في مدرسة الأهرام العريقة التي تشرفت بالانتماء إليها تتلمذت علي أيدي أساتذة أجلاء,كانت لهم بصمات واضحة ساهمت في رسم ملامح مشروعي الصحفي,وقادت خطواتي دائما إلي الأمام..منهمالأستاذ سامي دياب الذي جمع بين حرفية الكتابة ومهنية سكرتير التحرير الفني وكان متميزا في الجانبين. منذ أن عرفته وجدته متأنقا ليس في الملبس فقط, ولكن في الخلق وأسلوب التعامل, لمست فيه معاني الأبوة والأستاذية فوجدتني انجذب إليه, فهو رجل شهم, وهو صحفي كما ينبغي أن يكون الصحفي الملتزم,منه تعلمت أول دروس مهنة الصحافة وهي الالتزام في المواعيد, كان يأتي قبل موعد حضوره بما لا يقل عن نصف ساعة,ولا ينصرف إلا بعد أن ينهي كل ما يكلف به من عمل. كنت أراه في صالة التوضيب يتابع تنفيذ الصفحات,كان يعامل الجميع بابتسامة واحترام للكبير والصغير, لم يكن يخشي أن تتسخ حلته الأنيقة بالحبر,كان يقف أمام الصفحة الأولي من الأهرام, يقرأ ويختصر, ويوزع ويرتب الأخبار, ويكتب العناوين, وكلام الصور, تعلمت منه أن سكرتير التحرير الفني, ليس مجرد متابع لتنفيذ الصفحات, التي رسم لها الماكيتات فقط, ولكنه مسئول أيضا عن الناحية التحريرية, فهو صحفي في المقام الأول, والفرق بينه وبين غيره من الصحفيين أنه يعرف اكثر منهم في النواحي التنفيذية. درس آخر تعلمته منه وهو ألا أكتفي في مهنتي كسكرتير للتحرير بأن أرسم الصفحات فقط وأتابع تنفيذها, ولكن يجب أن أقرأ كل سطر في الصفحة المكلف برسمها ومتابعتها,فالصحفي لا بد أن يكون قارئا جيدا,ولكي تكتب لابد أن تقرأ ففعل القراءة يأتي قبل فعل الكتابة, كان سامي دياب عندما يكتب بعمق, وتطل المعرفة والفهم من كتاباته, سواء كانت تحقيقاته المميزة التي كان يساهم بها في صفحات الفكر الديني, كانت تحقيقاته تحدث دويا, وتثير جدلا, لأنها كانت تتناول قضايا مهمة, عرف كيف يحققها بعمق وموضوعية, وكان هذا أيضا أسلوبه عندما يكتب وجهات نظره, التي كانت بمثابة نصوص أدبية راقية, مكتوبة ببساطة وسهولة, تصل إلي العقل, وتسكن القلب. ومن دروس سامي دياب التي تعلمتها أيضا أنه عندما أصبح رئيسا لقسم سكرتارية التحرير الفنية لم يتغير أداؤه فلم يتخفف من واجباته بل ازداد التزاما فوق التزامه وكان قدوة لكل من يعمل معه, يحضر قبل الجميع, ويكون آخر المنصرفين, وظل علي أدبه الجم, وصوته الهادئ الوقور. عندما أتيحت لي فرصة السفر, نصحني أن أسافر كمحرر وليس كسكرتير للتحرير خوفا من عدم تقدير البعض لمهنة سكرتير التحرير ودوره في الصحيفة, ولا يعرفون أنه عصب العملية الصحفية, وكانت نقلة كبيرة في حياتي,فقد ذهبت إلي الخليج وأنا أجمع بين موهبة الكتابة, وملكة الإخراج الصحفي, فكنت جديرا بثقة المسئولين هناك, حتي أصبحت مديرا لتحرير مجلة زهرة الخليج بعد ثلاث سنوات فقط من عملي بها, وهذا بفضل توجيهات أستاذي سامي دياب الصحفي من قمة رأسه إلي أخمص قدميه, فهو صحفي من أسرة قدمت لمصر باقة من أهم الصحفيين والوطنيين, وما زالت. كان سامي دياب عنوانا للأناقة والنزاهة صيفا وشتاء وهذا درس آخر من دروس المهنة فالصحفي لابد أن يظهر بمظهر راق. يكفيه من النزاهة أنه في الوقت الذي كان يتهافت فيه الصحفيون للعمل في الخليج كان سامي دياب متمسكا بالأهرام رغم أنه لو أراد لأصبح رئيسا للتحرير أو مسئولا عن إحدي الإصدارات الإماراتية مستغلا نفوذ زوج شقيقته وزير البترول الأشهر مانع العتيبة ولكنها النزاهة.