بدون مقدمات.. اختفي الحزب الوطني.. والسبب كما قالت بعض من قياداته المتبقية في مواقعها »لم تصلنا أية تعليمات«.. هذه »الجملة« يمكن ان نطلق عليها مربط الفرس في »اختفاء« الحزب وقياداته.. فالحزب كان محتكرا »من مجموعة لا تزيد عن الثماني اشخاص هم »هيئة مكتب الحزب«.. هي التي تري، وتقرر.. ثم ترسل ما قررته في شكل »تعليمات« للمستويات الأقل حزبيا.. للتنفيذ فقط.. وإذا ما تابعت علي مدي السنوات الماضية فلن »تجد« اجتماعات تتم للحزب علي أي من مستوياته التنظيمية إلا لهيئة المكتب فقط، وكان الحزب يدار لسنوات من المكاتب وعلي شاشات الكمبيوتر.. دون اتصال حقيقي بالقواعد.. فكان أشبه برأس مفصول عن الجسد علي هذا الاساس يمكن »تفسير« أحد أسباب اختفاء الحزب.. أما السبب الثاني فمنذ بدأت أحداث يناير وتحديدا يوم »موقعة الجمل والحصان« أصبح الحديث عن الحزب رجسا من عمل الشيطان وبات التبرؤ من عضويته شرف وسبيل لانقاذ النفس من أي اتهام ويري أحد قيادات الحزب ان السبب الثالث كان استقالة حسام بدراوي من منصب الأمين العام للحزب، والتي اعتبرها »بمثابة« الضربة التي أثرت بشكل كبير علي امكانية عودة أو لم »شمل« البقية الباقية من الحزب، وهي »الضربة« التي لم »يفهم مغزاها حتي ان كثيرون من الأعضاء رأوا انها كانت »قفزا« من السفينة الغارقة، وقبل الحديث عما يدور حاليا في أروقة الحزب، والاتصالات التي يجريها أمين الحزب المفوض محمد رجب لاستعادة ما تبقي منه، كان لابد من الكشف عما دار في أروقة الحزب خلال الأيام التي تلت ثورة 52 يناير. كانت بداية الأحداث داخل الحزب.. مع أحداث تونس.. وجرت اجتماعات داخل بعض أمانات الحزب اجتماعات غير رسمية فيما يشبه »الصالونات« كان يتم خلالها عقد مقارنات بين ما جري في تونس وما يمكن حدوثه في مصر.. انتهت كلها إلي عدم امكانية ذلك، وارتاح الكل لهذا التفسير، ولم يشغل أحد نفسه بما يجري علي الإنترنت من ترتيبات مشابهه لما حدث في تونس رغم تباهي قيادات الحزب باستخدامهم كل وسائل التكنولوجيا و»اللاب توب«.. بعدها بأيام فوجئ الحزب بكل من فيه بأن التظاهرة السلمية التي شهدتها مصر قد تحولت إلي ثورة، فعقد اجتماع في الحزب تقرر علي إثره »ترك« الملف للأمن كاملا.. علي ان يخرج أمين الحزب ببيانات وتصريحات للتهدئة، وحينما بدأت حدة الاشتباكات تتزايد.. وأعلن المتظاهرون أن يوم الجمعة 82 يناير »جمعة الغضب« خرجت بعد 3 أيام أول »تعليمات« من قيادات الحزب »لأمناء المحافظات«، وكانت التعليمات.. »الذهاب إلي الجوامع في صلاة الجمعة لتهدئة المواطنين!! وكانت تلك التعليمات محل »انتقاد« من الكثيرين ووصلت لحد »السخرية« ممن طالبوا بها.. واشتعلت مصر.. في جمعة الغضب وظل الحزب في حالة »ترقب«، وتزايدت اسئلة القيادات والأعضاء في المحافظات إلا أن أحدا لم يجب عليها.. وكان الرد المتاح لا تنتظروا تعليمات وتصرفوا كمواطنين.. حتي القي الرئيس خطابه الذي قال فيه انه سيموت علي أرض مصر.. فجرت علي الفور اتصالات من أمانات الحزب بأعضاء مجلس الشعب.. اقترح خلالها تنظيم مظاهرات »تأييد« للرئيس ترفض فكرة »خروج الرئيس الآن« أو اهانته كرمز للبلد، واتفق ضمن التعليمات، الا يستعمل أحد من المؤيدين للرئيس الهتافات القديمة »بالروح بالدم« وأتفق علي ان تكون المظاهرات أساسا أمام مبني التليفزيون لتحصل علي شو إعلامي ولاظهار تعاطف الجماهير مع الرئيس.. وثانيا امام جامع مصطفي محمود وفي طريق النصر، وفي عدد من المحافظات بالشرقية وأسوان، وهنا اختلفت »القصص« فهناك بعض من اعضاء مجلس الشعب عن الحزب اكدوا ان