كل سنة وكل مصري بخير.. حمدي رزق يهنئ المصريين بمناسبة عيد تحرير سيناء    مصدر نهر النيل.. أمطار أعلى من معدلاتها على بحيرة فيكتوريا    حلقات ذكر وإطعام، المئات من أتباع الطرق الصوفية يحتفلون برجبية السيد البدوي بطنطا (فيديو)    ارتفاع سعر الفراخ البيضاء وتراجع كرتونة البيض (أحمر وأبيض) بالأسواق الجمعة 26 أبريل 2024    هل المقاطعة هي الحل؟ رئيس شعبة الأسماك في بورسعيد يرد    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    بقيمة 6 مليارات .. حزمة أسلحة أمريكية جديدة لأوكرانيا    حزب الله اللبناني يعلن تدمير آليتين إسرائيليتين في كمين تلال كفرشوبا    حركة "غير ملتزم" تنضم إلى المحتجين على حرب غزة في جامعة ميشيجان    بعد تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على جدول مواعيد عمل محاكم مجلس الدولة    عبقرينو اتحبس | استولى على 23 حساب فيس بوك.. تفاصيل    رئيس مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير في دورته العاشرة: «تحقق الحلم»    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    بث مباشر لحفل أنغام في احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية بعيد تحرير سيناء    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    المحكمة العليا الأمريكية قد تمدد تعليق محاكمة ترامب    السعودية توجه نداء عاجلا للراغبين في أداء فريضة الحج.. ماذا قالت؟    الدفاع المدني في غزة: الاحتلال دفن جرحى أحياء في المقابر الجماعية في مستشفى ناصر بخان يونس    "الأهلي ضد مازيمبي ودوريات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    خالد جادالله: الأهلي سيتخطى عقبة مازيمبي واستبعاد طاهر منطقي.. وكريستو هو المسؤول عن استبعاده الدائم    الشروق تكشف قائمة الأهلي لمواجهة مازيمبي    طارق السيد: ملف خالد بوطيب «كارثة داخل الزمالك»    حدثت في فيلم المراكبي، شكوى إنبي بالتتويج بدوري 2003 تفجر قضية كبرى في شهادة ميلاد لاعب    بعد 15 عاما و4 مشاركات في كأس العالم.. موسليرا يعتزل دوليا    رائعة فودين ورأسية دي بروين.. مانشستر سيتي يسحق برايتون ويكثف الضغط على أرسنال    ملف يلا كورة.. تأهل يد الزمالك ووداع الأهلي.. قائمة الأحمر أمام مازيمبي.. وعقوبة رمضان صبحي    عاجل - "التنمية المحلية" تعلن موعد البت في طلبات التصالح على مخالفات البناء    ارتفاع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الجمعة 26 أبريل 2024    سرقة أعضاء Live مقابل 5 ملايين جنيه.. تفاصيل مرعبة في جريمة قتل «طفل شبرا الخيمة»    عاجل - الأرصاد تحذر من ظاهرة خطيرة تضرب البلاد.. سقوط أمطار تصل ل السيول في هذا الموعد    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    استشاري: رش المخدرات بالكتامين يتلف خلايا المخ والأعصاب    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    حكايات..«جوناثان» أقدم سلحفاة في العالم وسر فقدانها حاستي الشم والنظر    رئيس الشيوخ العربية: السيسي نجح في تغيير جذري لسيناء بالتنمية الشاملة وانتهاء العزلة    تبدأ اليوم.. تعرف على المواعيد الصيفية لغلق وفتح المحال والمولات    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    ليلى أحمد زاهر: مسلسل أعلى نسبة مشاهدة نقطة تحوّل في بداية مشواري.. وتلقيت رسائل تهديد    لوحة مفقودة منذ 100 عام تباع ب 30 مليون يورو في مزاد بفيينا    مخرج «السرب»: «أحمد السقا قعد مع ضباط