ثم جاءت ثالثة الأثافي عندما رشحتني ∩مصر∪ رسميًا لمنصب أمين عام ∩جامعة الدول العربية∪ في مواجهة مرشح قطري عندما التحقت بوزارة الخارجية عام 1966 كان السكرتير الثاني ∩عمرو موسي∪ واحدًا من النجوم الشابة في المؤسسة الدبلوماسية المصرية، بدأ خدمته في العاصمة السويسرية ∩برن∪ ثم عمل في مكتب وزير الخارجية الأسبق ∩محمود رياض∪ وتأرجح ما بين ∩نيويورك∪ مقر ∩الأمم المتحدة∪ وما بين مكاتب وزراء الخارجية، نجمًا لامعًا حيث كان زملاؤه ينقسمون تجاهه إلي فريقين، الأول يري فيه وزير الخارجية القادم ذات يوم − وهي رغبة أعلنها هو نفسه وسط زملاء دفعته عندما التحق بالخارجية المصرية في نهاية خمسينيات القرن الماضي − وفريق آخر يحمل تجاهه مشاعر لا تخلو من الغيرة لأسباب تتصل بوسامته وقوة شخصيته واستحواذه علي ثقة رؤسائه بسرعة ملحوظة فضلًا عن قدرته علي اجتياز المواقف المختلفة بنجاح مضطرد كما كان يتمتع ب∩كاريزما∪ تجعله أحد فرسان الدبلوماسية المصرية من البداية، وعندما جاء السيد ∩إسماعيل فهمي∪ وزيرًا للخارجية − وهو صاحب مدرسة متميزة في العمل الدبلوماسي − قرر الإطاحة ب∩عمرو موسي∪ من مكتب وزير الخارجية لأن فريقًا من زملائه أوغر صدره عليه باعتباره دبلوماسيًا شابًا مغرمًا بالمظهر والعلاقات العامة وأنه يأخذ أكثر من حقه في تلك المرحلة، ولكنه هو نفسه ∩إسماعيل فهمي∪ الذي اكتشف بعد فترة وجيزة أن ∩عمرو موسي∪ هو أكفأ الدبلوماسيين حوله فقربه إليه حتي أصبح واحدًا من رموز مدرسته الدبلوماسية، وكان ∩إسماعيل فهمي∪ يرفع أحيانًا اسم من هم أقدم من ∩عمرو موسي∪ في قائمة وفد المباحثات المصري مع وفد أجنبي لكي يضع اسم ∩عمرو موسي∪ بديلًا له تحقيقًا للفائدة المصرية ولو علي حساب الأقدمية، وقد ظلت علاقتي به عن بعد أسمع عنه وأراه في أروقة الوزارة − في ∩قصر التحرير∪ أو في ∩عمارة الجيزة∪ − إلي أن طلب د.∩بطرس بطرس غالي∪ وزير الدولة للشئون الخارجية من زميلي ∩محمود مرتضي∪ ومني أن نذهب إلي المستشار ∩عمرو موسي∪ مدير إدارة الهيئات الدولية − وهي إدارة كان يترأسها سفير غالبًا − لنطلب منه مستندات خاصة بقرارات ∩مجلس الأمن∪ في ∩القضية الفلسطينية∪ ثم وثائق ∩كامب ديفيد∪ التي كنا نعيش أجواءها في ذلك الوقت تمهيدًا لإصدار ∩كتاب أبيض∪ في سلسة الوثائق التي عني ∩بطرس غالي∪ بإصدارها وأصبحت رصيدًا محترمًا في تاريخ الدبلوماسية المصرية، وقد فوجئنا − ∩محمود مرتضي∪ وأنا − أننا بصدد دبلوماسي من الوزن الثقيل علمًا وخبرة وأن ما يشيعه أعداء ∩عمرو موسي∪ عنه يقع في بند الغيرة العمياء والمنافسة غير الشريفة، فالرجل ملم إلمامًا كاملًا بما يتحدث عنه فضلًا عن رؤية شاملة وتحليل ذكي للقرارات