انتخابات الشيوخ 2025.. اصطفاف العشرات أمام لجنة عابدين الثانوية بنات    بدء ماراثون انتخابات مجلس الشيوخ 2025 في دمياط.. وزحام أمام اللجان في أول أيام التصويت    أسعار الدواجن والبيض اليوم الاثنين 4 أغسطس 2025    الرئاسة الفلسطينية: لا أمن في المنطقة دون حقوق الفلسطينيين.. وعزلة دولية متزايدة لإسرائيل    جوزيف عون: الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها ملتزمة بكشف الحقيقة كاملة في حادث تفجير مرفأ بيروت    انتخابات الشيوخ 2025.. اصطفاف الناخبين أمام اللجان بالوراق| صور    توافد المواطنين على لجنتي مدرسة ياسر الحديدي والملك فهد بمدينة نصر للإدلاء بأصواتهم في انتخابات الشيوخ (صور)    تنسيق الثانوية العامة 2025.. كليات تقبل من 65% في المرحلة الثانية أدبي «قائمة كاملة»    أسعار الذهب في مصراليوم الاثنين 4 أغسطس 2025    أسعار الدولار اليوم الاثنين 4 أغسطس 2025    أسعار اللحوم بشمال سيناء اليوم الاثنين 4 أغسطس    طوارئ بالسكك الحديد لنقل القضاة والمشرفين على الانتخابات    فتح لجان التصويت أمام المواطنين ب«عابدين الثانوية بنات» في أول أيام انتخابات الشيوخ 2025    بدء ماراثون انتخابات الشيوخ بشمال سيناء.. وتوافد كبير للناخبين علي لجان العريش وبئر العبد    الدفاع الروسية: إسقاط 11 مسيرة أوكرانية في أجواء عدد من المقاطعات الروسية خلال ساعتين    موقف الزمالك من ضم وسام أبوعلي (خاص)    موعد مباراة ليفربول وأتلتيك بلباو الودية والقنوات الناقلة    تمهيدًا لإنتقاله إلى الزمالك؟ سر استبعاد مصطفى فتحي من وديتي بيراميدز أمام سيراميكا وأسوان    أجواء آمنة ومنظمة.. انطلاق عملية التصويت بلجان انتخابات الشيوخ في الإسماعيلية    تجديد حبس عاطل بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين في الزيتون    الأرصاد: الأقمار الصناعية ترصد سحبا منخفضة على القاهرة والوجه البحري    ميرنا جميل تكشف عن أعمالها الفنية المقبلة    قبل «ابتدينا».. جانا وعبدالله عمرو دياب حاضرين في مشوار «الهضبة» منذ 13 عامًا    ليلى عز العرب: كنت أتمنى الاتجاه للغناء.. وما زال الحلم مستمرًا    حملة «100 يوم صحة» تقدم 28 مليونا و901 ألف خدمة مجانية خلال 19 يوما    70 شهيدا من طالبي المساعدات في قطاع غزة.. و"أوكسفام" تحذر من إبادة جماعية    أستراليا تتعهد بتقديم مزيد من المساعدات لغزة بعد مسيرة حاشدة في سيدني    ارتفاع عدد ضحايا غرق قارب مهاجرين قبالة سواحل اليمن إلى 140 شخصا    حدث استثنائي لياسر إبراهيم.. 20 صورة ترصد أبرز أحداث مباراة الأهلي الودية ومنتخب مصر للشباب    اشتعال النيران في سيارة ملاكي بطريق كورنيش النيل بمدينة أسوان    «اللقب الغائب والحلم الأهم».. تحديات تنتظر زيزو مع الأهلي في الموسم الجديد    4 لاعبين أثاروا الجدل خلال فترة الانتقالات الصيفية الجارية    إعلام عبري: إسرائيل وأمريكا قد تستغرقان عدة أشهر للتوصل إلى اتفاق جديد مع حماس    النادي في أزمة.. النفطي يكشف