د. آىة ماهر أستاذي القدير المناضل محمد الراوي ... وداعا رائد من رواد علم الإدارة العامة في مصر ذي الأصول الصعيدية الذي أثري بعلمه الغزير وخبراته الطويلة علي حقل الإدارة العامة في مصر وعلي الالاف من طلابه في مصر والوطن العربي. لم يكن د. محمد الراوي مجرد أستاذ تقليدي لطلابه بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة وجامعتنا الحكومية فقط ولكنه كان نموذجا مثاليا بل فريدا لما يجب أن يكون عليه أستاذ الجامعة، فلقد كان معلما وموجها ومستشارا وأب وصديقا لكل طلابه وكل زملائه من الأساتذة أيضا حتي بعد أن مكث عن التدريس بالجامعة عام 2008 كان دائما حريصا علي التواصل معنا كأستاذ وأب وموجه، وأذكر في كثير من المرات التي لجأت إليه في أمر ما أن اتصلت به لأخذ رأيه فدائما كانت نصيحته لي طالما إنني علي حق فلا بد أن أكون مناضلا من أجله، فكان يعلمنا أن الحق دائما لابد أن ينتصر، لقد تتلمذ علي يده المئات والمئات من أبناء مصر والأمة العربية الدارسين للإدارة العامة في مصر، وبالرغم من أن د.الراوي درس وقضي سنوات طويلة في الولاياتالمتحدةالأمريكية مثله مثل الكثير من الأساتذة لكنه لم يأت علينا بالخواجة الذي يعلمنا الإدارة العامة في بلدنا حيث كان يتحدث باللهجة الصعيدية ويفتخر بها ويستخدم دائما أمثلة شيقة مستواحاه من صعيد مصر، لقد كانت لتلقائيته وخفة دمه الفائقة و مصداقيته وجرأته وتميزه بالجدعنة المصرية سببا كبيرا في شعبيته في أي مكان يتردد عليه، فلم تكن محاضرته مجرد تلقين بالنظريات والدراسات فقط بل كانت دائما تدريب عملي من خلال تحليل وتطبيق ما ندرسه علي المشاريع القومية أو سياسات الإدارة العامة في مصر كما لو إننا داخل المطبخ الإداري بكل وزارة. ولد الدكتور محمد الراوي عام 1935 بقرية بهجورة بمحافظة قنا ودرس بمدرسة داود تكلا باشا بقنا، ثم أكمل دراسته الثانوية بمدرسة السعيدية بالقاهرة، ثم درس بكلية الحقوق بجامعة القاهره وقادته جرأته وشعبيته بين زملائه إلي أن يكون رئيس اتحاد الطلاب بالجامعة ونائب اتحاد الطلاب علي مستوي الجمهورية ثم أمين عام للطلاب في ظل الوحدة مع مصر و سوريا، منحته جامعة القاهرة منحة للدراسة بالولاياتالمتحدةالأمريكية لمدة عام وعندما رجع حاول تغيير الكثير من الأوضاع المغلوطة في مصر في أواخر الخمسينيات بمقالته وخطابته الجريئة في الجامعة وملتقيات الشباب العامة ولكن تم التضييق عليه واعتقاله عدة مرات، بل حرمانه من دخول امتحانات آخر العام وهو في آخر العام الدراسي الثالث بكلية الحقوق مما اضطره للعودة إلي أمريكا مرة ثانية، فبدأ الدراسة الجامعية من جديد في العلوم السياسية لحبه وولعه بالسياسة، ولكنه لم ينقطع أبدا بقلمه وبخطبه الجريئة لتحسين أوضاع بلده، وفي كل مرة كان يعزم النزول لمصر في الستينيات كان يتم القبض عليه، فرجع إلي أمريكا وأكمل دراسة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في الجامعات الأمريكية، وبعد أكثر من 11 عاما تمكن د.الراوي من الرجوع إلي حبه ومسقط رأسه مصر عام 1975 فعمل بالتدريس الجامعي في جامعتنا الحكومية والخاصة مثل جامعة حلوان، وجامعة المنوفية والاكاديمية البحرية والجامعة الامريكية، وتم انتدابه أيضا للتدريس في بعض الجامعات العربية مثل جامعة بغداد وقطر لشهرته في مجال العلوم السياسية والإدارة العامة. أستاذي القدير د. محمد الراوي، لقد تعودنا منذ شهر بالتقريب أن نلتقي معك مع باقي الزملاء بعد انتهاء العام الدراسي لنستمتع بأحلي ذكريات الدراسة ولكن القدر كان أسرع مننا بسبب الحادث الأليم الذي ألم بك، كنت أتمني أن تنصف أو حتي تنال حقك في التكريم الذي كنت حقا تستحقه في آخر سنواتك الأكاديمية أو تقرأ ما كتبناه فيك من حب وتقدير لطلابك تعجز عنه الألسنة، لقد لمت نفسي كثيرا لأني كنت دائما أري فيك الأستاذ المناضل الشجاع صاحب المباديء ولكن انتظرت لأقولها لك بعد وفاتك، أنبكيك ؟ لا بل نحييك ونرفع لك قبعتنا احتراما وتقديرا لعلمك وشخصك الكريم، ونبشرك بأنك بالفعل انفعتنا بعلمك وبمبادئك وسنحملها لك مثل الأمانة التي حملتها لنا لننشرها بين طلابنا وأبنائنا أجيالا وأجيالا. فبشرة وهنيئا لك بهذا النور الذي لا ينطفئ عنك أبدا يا أستاذي الفاضل.