والمواقف علي نحو مبهر وخرجنا من عنده لكي نقول معًا إن هذا الدبلوماسي يقف في مقدمة أبناء جيله من الدبلوماسيين المصريين، ومنذ ذلك الوقت تواصلت صلتي بالسيد ∩عمرو موسي∪ أراه في مكتب ∩أسامة الباز∪ أحيانًا أو في مكتب ∩بطرس غالي∪ أحيانًا أخري وتوطدت علاقتي به في ذلك الوقت من عام 1978 حتي اليوم وازددت اقترابًا منه عندما زارني في ∩الهند∪ ودعوته علي غداء بمطعم شهير اسمه ∩المنار∪ يقدم أطباقًا هندية شهية ولكنها حارة وفق المذاق الهندي والسيد ∩عمرو موسي∪ يحب هذا النوع من الطعام وكان مبعوثًا من الوزارة حينذاك لحضور اجتماعات تمهيدية ل∪قمة عدم الانحياز∪ وقال لي يومها ونحن علي مائدة الطعام أنه لو عرضت عليه ∩الهند∪ مقارنة بأي دولة أخري في ∩الغرب∪ فسوف يفضل العمل سفيرًا في ∩نيودلهي∪ عن غيرها وقد كان حيث اختارها بعد أن انتهت مدة خدمتي مع السفير د.∪نبيل العربي∪ وجاء السيد ∩عمرو موسي∪ مفضلًا العمل في ∩العاصمة الهندية∪ علي العمل في ∩جنيف∪ التي كانت متاحة له سفيرًا في ذلك الوقت وأبلي ∩عمرو موسي∪ بلاءً حسنًا في ∩نيودلهي∪ وترك لدي الهنود بل ولدي ∩أنديرا غاندي∪ رئيسة الوزراء الراحلة انطباعًا إيجابيًا لازال مذكورًا حتي اليوم، وقد امتد التواصل بيننا والتراسل عبر الحقيبة الدبلوماسية وقد أسر لي في إحدي رسائله التي احتفظ بها تطلعه لرئاسة ∩هيئة الاستعلامات المصرية∪ تمهيدًا لما هو أكبر إذ إن الطموح هو واحد من المفاتيح الهامة في شخصية ∩عمرو موسي∪ حتي اليوم، كما أن لديه قدرة فائقة علي الارتفاع بعد الهبوط إذ إن سعره في ∩بورصة البشر∪ شبه مستقر عبر السنين ولعل ذلك انعكاس لكفاءته التي يصعب التشكيك فيها، وقد مضت علاقتي بالسيد ∩عمرو موسي∪ عبر منعطفات كثيرة ودعني أسجل أولًا أنني أحمل له حبًا ومودة زائدين وأظنه يبادلني شيئًا من ذلك إلا ما يتصل بالمزاحمة في الحياة العامة فالرجل بطبيعته لاعب متفرد يشد الأضواء ويجذب الإعلام ويتألق وحده، ولقد كنت أتصور بحكم علاقتنا الطويلة أنه سوف يرشحني بإصرار سفيرًا في ∩لندن∪ بدلًا من ∩فيينا∪ إذ إن ∩العاصمة البريطانية∪ هي التي بدأت حياتي الدبلوماسية فيها وتخرجت من جامعتها وأصبح لي فيها سكن مستقر منذ عام 1971 ويبدو أنه حاول ذلك ولكن الرئيس الأسبق ∩مبارك∪ لم يكن متحمسًا ليعطيني كثيرًا ولا أن يمنع عني تمامًا إذ لم تكن ثقته في كبيرة، وكان يمكن للسيد ∩عمرو موسي∪ أن يتمسك بموقفه تجاهي لأسباب تتصل بالمصلحة العامة إذ أن الرئيس الأسبق كان يمكن أن يستجيب خصوصًا وأنه كان لا يرفض له طلبًا ولم أر الرئيس الأسبق يقدر واحدًا من مساعديه ويعطيه مكانة خاصة مثلما كان يفعل مع السيد ∩عمرو موسي∪ إيمانًا منه بكفاءته