تفاصيل محادثته مع حمزة المثلوثي    أحداث ساخنة بعد منتصف الليل.. تغطية لليوم السابع حول ما يحدث فى العالم (فيديو)    الزمالك يعلن قبول اعتذار أحمد سالم.. تفاصيل    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 4 أغسطس    بشرط تسجيل المواشي.. رئيس شعبة القصابين: الحكومة ستوفر الأعلاف المدعومة لصغار المربين    بعد تضارب أقوالها.. قرار عاجل من النيابة بشأن والدة أطفال المنيا الستة المتوفين    القليوبية تنتهي من الاستعدادات النهائية لانتخابات مجلس الشيوخ| صور    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات بمجلس الوزراء خلال شهر يوليو 2025    مصرع شاب مجهول الهوية صدمه قطار في قنا    ال 92% ب 12 ألف جنيه، القبض على سيدة زعمت قدرتها على تعديل درجات الثانوية العامة    تعانى من ألم شديد.. تفاصيل تطورات الحالة الصحية للمطربة أنغام    «لا تقلق.. أنا بجانبي» للكاتب عمرو فؤاد.. خواطر أدبية تغوص في أعماق المشاعر الإنسانية    ليلى عز العرب: لم أعاصر جدي الموسيقار أبو العلا محمد.. لكنه كان متفتحا وعظيما    بعد القبض على تيكتوكرز.. محمد هنيدي يعلق: «إللي بيشتم أهله بيكسب أكتر من الشقيان»    حدث بالفن | أزمات حفلات الساحل وورطة تامر حسني على المسرح والحالة الصحية ل أنغام    ما حكم عدم تنفيذ الابن لوصية الأم برعاية أخواته؟.. أمين الفتوى يجيب    القبض على ليلى الشبح عقب بث مباشر في منزلها    «القومى للاتصالات» يختتم فعاليات المرحلة الثالثة من مسابقات المنتدى الأفرو- آسيوى للابتكار    طريقة تحضير أفضل صلصة طماطم في مطبخك.. أحلى من الجاهزة وبدون مواد حافظة    وكيل صحة شمال سيناء يوجّه برفع معدلات الأداء ضمن مبادرة "100 يوم صحة"    مديرية الصحة بشمال سيناء تضع ضوابط جديدة لتنظيم العمل بالإدارات الفنية والإدارية    الإفتاء: فقدان قلادة السيدة عائشة كان سببًا في تشريع رخصة التيمم للمسلمين    كتب ممنوعة (1)    دعاء الفجر | اللهم فرج همي ويسّر لي أمري وارزقني رزقًا مباركًا    "الدنيا ولا تستاهل".. رسالة مؤثرة من نجم بيراميدز بعد وفاة بونجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيق الحياة ورائحة الزمن (3)
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 12 - 08 - 2014

دعاني ذات يوم إلي لقاء عاجل به وطرح عليّ فكرته في الترشح لمنصب »أمين عام الأمم المتحدة»‬ مبدياً رغبته في أن أستمزج الرئيس الأسبق »‬مبارك» الرأي في هذا الشأن وقد كان له ما أراد
إنها ليست صفحات مطوية لمذكرات شخصية، كما أنني لم أعمد إلي كتابة السيرة الذاتية إذ أفضل الحديث عنها من خلال أحداث جرت أو أمور حدثت ولا أستطيع في الوقت ذاته أن أنتزع الوقائع من سياقها وأن أقوم بعملية تشريح لمسيرة حياتي لمجرد أنني أريد أن أسجل أمام التاريخ شهادة إبراء ذمة دون تفاعل مع عنصر الزمان أوطبيعة المكان، ولعلي أقول صراحة أن ما أكتبه هو أقرب إلي »‬أدب الاعترافات» حول مراحل العمر المختلفة لا تحتمل الكذب فلا