علشان يتعلم مسكة السلاح»    بدرية طلبة عن سعادتها بزواج ابنتها: «قلبي بيحصله حاجات غريبه من الفرحة»    عروض فنية وموسيقى عربية في احتفالية قصور الثقافة بعيد تحرير سيناء (صور)    «تنمية الثروة الحيوانية»: إجراءات الدولة خفضت أسعار الأعلاف بنسبة تخطت 50%    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    الأغذية العالمي: هناك حاجة لزيادة حجم المساعدات بغزة    سفير تركيا بالقاهرة يهنئ مصر بذكرى تحرير سيناء    خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة 26-4-2024 (نص كامل)    طريقة عمل الكبسة السعودي بالدجاج.. طريقة سهلة واقتصادية    الجيل: كلمة الرئيس السيسي طمأنت قلوب المصريين بمستقبل سيناء    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    عالم أزهري: حب الوطن من الإيمان.. والشهداء أحياء    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    قبل تطبيق التوقيت الصيفي، وزارة الصحة تنصح بتجنب شرب المنبهات    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
قصتي مع «بطرس غالي»
نشر في الأخبار يوم 13 - 12 - 2015

وكان الرئيس الأسبق يفكر بصوت عال لو أنني عينته وزيرًا للخارجية فسوف نبدو وكأننا نقلد تجربة «صدام حسين» مع «طارق عزيز»
إنها قصة طويلة تربط بين تلميذ وأستاذه بدأت فصولها في خريف عام 1962 عندما التحقت ب»الجامعة» طالبًا في «كلية الاقتصاد والعلوم السياسية» وكانت رغبتي جامحة - مثل معظم زملائي - في التعرف علي الأساتذة من ذوي الأسماء التي كنا نسمع بها قبل أن نصل إلي المرحلة الجامعية، فهذا هو «رفعت المحجوب» والآخر هو «بطرس غالي» والثالث هو «عبد الملك عودة» والرابع هو «محمد زكي شافعي» وقس علي ذلك عشرات الأسماء اللامعة من أساتذة «كلية الاقتصاد» بل والحقوق والتجارة والآداب أيضًا لأن هناك بعض المواد المشتركة التي يقوم بالتدريس فيها أساتذة لامعون ينتمون إلي «جامعة القاهرة» قبل انتمائهم لإحدي كلياتها، وبهرنا في ذلك الوقت د.«بطرس بطرس غالي» بتاريخه العائلي المعروف وجده الذي كان رئيسًا للوزراء وجري اغتياله علي يد «إبراهيم ناصف الورداني» طالب الصيدلة الذي كان يدرس في «سويسرا» قبل ذلك فقد كان الاغتيال الذي جري عام 1910 مثارًا للتراشق المسيحي الإسلامي الذي لم يلبس أن ذاب في مقدمات ثورة 1919 التي جعلت الوحدة الوطنية شعارًا أساسيًا.
وقد كنا ندهش ونحن طلاب في مطلع الستينيات من أناقة «بطرس غالي» واحترامه لذاته وانصرافه الجاد لعمله ونتعلق بمحاضراته التي تتميز بالتحريض علي التفكير والدعوة إلي تنظيم العقل وجدولة الذهن وتحليل الأحداث بشكل موضوعي بعد الانتهاء من الرصد الأمين لها، وكان يقوم بالتدريس في قاعة البحث لمادة «التنظيم الدولي» واقترح علينا ذات يوم أن يقوم كل طالب وطالبة بكتابة بحث موجز يدور حول موضوعات المادة التي ندرسها وعندما اخترت عنوانًا هو «أم القري»- كتاب «عبد الرحمن الكواكبي» في التنظيم الدولي الإسلامي- بدت علي وجه «بطرس غالي» المسيحي مظاهر الرضا والسعادة وبدأ في توجيهي نحو أهمية تلك الدراسة مع حرصه علي أن تكون إضافة إيجابية لمقرر مادة «التنظيم الدولي»، وعندما جاء دوري لألقي بحثي لاحظ زملائي حفاوتي ب»اللغة العربية» وحرصي علي رقي مستواها في الدراسة ورأي بعضهم أن ذلك يؤثر علي أهمية الأفكار من خلال بريق اللفظ، ولكن أستاذي «بطرس بطرس غالي» تصدي لهم قائلًا: إن الاهتمام باللغة أيًا كانت هو واحد من مظاهر سلامة البحث وقوة الدراسة وضرب أمثلة