لا يمكن ان تمضي ذكري رحيل الكاتب الكبير علي أمين دون أن نذكر بعض فضائله وأفضاله، لقد ظل بعيدا عن وطنه عشر سنوات كاملة منفيا ومضطهدا ومظلوما ولكن قلمه ظل طوال هذه السنوات عفيفا نزيها نبيلا، لم يكتب كلمة واحدة تسئ إلي مصر أو شعب مصر. عندما كنت اذهب لزيارة علي أمين في المستشفي في أيامه الاخيرة، أجده مستلقيا علي سريره يقرأ أو يكتب، واحيانا اجده جالسا وسط تلاميذه، لقد ظل علي أمين لا يعرف شيئا عن مرضه الخطير شهورا، وعلم بحقيقة هذا المرض قبل رحيله بأيام، لقد اضطر مصطفي أمين أن يصارحه به حتي يقتنع بالسفر إلي الخارج للعلاج، وشاءت الظروف ان تكون زيارتي له في احدي الأمسيات عقب معرفته بمرضه الخطير بساعات وعندما طرقت باب غرفته، نظر إلي مبتسما ومرحبا كعادته، إنني لا أستطيع أن أنسي تقاطيع وجهه في هذه الليلة، كان مشرقا صافيا، اختفت منه التجاعيد، وبدا وكأنه وجه ملاك، لقد شعرت أن لمسة إلهية تشمله، ونورا ربانيا يحتويه، قال لي بصوت ملئ بالأمل: لقد عرفت حقيقة مرضي.. فهل أنت مستعد لتسمع خبرا غير سار! قلت في قلق شديد: وما هو هذا الخبر..؟ قال: إذن امسك اعصابك وتمالك نفسك.. أنا مريض بالسرطان.. ولم يكن هذا الخبر مفاجأة لي، فقد كنت أعرفه، ولكن المفاجأة التي أدهشتني ان علي أمين لم يهتز أو ينفعل وهو يصارحني بحقيقة مرضه، أعلن الخبر وكأنه يلقي بقنبلة صحفية! ثم أطرق برهة وقال: أنا متفائل جدا، وكيف أتشاءم وأنا الذي أدعو الناس للتفاؤل، لقد حجزوا لي مكانا علي الطائرة، وسوف أسافر وسأشفي، ولكن المرض كان قاسيا فلم يمهله حتي تحمله الطائرة إلي الخارج. ونظر علي أمين في وجهي ليري مدي تأثير هذا الخبر الخطير علي مشاعري، ويبدو انه أحس بما أعانيه من حزن، فأراد أن يخفف عني فقال مبتسما وهو يشير إلي أحد أدراج الشفنيرة الموجودة بغرفته: افتح هذا الدرج ستجد فيه شيكولاته، خذ منها ما تشاء وأعطني واحدة، انها شيكولاته جيدة من انجلترا أحتفظ بها لمن احبهم فقط. أن علي أمين لم يكن انسانا عاديا، كنت أراه دائما كالعملاق، له قوة نفاذة، وإرادة قوية، وعقل خلاق، ورغم هذا كان يحمل في صدره قلبا رحيما، قلبا لم يعرف يوما الحقد أو الكراهية، وهذا هو سر بقاء علي أمين حيا في قلوب الملايين.