الدعوة الإسلامية في مصر تمر بحالة فتور ووهن غير مسبوق، مع تفلت أخلاقي لا نظير له، يمتزج بجهل بالإسلام العظيم خاصة وبرسالة الأديان عامة، مع حالة خلط بغيضة بين الإسلام العظيم المعصوم وبين تصرفات بعض المسلمين التي تجافي الإسلام وتنفر الناس عنه وتدعو الناس ضمنا إلي الانصراف عنه، وهؤلاء أشبه بمحام فاشل يدافع عن قضية عادلة فتخسر وتهزم علي يديه. وأري أن الكثير من قضايا الإسلام الكبري قد غابت عن الأذهان وغفل عنها أهل الدين قبل غيرهم. ولذلك أردت أن أبسط بعضاً من معاني الإسلام العظيمة التي قد يجهلها أكثر الشباب ويحتاج إليها الدعاة لبيانها للناس في بعض النقاط الآتية: 1- الحرية هبة ربانية وهبها الله لكل إنسان منذ أن كان جنينا، في بطن أمه فولد مكتسبا، لهذه القيمة العظيمة، كما قال عمر بن الخطاب »متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، فالحرية وهبها الله لخلقه جميعا، ولم يكتسبها الإنسان من أسرته ولا من حكومته ولا من الحاكم ولا وطنه ولا أحد، علي الذين يمنون علي الآخرين بحريتهم أن يخجلوا من ذلك، وعلي الذين يحاولون استعباد الآخرين أن يتوقفوا عن ذلك . 2- من عظمة الإسلام أنه يجمع بين المثالية والواقعية، فلم يحرم الزنا قبل أن يحل الزواج، ولم يحرم الربا قبل أن يحل البيع، ومن عظمته وواقعيته أنه أعطي للبشر حق التشريع في مسائل محددة بحيث لا تصطدم مع شريعة السماء وفيها التشريع في مساحة العفو التشريعي وما لا نص فيه والتشريع بالقياس والتشريع بالمصلحة المرسلة وغيرها، كل ذلك مع أن الأصل في التشريع أنه حق خالص لله سبحانه. 3- ومن عظمة الإسلام وواقعيته أنه يسر للمسلمين واليهود والنصاري والمجوس أن تجمعهم مائدة واحدة وفراش واحد، حينما أباح للمسلم أن يتزوج من المسيحية أو اليهودية »وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ». 4- إن نفي الآخر هو من صنع الصراع السياسي والتنافس علي السلطة ونفي كل متصارع للآخر، وليس من صنع الإسلام الذي يدعو إلي التعاون علي البر والتقوي وينهي عن التعاون علي الإثم والعدوان »وَتَعَاوَنُواْ عَلَي الْبرِّ وَالتَّقْوَي وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ». 5- إن الإسلام لم يأمر أبدا، أتباعه بأن يبسطوا أيديهم بالأذي إلي هرة أو حيوان، فما بالنا بالإنسان، فقد أدخل الإسلام امرأة مسلمة النار في هرة حبستها فلم تطعمها ولم تسقها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض، فاحترم كرامة هذه القطة، فكيف يأمر الإسلام أتباعه أن يبسطوا أيديهم بالأذي إلي من يختلف معهم في الدين أو العقيدة أو الفكر أو السياسة أو الرأي أو الحكم، وكيف يأمر الإسلام أتباعه بأذي الآخرين بأي طريقة وقد بعث نبيه رحمة للعالمين ومبشرا، لا منفرا، وميسرا، لا معسرا، وجامعا، لا مفرقا، وهاديا، لا جابياً. 6- إن الإسلام العظيم لم يأت ليكره أحدا، علي الدخول أو النزول علي رأيه وحكمه، فالإكراه لا يصنع الأديان ولا ينصرها أو ينفعها، ولكنه يدمرها ويقتلها، وينفر الناس منها، وطريق الدين الحقيقي لابد أن يمر بالحرية العقلية الراشدة التي تختار ما تشاء ومستعدة في الوقت نفسه لكي تحاسب ف ي الآخرة علي اختياراتها الصائبة أو الخاطئة. 7- من خصائص الإسلام العظيمة التي نغفل عنها جمع هذا الدين العظيم بين عنصري الثبات والمرونة، والمثالية والواقعية، والخلود والتطور، ما جعله ديناً ديناميكيا، حيا، نابضا، يتفاعل مع الآخرين ويتعايش معهم، يأخذ منهم ويعطي، يحبهم ولا يكرههم، يرحمهم ولا يقسو عليهم . 8- إن الإيمان لا يكون إيمانا، إلا إذا استقر بالقلوب، ولن تستطيع قوة علي ظهر الأرض أن تقهر قلبا علي أن يعتقد ويؤمن بغير ما يعتقد صوابه ويهواه ويحبه خائفا، من الله وحده دون سواه، يترك المعصية والمنكر حياء، من الله وخوفا، من عذابه وأملا، في الوفاء بعهده »وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ». فهل قدمنا الإسلام بما يستحقه من مكانة عظيمة، أم أننا أسأنا تقديمه للناس فكرهونا وكرهوه ،وانصرفوا عنا وعنه، وأعرضوا عنا وعنه، لقد ظلمنا الإسلام كثيرا، فهل من لحظة صدق لننصفه؟!.