بعدد من المفكرين الفرنسيين الذين كانوا يحتفون باللغة فتضيف إلي ما يكتبون لا أن تنال منه، ويهمني هنا أن أشير إلي أن «بطرس بطرس غالي» لا يفرق إطلاقًا بين مسلم ومسيحي طوال حياته فهو لم يكن قريبًا من الكنيسة ولا بعيدًا عنها وأيضًا ليست لديه حساسية من الدراسات الإسلامية والخوض فيها ويحكي دائمًا أنه كان يختار لمزرعته في «الفيوم» مشرفًا «خولي» مسلمًا وزميله يكون مسيحيًا لكي تصله المعلومات الصحيحة من خلال تنافس كل منهما علي إرضاء صاحب الأرض، وقد اشترك «بطرس غالي» مع الراحل د. «محمود خيري عيسي» في إصدار كتاب تعليمي كبير كما أصدر هو أيضًا كتبًا محورية عن «قناة السويس» و«المسألة السودانية» مع الأستاذ «يوسف شلالة» وغيرهما من القضايا الهامة في التاريخ السياسي المصري المعاصر، وكنا ننظر إلي شياكة «بطرس غالي» وبريق سياراته وندهش للحرية التي يتمتع بها في ظل «العصر الناصري» الذي كان يختلف معه فكريًا وتاريخيًا ولكن الرجل كان حصيفًا للغاية ولم يقطع «شعرة معاوية» مع النظام فكان يتمتع بحرية الحركة في السفر دوليًا خصوصًا إلي «فرنسا» دون اعتراض من الأجهزة الأمنية لأن «بطرس غالي» واضح تمامًا ويتصرف بشفافية كاملة في الداخل والخارج.
بل إنني أتذكر أنه عندما كانت هناك حملة من بعض المثقفين الفرنسيين علي الحكومة المصرية بسبب تهميش «الأقباط»، تساءل «بطرس غالي» أمامهم عن عدد الوزراء المسلمين الفرنسيين في إدارة الدولة مقارنًا ذلك بالوزراء المسيحيين في الحكومة المصرية فالرجل لم يتصرف طوال حياته كمسيحي أو مسلم ولكنه كان دائمًا يتصرف كمصري عظيم في كل المناسبات، وعندما تخرجت في الكلية والتحقت بالبعثة المصرية في «لندن» سعيت إلي الأستاذ الراحل «فاتيكيوتس» - رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في «جامعة لندن» - الذي طلب مني تزكية من د. «بطرس غالي» وأي أستاذ آخر من كليتي، وقد وصل إلي أستاذي الجديد خطابان أعتز بهما كثيرًا من الدكتورين «بطرس غالي» و»عبد الملك عودة» وظللت علي تواصل مع أساتذتي من خلال متابعتي لأخبارهم وأسفارهم إلي أن عدت إلي أرض الوطن في سبتمبر 1977 حاملًا درجة الدكتوراه من «كلية الدراسات الشرقية والإفريقية» في «جامعة لندن» حيث استقبلتني الأوساط الفكرية والثقافية في «مصر» بحفاوة بالغة ودعاني المفكر الكبير «سيد ياسين» لتقديم عرض لرسالتي أمام أعضاء «مركز الدراسات الاستراتيجية» ب»الأهرام» بعد أيام قليلة من وصولي إلي أرض الوطن، ثم قام الرئيس الراحل «السادات» بزيارته الشهيرة إلي «القدس» وكان قد جري تعيين «بطرس غالي» في البداية وزير دولة لشئون الاشتراكية الدولية والهيئات المرتبطة بتجمعات «الأحزاب» السياسية العالمية، واستدعاني أستاذي د. «عبد الملك عودة» وأنا سكرتير أول في وزارة الخارجية حينذاك ليطلب مني أن أكون مديرًا لمكتب الوزير الجديد الذي كان يعد له مقر صغير في مبني مجلس الوزراء ولكن زيارة الرئيس ل»القدس» غيرت الأمور باختيار «بطرس بطرس غالي» وزيرًا للدولة للشئون الخارجية وهو الذي دعاني أنا وزميلي الذي يسبقني بالأقدمية المستشار د. «محمود مرتضي» لكي نشارك في تجربة «بطرس غالي» الرائدة والتي استمرت بعد ذلك لعدة سنوات لإصدار «الكتب البيضاء» حول الموضوعات الحيوية في تاريخ الدبلوماسية المصرية وقد بدأناها بوثائق «كامب ديفيد» ثم «كتاب أبيض» عن «إفريقيا» وآخر عن «قناة السويس» فلقد كان الرجل يسعي إلي توثيق الأحداث السياسية والفاعليات الدبلوماسية حتي يحتفظ للوطن بذاكرة حية ومتجددة.
