الثائر العاشق أو العاشق الثائر أيهما أسبق من الأخري؟، فهو، مازالت كلماته تحمل صدي حضوره الغائب، عاش محمود درويش بالحب وثار بالحب وأخلص لقضيته بالحب ومات ولم تمت القضية، ولكنها راحت في متاهات العالم، أكتب عنه كلما حلت ذكراه وتذكر الحنين والافتقاد لأحلام تحولت لخيبات لأنها لم تولد في الزمن الصحيح، عاش لاجئا عاني مثل كل اللاجئين في الحصول علي بطاقات إقامة فكان حاضرا بجسده غائبا بهويته. اختار أن يعيش وحيدا بلا اسرة في حيفا ليكمل تعليمه، حاملا حلم العودة إلي وطنه،اعتقلته قوات الاحتلال الصهيوني مراتٍ عديدة بتهمة القيام بنشاطٍ معادٍ لإسرائيل لآرائه السياسية وتصريحاته المعادية؛ اعتقلوه خمس مرات، يحكي عنها: »كنت ممنوعًا من مغادرة حيفا مدة عشر سنوات. كانت هويتنا، هوية حمراء في البداية ثم زرقاء لاحقًا وكانت أشبه ببطاقة إقامة. كان ممنوعًا عليّ طوال السنوات العشر أن أغادر مدينة حيفا. ومن العام 1967 لغاية العام 1970 كنت ممنوعًا من مغادرة منزلي، وكان من حق الشرطة أن تأتي ليلًا لتتحقق من وجودي. وكنت أعتقل في كل سنة وأدخل السجن من دون محاكمة. ثم اضطررت إلي الخروج» سافر إلي باريس فرفضت اقامته لأنه لا يحمل بطاقة هوية، سافر إلي موسكو ولكنه لم يتحمل الحياة فيها، ثم جاء إلي دفء القاهرة،التي قال عنها: »وجدت نفسي أسكن النصوص الأدبية التي كنت أقرؤها وأعجب بها. فأنا أحد أبناء الثقافة المصرية تقريبًا والأدب المصري. التقيت بهؤلاء الكتّاب الذين كنت من قرائهم وكنت أعدّهم من آبائي الروحيين، التقيت محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ وسواهما، والتقيت كبار الكتاب. ولم ألتق بأم كلثوم وطه حسين، وكنت أحب اللقاء بهما».. صادق الشعراء الذين كان يحبهم وتربي علي شعرهم أمثال صلاح عبد الصبور وأحمد حجازي وأمل دنقل والأبنودي. ثم انتقل بعد ذلك لبيروت، ولسوء الحظ اندلعت الحرب الأهلية في لبنان بعد فترةٍ من انتقاله فصار الدم والقصف والموت والكراهية والقتال في لبنان ومات بعض أصدقائه هناك مثل غسان كنفاني، فتحول من الشعر العاشق الرومانسي لشعر الرثاء والأوطان، ظل محمود درويش مطاردا بين تونسوباريس ورام الله لتنتهي حياته في هيوستن بولاية تكساس الأمريكية إثر عملية لم ينج قلبه منها، ترك لنا أوجاع شاعر عاشق لم يحقق حلمه الذي تمناه. وترك لنا وجع الأحلام الضائعة كلما تذكر.