تحتاج إلي ادعاءات عنترية لا حاجة لنا بها، كما أنه لدي الكثير من الأسماء علي المستويين الدولي والمحلي رصيد كبير من هذا النوع من الاعترافات ليس أولها »‬جان جاك روسو» ولا آخرها المفكر المصري الموسوعي »‬لويس عوض» الذي أعترف بأن دهشتي قد بلغت حد الذهول وأنا أمضي بين سطور كلماته في (سنوات التكوين) ولقد ذكرت ذلك في تقديمي لكتاب الأستاذ »‬نسيم مجلي» عن ذلك المفكر الموسوعي، فالصدق هو مادة الإبهار الكبري والرصيد الباقي لصاحبه أمام الأجيال القادمة لذلك يجب أن يكون واضحاً أن صاحب هذه الاعترافات الذاتية قد دأب علي أن يفعل شيئاً من ذلك في عيد ميلاده كل عام وأن يعترف بنقاط ضعفه بل وأن يشير إلي خطاياه أيضا،ً فما أن برحت المدرسة الثانوية متجهاً إلي الجامعة وسط ضجيج العاصمة الصاخب وملايينها التي تدب علي الأرض كل صباح حيث كانت أسرتنا تنتقل في ذلك الوقت بين مدينتي »‬دمنهور» و»الفيوم» وراء عمل والدي رحمه الله وقد آثرت أن أبقي في »‬القاهرة» في الحالتين والتحقت بالمدينة الجامعية، وكان العام الأول لي في الجامعة صعباً للغاية فلقد تعرضت لظروف صحية كان فيها اشتباه عوارض »‬حمي روماتيزمية» بسبب الالتهاب الحاد في »‬الجيوب الأنفية»، وتعودت وقتها أن أبدأ الطريق من حجرتي في المبني الرابع بالمدينة الجامعية في »‬بين السرايات» إلي الجامعة في حماس بغير حدود وتعرفت علي كل كليات الجامعة وأساتذتها من خلال زملائي في المدينة الجامعية بتعدد تخصصاتهم وتنوع كلياتهم وشعرت دائماً بضعف تجاه كلية »‬الحقوق» التي كنت أحرص علي حضور بعض محاضراتها هاوياً خصوصاً وأن كلية »‬الاقتصاد والعلوم السياسية» كانت في مقرها القديم ضيفة علي ملحق كلية »‬الحقوق» بجامعة »‬القاهرة»، كما كنت مغرماً بحضور مناقشات الرسائل الجامعية لدرجتي الماجستير والدكتوراه ولازلت أتذكر احتفال مناقشة رسالة دكتوراه للطالب »‬يحيي الجمل» عام 1963 بل وأتذكر كلماته وهو يشير إلي غلاة الشراح في »‬نظرية الاعتراف» بالتوارث الدولي وكانت لجنة مناقشته مكونة من الثلاثة الكبار في القانون الدولي العام وهم »‬حامد سلطان» من »‬القاهرة» و»حافظ غانم» من »‬عين شمس» و»مصطفي صادق أبو هيف» من »‬الإسكندرية»، ولقد كنت أحضر ذات مرة مناقشة دكتوراه لطالب عراقي وكان رئيس اللجنة هو الراحل الكبير »‬د.حسين خلاف» الذي أومأ برأسه علي المنصة طالباً كوب ماء فإذا المفاجأة أن يقوم عضو اليسار »‬د.لبيب شقير» الذي كان نائباً لوزير التخطيط في ذلك الوقت من العصر الناصري بنفسه ليحضر لأستاذه كوب الماء وتضج القاعة بالتصفيق احتراماً للتقاليد الجامعية وحرص الأحدث علي تكريم أستاذه الكبير في بساطة وتواضع شديدين، ولقد أصبح »‬لبيب شقير» بعد ذلك بسنوات قليلة رئيساً »‬لمجلس الأمة» بينما كنت أمضي أنا في انبهار شديد بأساتذتي بدءاً من »‬زكي شافعي» العميد المؤسس لكلية »‬الاقتصاد» الذي ربطتني به صلة مباشرة من خلال دوري كرئيس »‬لاتحاد طلاب الكلية» مروراً بالدكتور »‬عبد الملك عودة» بأبويته المعهودة وصولاً