يوم في تاريخ حياتي لعله الاهم علي الاطلاق أتذكر تفاصيله كاملة 28 نوفمبر 1978 اول يوم لي في بلاط صاحبة الجلالة اخبار اليوم من داخل مكتبة نادي الاستاذ عثمان لطفي سكرتير عام التحرير علي زميل دفعتي احمد السعيد وقال له بالنص : خد سامح معاك في سكرتارية تحرير اخبار اليوم ووريه الشغل , كان هذا هو يوم وداعي لوظيفة محرر البرلمان في جريدة مصر وانتقالي للعمل بدار اخبار اليوم بعد ان اغلق الحزب الوطني الجريدة واضطرينا انا وزملائي اللجوء الي اخبار اليوم للحفاظ علي مستقبلنا وبحثاً عن فرصة عمل …. وتحولت من القلم فقط الي القلم والمسطرة والاستيكة ورسم الماكيتات وتقدير المواد والنزول للمطبعة وعقد الصداقات مع عمالها واصحاب الحظوة والسطوة من العمال الفنيين في صالات توضيب اخبار اليوم واقسام الحفر والمطبعة الروتاتيف. كانت اولي التعليمات التي نتبعها في عملنا كسكرتارية التحرير هي من الصعب ان تعادي سكرتير التحرير ومن الجرائم ان تدخل في معارك مع عامل التوضيب او الجمع الآلي فهم روح الجريدة وعصبها …. فمن الخطأ ان نستهين بهذا القطاع الكبير من العاملين في الجمع والتوضيب او حتي صانع البروفات المائية التي كانت ضرورية لاعتماد الصفحات ومراجعة اللغة والمعلومات فبروفة غير واضحة تعني اخطاء يمكن ان تمر وبروفة ناقصة معناها توقف العمليات التالية من تصحيح ومراجعة الصفحات. تعلمنا علي يد كل عامل في صالة التوضيب التي كانت درجة الحرارة فيها تتجاوز الاربعين وكان من شروط العمل ألا يتجاوز وجودك داخل صالة التوضيب ساعتين ولابد ان تغادر لكي تستنشق هواء طبيعيا لأن هواهها كان مشبعا بأبخرة الرصاص الذي كانت تفرزة ماكينات الجمع والعناوين بدرجة حرارة تتجاوز ال700 درجة..وكانت الامراض الصدرية من اصابات العمل ويستحق عنها العامل اجرا كاملا. حسن النحاس …صلاح اسماعيل.. عم بدر … امين الجمل … عبد الحميد بيومي …حسن ربيع … عبدالله شحاته …عم رياض … حسن جبريل.. الحاج الزيدي … عاطف السنباطي..جنود لا يعرفهم الناس ولولاهم ما صدرت اخبار اليوم وهم من كان يلين الرصاص بين ايديهم لكي تخرج صفحات اخبار اليوم بالطريقة التي نرسمها انا وجيش كامل من سكرتارية التحرير الفنية سواء في جريدة الاخبار او اخبار اليوم وكنا نتسابق علي ان نسلم صفحاتنا لأشخاص بعينهم لأنهم اكثر فنية من غيره وينفذ تعليمات الماكيت بمنتهي الدقة وهو عامل من عوامل نجاح سكرتير التحرير في مهنته. ليوم السبت زكريات خاصة لدي العاملين بأخبار اليوم فهو يوم الاجتماع الاسبوعي وكان يتصدر الاجتماع الاستاذ محمد طنطاوي مدير التحرير وقتها وكلما زادت الاوراق التي يحملها كلما دب الخوف في اوصال كل الحاضرين فمعني ذلك ان هناك العديد من الملاحظات التي ورد ذكرها علي صفحات اخبار اليوم وهنا كان يستعد كل منا للدفاع عن نفسه امام اي اتهام قد تحمله تلك الاوراق … بالطبع الانتقادات للسكرتارية كانت تنحصر في بعض الاخطاء اللغوية او تأخر الطبع او تأخر الغيار في الطبعات او حتي عدم توفير وسيلة مواصلات للطاقم السهران وكلها كانت من مسئوليات سكرتير التحرير السهران … وبالتالي كان حضور اجتماع السبت الصباحي هو وسيلة من وسائل التعذيب لنا وللمحررين … ونلتقط انفاسنا عندما يطلب الاستاذ طنطاوي من المحررين الاقتراحات للعدد الجديد … هنا تستطيع سكرتاريةالتحرير الانسحاب. سنوات من الجهد والعرق تذكرتها وانا أري المهنة وقد تحولت الي ارقام ومعادلات علي شاشات الكمبيوتر وكأنك تلعب الاتاري مع الصور والموضوعات... ولكن هذه هي سنة الحياة وياما نشوف في المستقبل.!