وأشهد الله في هذه المناسبة أنني لم أر «بطرس بطرس غالي» يسعي في أمر معين إلا ومصلحة «مصر» في خاطره من البداية إلي النهاية، وبعد عامين من العمل منتدبًا في مكتبه وجدناه يرسل المستشار «مرتضي» إلي «بكين» والسكرتير الأول «الفقي» إلي «نيودلهي» وكان ذلك مثار دهشة للذين يعملون في مكاتب الوزراء أو بالقرب منهم ويكونون من أهل الحظوة ويجري نقلهم غالبًا إلي «واشنطن» و«نيويورك» و«لندن» و«باريس» وغيرها من العواصم الدولية الهامة سياسيًا والمريحة معيشيًا ولكن «بطرس غالي» كان يريد الخروج من دائرة «المعيار السياحي» إلي دائرة «المعيار الوظيفي»، وعندما جئته عاتبًا عليه نقلي إلي «الهند» قال لي سوف تدرك فيما بعد لماذا فعلت ذلك لك فأنت درست في الجامعة في «لندن» موضوعًا عن «الأقليات الدينية» في الشرق الأوسط» وأنا أبعث بك إلي «الهند» لكي تري ما درسته نظريًا في «الدكتوراه» مطبقًا عمليًا علي أرض «الهند» العظيمة، وقال لي إذا خيرتك بين «نيودلهي» و»مدريد» فقد تختار «مدريد» سائحًا ولكنك يجب أن تختار «الهند» دبلوماسيًا لأنها مدرسة كبيرة لمن يريد أن يتعلم فقد كانت عاصمة «العالم الثالث» في ذلك الوقت، وعندما زارنا في «الهند» «بطرس بطرس غالي» حاملًا رسالة من الرئيس الراحل «السادات» إلي السيدة «أنديرا غاندي» رئيسة الوزراء حينذاك أهديته «ميزانًا صغيرًا» من «النحاس الهندي» لازال يحتفظ به ويتندر معي قائلًا أتريد أن تذكرني بالعدالة المفقودة بسبب نقلك إلي «الهند» سوف تكتشف فيما بعد الخدمة التي أسديتها لك وقد أثبتت لي الأيام صحة ما قاله لي أستاذي «بطرس غالي» فأنا مدين ل»شبه القارة الهندية» بما يقرب من نصف ما أعرفه عن العالم المعاصر وهي مدرسة دبلوماسية رفيعة الشأن عظيمة القدر.
وقد عدت منها لأعمل منتدبًا في مؤسسة الرئاسة سكرتيرًا للمعلومات للرئيس الأسبق «مبارك» وازددت اقترابًا من أستاذي الذي كان هو وزير الدولة النشط والذي كان يمسك بعدد من الملفات السياسية الهامة في مقدمتها «الملف الإفريقي» وكان الرئيس الأسبق يقول أحيانًا إنه يريد أن يكرم «بطرس غالي» ويعطيه حقه وقال ذات مرة إنني لو جعلته وزيرًا للخارجية- باعتباره هو الذي قاد «حركة التحديث» في السلك الدبلوماسي المصري- وكان الرئيس الأسبق يفكر بصوت عال لو أنني عينته وزيرًا للخارجية فسوف نبدو وكأننا نقلد تجربة «صدام حسين» مع «طارق عزيز» ثم فاجأنا الرئيس الأسبق بتعيينه نائبًا لرئيس الوزراء للاتصالات الخارجية علي أن يكون مبعوثًا للرئيس في الأمور الهامة ويبقي مقره في ديوان وزارة الخارجية قريبًا من البرقيات الشفرية ومصادر الأخبار الدولية، وذات يوم استدعاني أستاذي إلي مكتبه وبدا متأثرًا من أن صلاحياته محدودة رغم فخامة اللقب وارتفاع الدرجة وطلب مني أن أبلغ الرئيس الأسبق أمورًا ثلاثة، الأول هو أنه يريد تقسيم وزارة الخارجية بينه وبين السيد «عمرو موسي» وزير الخارجية الجديد علي أن يختص هو بالشئون «الإفريقية» و»الآسيوية» و»اللاتينية» و»الثقافية» و»معهد الدراسات الدبلوماسية» تاركًا لوزير الخارجية «ملفات الشرق الأوسط» والعلاقات مع «الولايات المتحدة الأمريكية» وغير ذلك من الأمور ذات الأولوية في السياسة الخارجية المصرية.