إلي »‬بطرس غالي» الذي تعايش مع العصر الناصري في براعة غير قابلة للتكرار فضلاً عن أستاذي الموسوعي الذي كنا نسميه »‬الدكاترة حامد ربيع» لعلمه الغزير ومنهجه المتميز في فهم التقاليد الفكرية »‬للحضارة العربية الإسلامية» و»الحضارة الغربية المسيحية» في وقت واحد ولقد تعلمت منه أصول مناهج البحث والتفكير العلمي للدراسات الإنسانية والعلوم السلوكية، كما كان يأتينا »‬سعيد النجار» بأناقته ورقته رافضاً لما يسمي »‬بالاشتراكية العربية» ومتحدثاً في عشق عن الحرية الاقتصادية وآليات السوق، ولكنني أعترف أن النموذج الذي شدني أكثر من بين أساتذتي كان هو »‬د.رفعت المحجوب» بكبريائه المعهود ولغته الرصينة وتحليلاته الرائعة وهو يغوص في فلسفة علم الاقتصاد ويطرح تعريفات متعددة لذلك العلم الجاف بطبيعته مشيراً مرة إلي أنه »‬علم الندرة» ومرة أخري إلي أنه »‬علم المنفعة» ومرة ثالثة يتناوله باعتباره »‬علم الصيرورة»، ولقد بهرتني لغته الراقية وأناقته المعتادة وسيطرته الشديدة علي عقول طلابه أثناء محاضرته ولقد غيرت »‬نظارتي الطبية» لكي تكون من ذلك النوع الذي أستعمله حتي الآن تقليداً له وإعجاباً به، ولقد مرت السنوات واقتربت منه وأنا في مؤسسة الرئاسة وكان هو رئيساً »‬لمجلس الشعب» مثلما هو الأمر في علاقتي الدراسية مع »‬بطرس غالي» والتي تحولت إلي علاقة عمل عندما كان وزيراً للدولة للشئون الخارجية وأنا سكرتير الرئيس للمعلومات، ولازلت أذكر أنه دعاني ذات يوم إلي لقاء عاجل به وطرح عليّ فكرته في الترشح لمنصب »‬أمين عام الأمم المتحدة» مبدياً رغبته في أن أستمزج الرئيس الأسبق »‬مبارك» الرأي في هذا الشأن وقد كان له ما أراد، كما أنني نقلت إلي الرئيس الأسبق أيضاً رغبة »‬الجزائر» من خلال سفيرها في القاهرة» الذي جاء إلي مكتبي مرشحاً »‬الأخضر الإبراهيمي» لمنصب »‬أمين عام جامعة الدول العربية» وعندما أبلغت الرئيس الأسبق بذلك طلب مني أن يكون الدكتور »‬عصمت عبد المجيد» نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية هو مرشح »‬مصر» رسمياً لذلك المنصب وبذلك كنت شاهداً علي ترشيح »‬مصر» لمنصبي »‬أمين عام الأمم المتحدة» و»أمين عام جامعة الدول العربية»، ولعلي أتذكر الآن من ذلك الزمن الجميل أن الدكتور »‬بطرس غالي »‬ كان يدرس لنا في »‬قاعة البحث» لمادة »‬التنظيم الدولي» واخترت يومها بحثي عن »‬التنظيم الدولي الإسلامي» الذي طرحه المفكر السوري »‬عبدالرحمن الكواكبي» في كتابه »‬أم القري» الذي ذاع صيته مع مطلع القرن العشرين، وأتذكر أنني عندما عرضت البحث أمام أستاذي وزملائي أبدي البعض ملاحظة حول حفاوتي باللغة والاهتمام بالإسلوب ولكن الدكتور »‬بطرس» انبري مدافعاً عني قائلاً إن الشكل جزءٌ من المضمون وضرب أمثلة بمفكرين فرنسيين كبار كانوا يحتفون باللغة دون أن يؤثر ذلك في عمق الأفكار وسلامة المنهج، ولقد كانت بحق سنوات دراستي الجامعية هي سنوات التكوين الفكري والثقافي التي عشت علي رصيدها بعد ذلك، كما لم تخل حياتي الطلابية بالجامعة