وإعجابًا بشخصيته إلي أن شعر − في مرحلة معينة − أن اسم وزير خارجيته يعلو أكثر من اللازم ويطفو علي السطح بشكل ملحوظ حتي تغني به ∩شعبان عبدالرحيم∪ ودعا له بالصحة ∩الخطباء∪ في بعض ∩المساجد∪ وهذا أمر محظور علي غير الرجل الأول في البلاد، ثم جاءت المحطة الثانية وكنت فيها النائب الأقدم لرئيس ∩البرلمان العربي∪ وطلبت من أمين عام ∩جامعة الدول العربية∪ أن يدعمني في تولي المنصب حيث كانت المنافسة بيني وبين برلمانية ليبية محسوبة علي الدائرة الضيقة للعقيد ∩القذافي∪ وقد آثر السيد ∩عمرو موسي∪ الابتعاد وسافر إلي ∩روما∪ في مهمة وقد كان دعمه مطلوبًا ولكن ربما رأي هو أنه من غير المستحب أن يكون أمين عام ∩جامعة الدول العربية∪ ورئيس ∩البرلمان العربي∪ أيضًا من قطر عربي واحد هو ∩مصر∪، ثم جاءت ثالثة الأثافي عندما رشحتني ∩مصر∪ رسميًا لمنصب أمين عام ∩جامعة الدول العربية∪ في مواجهة مرشح قطري وهنا آثر السيد ∩عمرو موسي∪ للمرة الثالثة ألا يلقي بثقله دعمًا لصديق يدرك جيدًا أنه لا تنقصه الكفاءة ولا الخبرة، وهنا أعترف أن الرجل لم يحاربني بشكل مباشر ولكنه اتخذ موقفًا سلبيًا وغير داعم لترشيحي ولو أنه فعل ذلك ما كان قد جري استخدامي ك∩أرنب سباق∪ في تلك المواجهة غير العادلة خصوصًا عندما أصر أمين عام ∩الجامعة∪ السابق ووزير الخارجية الأسبق علي استبعاد عملية التصويت بدعوي أنها تقليد غير متبع في ∩الجامعة∪ مع أن ميثاقها لا يتعارض مع ذلك، ودعني أقول هنا أن هذه الأمور لم ولن تؤثر علي حبي واحترامي للسيد ∩عمرو موسي∪ لأني من أشد المؤمنين بكفاءته ولقد كنت أقوم أثناء عملي سكرتيرًا لرئيس الجمهورية للمعلومات بالتعبير عن ذلك أمام الرئيس ومعاونيه، وبالتأكيد لم يكن السيد ∩عمرو موسي∪ في حاجة إلي دعم مني فسمعته الوظيفية كانت كفيلة بطرق الأبواب والنفاذ إلي العقول والقلوب في وقت واحد ولم تؤثر تلك المواقف التي أظنها سلبية تجاهي من إيماني به بل وحماسي له في الانتخابات الرئاسية عام 2012، ولأنه إنسان لطيف المعشر حاضر النكتة فقد سألته مداعبًا ما هو موقفك مني إذا أصبحت رئيسًا؟ فأجاب سوف تكون أنت صديق الرئيس! ولقد كان حماسي له نابعًا من أسباب موضوعية فالرجل معروف دوليًا وعربيًا وله اسم مرموق في المنظمات الإقليمية والعالمية بل وعواصم الدول المختلفة ولكن ذلك أمر والشعبية أمر آخر وبهذه المناسبة فإن الكثيرين يخلطون بين نجومية الشهرة وبريق الشعبية وكلاهما أمر مختلف عن الآخر، والذي أثار إعجابي بل وإعجاب المصريين في معظمهم أن إخفاقه في الانتخابات الرئاسية لم يؤثر علي شخصيته أو حماسه للعمل العام أو مشاركته في القضايا الوطنية وبهذه المناسبة فإنني أسجل أن الرجل يملك