زملاءهم اخرجوا عدداً من ابناء دوائرهم معهم »أسلحة« وشوم في حين أكد آخرون ان احداً لم يصدر تعليمات بأن يتم الاحتكاك بالمتظاهرين داخل ميدان التحرير مستندين علي ان أماكن التظاهر للحزب لم يكن بينها ميدان التحرير اساسا. ووقعت »الواقعة« وشهد يوم الاربعاء معارك »دامية« بين من اطلق عليهم مؤيدي الرئيس ومعارضيه واعتبر ذلك »اليوم« الاسوء في تاريخ الحزب الوطني بعده استقال أحمد عز من أمانة الحزب وتلتها استقالات من بعض أعضاء مجلس الشعب عن الحزب، وعقب اعلان الرئيس اقالة هيئة مكتب الحزب وتعيين حسام بدراوي أمينا جديدا للحزب ، أجري بدراوي اتصالات في محاولة »لتجميع« ما اطلق عليهم »الجماعة« الاصلاحية داخل الحزب لبدء تحرك جديد يبدأ بالاعلان عن رفض وجود أي فساد بالحزب وتابعه الثورة.. إلا أن تلك التحركات توقفت في مطالبها بسبب الاستقالة التي قام بها بدراوي، وانتهت الاحداث كما يعرف الجميع وانتقلت السلطة للمجلس الأعلي للقوات المسلحة، ولكن.. اين الحزب الوطني الآن،، وهل سيترك المساحة تماما؟ قيادات الحزب المتبقية قالوا ان الوضع الآن غير مقبول للظهور إعلاميا.. وكشفوا ان د.محمد رجب بدأ قبل توليه منصب الأمين اتصالات بدأها - علي خفيف- بنواب الحزب وكان واضحا من هذه الاتصالات ان هناك تردد من جانبهم نظرا »للصورة« التي بدا عليها الحزب،.. وللضغوط التي تمارس عليهم في دوائرهم وازاء ذلك لم يكن امام رجب الا الاتصال بالمحافظات والتي لازال للحزب »تواجد« واضح فيها طالبهم بضرورة التماسك والحفاظ علي »كيان« الحزب حتي »يستمر الحزب«، وعقب ان اصبح رجب »أمينا« مفوضا للحزب اجري اتصالا بأمناء الحزب بالمحافظات وبأعضاء من مجلس الشعب وعقد أكثر من ثلاثة اجتماعات في مقر الحزب بالجيزة تم خلالها استعراض الموقف كاملا وتطرق الاجتماع لأسباب ابتعاد المواطنين عن الحزب، وضرورة البحث عن صيغة جديدة حتي لو كانت اطلاق اسم جديد للحزب أو اعلان تأسيس حزب، وقال مقربون ان رجب أكد للأعضاء ان الحزب الآن لم يعد في حضن السلطة كما كان، وكل من كان راغبا في الحصول علي »مزايا« فعليه الرحيل منه في اشارة إلي عزمه »إعادة« بناء الحزب من جديد وبشكل بعيد عن »المكاتب« كما كان يدار. وقال المقربون من رجب أنه »انتقد« أسلوب العمل الفوقي الذي كان يمارس مع الأعضاء معتبرا ان هذا الأسلوب كان السبب في فشل الحزب. وتم فتح الحديث »صراحة« وقيل في الاجتماعات أن غالبية أعضاء الحزب لم تكن »فاسدة« لكن منهم من ارتأي أن أفضل الطرق لتحقيق مميزات والبقاء في المواقع القيادية »اطاعة الأوامر الصادرة له من هيئة المكتب، وتم ضرب أمثله بأسلوب »الجزرة والعصا« الذي اتبعه أحمد عز أمين التنظيم السابق مع أعضاء الحزب »فالموالين له والمستعدين للطاعة« كان لهم كل المميزات.. حتي أن عز كان يتولي بنفسه تنفيذ مطالب دوائرهم والعمل علي اتمامها أما المختلفون معه أو أصحاب الرأي فكان نصيبهم الاستبعاد.. ضاعف من ذلك أعلاء مقولة أن »الحكومة« حكومة الحزب. والتي كانت سببا في »إفساد« أعضاء آخرين وهو ما يجب أن يكون الحزب حاسما فيه وأن يعلن »تظهره« من هذه العناصر وان كانت هذه العناصر قد ابتعدت بالفعل. ولم تكن الاجتماعات للحديث عن الماضي وانما »استشرقت« خطي اتباعها مستقبلا لعل وعسي معتمدين في ذلك علي أن للحزب قواعد وتنظيم ويمكنه العودة إذا ما نجح في استعادة ثقة »الجماهير«. وتجري حاليا.. اتصالات مع القيادات التي كانت معارضة لما يدور في الحزب خلال الفترة الماضية وتم استبعادها كما تجري محاولات لاستقاطب أطياف مختلفة من الشباب للتحاور معهما.