من بعض النوادر إذ جاءني مدرس شاب من قسم »‬العلوم السياسية» كان عائداً من »‬الولايات المتحدة الأمريكية» بعد حصوله علي درجة الدكتوراه عن بحث مرموق في وقته وطلب مني أن أفاتح إحدي زميلاتي في إعجابه بها ورغبته في التقدم لها وبسذاجة ابن القرية ذهبت إليها وقد كانت زميلة راقية الخلق من أصول طبقية عالية وطرحت عليها مطلب الأستاذ الشاب ولكنها اعتذرت وفوجئت في اليوم التالي بأستاذنا الراحل الدكتور »‬عبد الملك عودة» وهو يعلن في قاعة المحاضرات بأن الطالب »‬مصطفي الفقي» رئيس »‬اتحاد الطلاب» بالكلية قد أضاف مهمة جديدة لنشاطه الطلابي بأن يقوم بدور »‬الخاطبة» بين أستاذ وطالبة عندئذ ضجت قاعة الدراسة بالضحك والتصفيق في جو جامعي مرح بلا عقد أو حساسيات وتعلمت من ذلك ضرورة الحرص في استقبال ما يطلب مني، وظلت هذه النادرة في ذاكرة أستاذنا الراحل الدكتور »‬عودة» وزميل دراستي ودُرة خريجي كلية »‬الاقتصاد» وأول عميد لها من أبنائها الوزير الأسبق »‬د.علي الدين هلال»، ولقد تواصلت الحياة وتدفقت المياه ومرت السنون وترسبت أحداث كثيرة في أعماق الذاكرة.
دعاني ذات يوم إلي لقاء عاجل به وطرح عليّ فكرته في الترشح لمنصب »أمين عام الأمم المتحدة»‬ مبدياً رغبته في أن أستمزج الرئيس الأسبق »‬مبارك» الرأي في هذا الشأن وقد كان له ما أراد
إنها ليست صفحات مطوية لمذكرات شخصية، كما أنني لم أعمد إلي كتابة السيرة الذاتية إذ أفضل الحديث عنها من خلال أحداث جرت أو أمور حدثت ولا أستطيع في الوقت ذاته أن أنتزع الوقائع من سياقها وأن أقوم بعملية تشريح لمسيرة حياتي لمجرد أنني أريد أن أسجل أمام التاريخ شهادة إبراء ذمة دون تفاعل مع عنصر الزمان أوطبيعة المكان، ولعلي أقول صراحة أن ما أكتبه هو أقرب إلي »‬أدب الاعترافات» حول مراحل العمر المختلفة لا تحتمل الكذب فلا تحتاج إلي ادعاءات عنترية لا حاجة لنا بها، كما أنه لدي الكثير من الأسماء علي المستويين الدولي والمحلي رصيد كبير من هذا النوع من الاعترافات ليس أولها »‬جان جاك روسو» ولا آخرها المفكر المصري الموسوعي »‬لويس عوض» الذي أعترف بأن دهشتي قد بلغت حد الذهول وأنا أمضي بين سطور كلماته في (سنوات التكوين) ولقد ذكرت ذلك في تقديمي لكتاب الأستاذ »‬نسيم مجلي» عن ذلك المفكر الموسوعي، فالصدق هو مادة الإبهار الكبري والرصيد الباقي لصاحبه أمام الأجيال القادمة لذلك يجب أن يكون واضحاً أن صاحب هذه الاعترافات الذاتية قد دأب علي أن يفعل شيئاً من ذلك في عيد ميلاده كل عام وأن يعترف بنقاط ضعفه بل وأن يشير إلي خطاياه أيضا،ً فما أن برحت المدرسة الثانوية متجهاً إلي الجامعة وسط ضجيج العاصمة الصاخب وملايينها التي تدب علي الأرض كل صباح حيث كانت أسرتنا تنتقل في ذلك الوقت بين مدينتي »‬دمنهور» و»الفيوم» وراء عمل والدي رحمه الله وقد آثرت أن أبقي في »‬القاهرة» في الحالتين والتحقت بالمدينة الجامعية، وكان العام الأول لي في الجامعة صعباً للغاية فلقد تعرضت لظروف صحية كان فيها اشتباه عوارض »‬حمي روماتيزمية» بسبب