطانيات بل والشواذ ايضاً في المعارك. لكن اغلاق صحيفة "نيوز اوف ذا وورلد" مؤخرا كان صفعة علي جبين مدرسة الاثارة. فقد تمادت الصحيفة في الفجور لدرجة التنصت علي الاسرة المالكة والمشاهير وحتي ضحايا جرائم القتل والاختطاف من المواطنين العاديين دون مراعاة لحقوقهم او لخصوصياتهم. وجاء اغلاق هذه الصحيفة بعد 168 عاماً من صدورها ليكون شهادة علي ان صحافة الفضائح لا تفيد حتي وان تجاوز توزيعها الملايين. نموذج آخر كانت تجسده صحيفة "برافدا" السوفيتية التي كان لينين احد مؤسسيها . بعد الثورة البلشيفية تحولت "البرافدا" الي رمز لصحافة النفاق وخداع الجماهير لحساب الحزب الحاكم. كانت "البرافدا" مجرد بوق للمسئولين في الحزب ودافعت عن الفساد وكل اخطاء وخطايا الحكومة مهما بلغت من إجرام في حق الامة. كان صحفيو "البرافدا" كلهم يكتبون لقاريء واحد هو رئيس الدولة او الحزب او الحكومة. وكان الإشتراك في "البرافدا" واجباً علي جميع المواطنين وإلا تعرضوا للمزيد من القهر. وتردد ان توزيعها بلغ 13 مليون نسخة يومياً ولكن من المؤكد ان قراءها الحقيقيين لم يتجاوزوا المئات من المسئولين وخدم السلطة. وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 توقفت "البرافدا" عن الصدوربعد أن انخفض عدد مشتريها فجأة الي حوالي الف قاريء وهو دليل اكيد علي موقف الرأي العام من صحافة النفاق . ورغم ان بعض العاملين القدامي في "البرافدا" اعادوا اصدارها بنفس الاسم الا انهم حرصوا علي تغيير سياساتها وتوجهاتها لتعبر عن الشعب وليس الرئيس او النظام الذين ذهبوا جميعاً الي مكانهم الطبيعي وهو مزبلة التاريخ.