روحًا ذاتية عالية قادرة علي امتصاص المواقف السلبية واستيعاب الكبوات والمضي في طريقه دون اهتزاز أو تراجع، وقد جاء تتويجه بانتخابه رئيسًا ل∪لجنة إعداد الدستور∪ فأضاف إلي سجله الوظيفي بندًا ضخمًا بعد حياة دبلوماسية حافلة.. إن قصتي مع ∩عمرو موسي∪ هي نموذج للموضوعية والارتفاع عن الجوانب الشخصية وعندما يذهب إلي مكان عام أو حفل اجتماعي فالسعادة الحقيقية ترتسم علي وجهه عندما يراني وأنا بدوري مدمن لجلساته والحوار معه والحديث إليه، وأنا علي يقين أنه سوف يواصل العطاء لأمته ووطنه، ولا يفوتني هنا أن أسجل رأيًا مباشرًا سمعته من عالمين متميزين وعضوين مرموقين شاركا معه في صياغة ∩الدستور المصري∪ عام 2014 هما أ.د.∪عبد الجليل مصطفي∪ وأ.د. ∩محمد أبو الغار∪ فهما يحملان للرجل تقديرًا بالغًا وإعجابًا كبيرًا لأنه شخصية استثنائية بكل المعايير وفي كل الظروف. القمة الثقافية لن أكل أو أمل من الحديث حول اقتراح طرحته منذ عدة سنوات أثناء انعقاد المؤتمر العام ل∪مؤسسة الفكر العربي∪ وفي حضور رئيسها الأمير ∩خالد الفيصل∪ ووزير الثقافة اللبناني آنذاك ∩تمام سلام∪ − وهو رئيس الوزراء الحالي − وقلت يومها أن جزءًا كبيرًا من مشكلات العرب يتصل بالسلوك القومي وتأثير الثقافة علي الناس وقد استقبل الكثيرون اقتراحي حينذاك بحماس شديد ودعا السيد ∩عمرو موسي∪ وقتها إلي لقاء موسع للبحث في هذا الموضوع ثم جاءت ∩القمة العربية∪ في ∩الجزائر∪ لكي تضع ذلك المقترح علي أجندتها واتخذت فيه قرارًا إيجابيًا أسوة بالقمم السياسية والاقتصادية التي انعقدت من قبل، وقد التقيت منذ عام أو بعض عام بالسيد أمين عام ∩جامعة الدول العربية∪ الحالي في حضور المسئولة عن الثقافة في ∩الجامعة∪ ولكن الأمين العام رأي الاكتفاء باعتبار الأمر بندًا علي إحدي القمم العربية المقبلة بدلًا من إفراد قمة عربية لهذا الموضوع وحده، وليسمح لي بالاختلاف معه في ذلك فالعامل الثقافي هو القائد في العلاقات الدولية المعاصرة لأن العولمة وصراع الحضارات بل والحرب علي ∩الإرهاب∪ كلها قضايا ذات طبيعة ثقافية لا يمكن تجاوزها ولا يجب الإقلال من أهميتها، وأنا أكتب الآن في هذا الشأن محاولًا إحياء هذا الطرح الذي تثبت الظروف يومًا بعد يوم أهميته وجدواه لأننا أكثر ما نكون حاجة إلي روح ثقافية جديدة مع عناية بالتعليم واهتمام ب∪اللغة العربية∪ وكلها مقومات تصب في خانة التقدم وتعطي الوطن العربي قدرة علي مواجهة التحديات والتصدي لموجات العنف و∪الإرهاب∪ والحفاظ علي أعمدة الدولة الوطنية في كل الأقطار العربية، إن القمة الثقافية مطلب حيوي في هذه الظروف لو تعلمون شديد الأهمية ولا يجب أن يكون هناك تراجع فيه أو نكوص عنه.