الالتهاب الحاد في »‬الجيوب الأنفية»، وتعودت وقتها أن أبدأ الطريق من حجرتي في المبني الرابع بالمدينة الجامعية في »‬بين السرايات» إلي الجامعة في حماس بغير حدود وتعرفت علي كل كليات الجامعة وأساتذتها من خلال زملائي في المدينة الجامعية بتعدد تخصصاتهم وتنوع كلياتهم وشعرت دائماً بضعف تجاه كلية »‬الحقوق» التي كنت أحرص علي حضور بعض محاضراتها هاوياً خصوصاً وأن كلية »‬الاقتصاد والعلوم السياسية» كانت في مقرها القديم ضيفة علي ملحق كلية »‬الحقوق» بجامعة »‬القاهرة»، كما كنت مغرماً بحضور مناقشات الرسائل الجامعية لدرجتي الماجستير والدكتوراه ولازلت أتذكر احتفال مناقشة رسالة دكتوراه للطالب »‬يحيي الجمل» عام 1963 بل وأتذكر كلماته وهو يشير إلي غلاة الشراح في »‬نظرية الاعتراف» بالتوارث الدولي وكانت لجنة مناقشته مكونة من الثلاثة الكبار في القانون الدولي العام وهم »‬حامد سلطان» من »‬القاهرة» و»حافظ غانم» من »‬عين شمس» و»مصطفي صادق أبو هيف» من »‬الإسكندرية»، ولقد كنت أحضر ذات مرة مناقشة دكتوراه لطالب عراقي وكان رئيس اللجنة هو الراحل الكبير »‬د.حسين خلاف» الذي أومأ برأسه علي المنصة طالباً كوب ماء فإذا المفاجأة أن يقوم عضو اليسار »‬د.لبيب شقير» الذي كان نائباً لوزير التخطيط في ذلك الوقت من العصر الناصري بنفسه ليحضر لأستاذه كوب الماء وتضج القاعة بالتصفيق احتراماً للتقاليد الجامعية وحرص الأحدث علي تكريم أستاذه الكبير في بساطة وتواضع شديدين، ولقد أصبح »‬لبيب شقير» بعد ذلك بسنوات قليلة رئيساً »‬لمجلس الأمة» بينما كنت أمضي أنا في انبهار شديد بأساتذتي بدءاً من »‬زكي شافعي» العميد المؤسس لكلية »‬الاقتصاد» الذي ربطتني به صلة مباشرة من خلال دوري كرئيس »‬لاتحاد طلاب الكلية» مروراً بالدكتور »‬عبد الملك عودة» بأبويته المعهودة وصولاً إلي »‬بطرس غالي» الذي تعايش مع العصر الناصري في براعة غير قابلة للتكرار فضلاً عن أستاذي الموسوعي الذي كنا نسميه »‬الدكاترة حامد ربيع» لعلمه الغزير ومنهجه المتميز في فهم التقاليد الفكرية »‬للحضارة العربية الإسلامية» و»الحضارة الغربية المسيحية» في وقت واحد ولقد تعلمت منه أصول مناهج البحث والتفكير العلمي للدراسات الإنسانية والعلوم السلوكية، كما كان يأتينا »‬سعيد النجار» بأناقته ورقته رافضاً لما يسمي »‬بالاشتراكية العربية» ومتحدثاً في عشق عن الحرية الاقتصادية وآليات السوق، ولكنني أعترف أن النموذج الذي شدني أكثر من بين أساتذتي كان هو »‬د.رفعت المحجوب» بكبريائه المعهود ولغته الرصينة وتحليلاته الرائعة وهو يغوص في فلسفة علم الاقتصاد ويطرح تعريفات متعددة لذلك العلم الجاف بطبيعته مشيراً مرة إلي أنه »‬علم الندرة» ومرة أخري إلي أنه »‬علم المنفعة» ومرة ثالثة يتناوله باعتباره »‬علم الصيرورة»، ولقد بهرتني لغته الراقية وأناقته المعتادة وسيطرته الشديدة علي عقول طلابه أثناء محاضرته ولقد غيرت »‬نظارتي الطبية» لكي تكون من ذلك النوع الذي أستعمله حتي الآن تقليداً له وإعجاباً به، ولقد