والأمر الثاني أنه يريد أن يذهب مع الرئيس في رحلته القادمة حينذاك إلي «لندن» باعتباره الشخص الثاني بعد الرئيس لأول مرة في حياته، أما الطلب الثالث فقاله في تردد وهو أنه كان في «أبوجا» وكانوا يقترحون أسماء المرشحين لمنصب «أمين عام الأمم المتحدة» وأن الرئيس «موبوتو» قد طلب منه أن يسجل اسمه كمرشح مصري للمنصب لأن الدور في تلك المرة هو علي «القارة الإفريقية» فأجاب «بطرس غالي» بالتزامه المعروف أنه لم يستأذن الرئيس «مبارك» في ذلك فقال له «موبوتو» ضع اسمك مبدئيًا ثم استأذن بعد ذلك، وقد قمت بإبلاغ الرئيس الأسبق برسالة الدكتور «بطرس غالي» الشفهية فاعترض الرئيس علي البندين الأول والثاني لأسباب تتصل بضرورة وحدة العمل في السلك الدبلوماسي ووافق علي ترشيح الدكتور «بطرس» لمنصب «الأمين العام للأمم المتحدة» وكانت تجربة طويلة وشاقة أبلي فيها الدكتور «بطرس غالي» بتاريخه الأكاديمي ومكانته الدولية ونشاطه السياسي دورًا كبيرًا مدعومًا بالحكومة المصرية مع تعزيز قوي من الدولة الفرنسية حتي تبوأ ذلك المصري العظيم أعلي منصب دولي في تاريخ البشرية ولكنه اصطدم مع السياسة الأمريكية ومع وزيرة الخارجية «مادلين أولبرايت» وظل قابضًا علي مبادئه ثابتًا علي مواقفه إلي أن أعلن التقرير الشهير عن مذبحة «قانا» في الأرض المحتلة فخرج من منصبه عند انتهاء مدته رافضًا المساومة بالمد عامًا أو عامين كمحاولة لتحسين علاقته مع «واشنطن» ولكنه أبي ورحل عن المنصب الكبير بعد أن ترك فيه بصمة لا تنسي فهو صاحب «أجندة السلام».
والعجيب أنه فقد منصبه رغم أن أربع عشرة دولة من أعضاء مجلس الأمن الخمس عشرة كانوا مؤيدين له بينما حاز منصبه في البداية بموافقة إحدي عشرة دولة فقط منها والفارق بين الحالتين هو «الفيتو الأمريكي» ضد «الأمين العام» صاحب الشخصية القوية والرأي المستقل «بطرس بطرس غالي» ولقد تبوأ بعد ذلك موقع الأمين العام ل»المنظمة الفرانكفونية» ثم رئيسًا ل»المجلس القومي لحقوق الإنسان» في «مصر»، ولازال الرجل وهو يمخر عباب عامه الرابع والتسعين يحتفظ بصحوة عقل رصين ويبدو مهمومًا بشئون الوطن والقضايا الدولية الراهنة وتشاركه السيدة قرينته حياة منتظمة هادئة لا يعكر صفوها إلا المتاعب الصحية وضغوط المرض في هذه السن المتقدمة ونعوده نحن تلاميذه ومريدوه من وقت إلي آخر نستمد منه الروح التي زرعها فينا منذ أكثر من نصف قرن، إنه ابن «مصر» البار الذي ولد ب»حي الفجالة» في قلب «القاهرة» وهو الذي دعاني ذات يوم عام 2010 لكي أكون المتحدث الوحيد في مئوية رحيل جده، وبعد أن ألقيت كلمتي وأعطيت «بطرس الأكبر» ما له وما عليه احتضنني أستاذي بعد نهاية الكلمة في موضوعية ومحبة، فالرجل الذي لم ينجب يعتبر كل تلاميذه أولاداً له.. أطال الله في عمره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.