مرت السنوات واقتربت منه وأنا في مؤسسة الرئاسة وكان هو رئيساً »‬لمجلس الشعب» مثلما هو الأمر في علاقتي الدراسية مع »‬بطرس غالي» والتي تحولت إلي علاقة عمل عندما كان وزيراً للدولة للشئون الخارجية وأنا سكرتير الرئيس للمعلومات، ولازلت أذكر أنه دعاني ذات يوم إلي لقاء عاجل به وطرح عليّ فكرته في الترشح لمنصب »‬أمين عام الأمم المتحدة» مبدياً رغبته في أن أستمزج الرئيس الأسبق »‬مبارك» الرأي في هذا الشأن وقد كان له ما أراد، كما أنني نقلت إلي الرئيس الأسبق أيضاً رغبة »‬الجزائر» من خلال سفيرها في القاهرة» الذي جاء إلي مكتبي مرشحاً »‬الأخضر الإبراهيمي» لمنصب »‬أمين عام جامعة الدول العربية» وعندما أبلغت الرئيس الأسبق بذلك طلب مني أن يكون الدكتور »‬عصمت عبد المجيد» نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية هو مرشح »‬مصر» رسمياً لذلك المنصب وبذلك كنت شاهداً علي ترشيح »‬مصر» لمنصبي »‬أمين عام الأمم المتحدة» و»أمين عام جامعة الدول العربية»، ولعلي أتذكر الآن من ذلك الزمن الجميل أن الدكتور »‬بطرس غالي »‬ كان يدرس لنا في »‬قاعة البحث» لمادة »‬التنظيم الدولي» واخترت يومها بحثي عن »‬التنظيم الدولي الإسلامي» الذي طرحه المفكر السوري »‬عبدالرحمن الكواكبي» في كتابه »‬أم القري» الذي ذاع صيته مع مطلع القرن العشرين، وأتذكر أنني عندما عرضت البحث أمام أستاذي وزملائي أبدي البعض ملاحظة حول حفاوتي باللغة والاهتمام بالإسلوب ولكن الدكتور »‬بطرس» انبري مدافعاً عني قائلاً إن الشكل جزءٌ من المضمون وضرب أمثلة بمفكرين فرنسيين كبار كانوا يحتفون باللغة دون أن يؤثر ذلك في عمق الأفكار وسلامة المنهج، ولقد كانت بحق سنوات دراستي الجامعية هي سنوات التكوين الفكري والثقافي التي عشت علي رصيدها بعد ذلك، كما لم تخل حياتي الطلابية بالجامعة من بعض النوادر إذ جاءني مدرس شاب من قسم »‬العلوم السياسية» كان عائداً من »‬الولايات المتحدة الأمريكية» بعد حصوله علي درجة الدكتوراه عن بحث مرموق في وقته وطلب مني أن أفاتح إحدي زميلاتي في إعجابه بها ورغبته في التقدم لها وبسذاجة ابن القرية ذهبت إليها وقد كانت زميلة راقية الخلق من أصول طبقية عالية وطرحت عليها مطلب الأستاذ الشاب ولكنها اعتذرت وفوجئت في اليوم التالي بأستاذنا الراحل الدكتور »‬عبد الملك عودة» وهو يعلن في قاعة المحاضرات بأن الطالب »‬مصطفي الفقي» رئيس »‬اتحاد الطلاب» بالكلية قد أضاف مهمة جديدة لنشاطه الطلابي بأن يقوم بدور »‬الخاطبة» بين أستاذ وطالبة عندئذ ضجت قاعة الدراسة بالضحك والتصفيق في جو جامعي مرح بلا عقد أو حساسيات وتعلمت من ذلك ضرورة الحرص في استقبال ما يطلب مني، وظلت هذه النادرة في ذاكرة أستاذنا الراحل الدكتور »‬عودة» وزميل دراستي ودُرة خريجي كلية »‬الاقتصاد» وأول عميد لها من أبنائها الوزير الأسبق »‬د.علي الدين هلال»، ولقد تواصلت الحياة وتدفقت المياه ومرت السنون وترسبت أحداث كثيرة في أعماق الذاكرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.